بالتّزامن مع حرب الإبادة المعلنة التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزّة، ثمّة حرب صامتة أخرى غير مسبوقة بقساوتها يشنّها العدو على الأسرى الفلسطينيين وعلى أهالي الضفّة الغربية، شهدت ذروتها منذ السابع من تشرين الأول الفائت.تبدأ عملية التنكيل الإسرائيلية قبل الإعتقال، ويحرص الاحتلال على أن تكون عملية الاعتقال جزءاً من العقاب الجماعي. وقد شملت عمليات الاعتقال في المدة الماضية
• احتجاز أفراد من عائلات المعتقل للضغط عليه وإجباره على تسليم نفسه.
• التهديد بإطلاق النار بشكل مباشر.
• التحقيق والتعذيب الميداني.
• التهديد بالاغتصاب.
• استخدام الكلاب البوليسية.
• الضرب المبرح.
• استخدام المواطنين دروعاً بشرية.
• وقد وصلت إلى حد الإعدام الميداني للأسير أثناء الاعتقال.
في هذا الإطار، كثّف الاحتلال عمليّات الاعتقال، ليصل عدد المعتقلين إلى 3035 (حتى 22 تشرين الثاني). وفي تشرين الأول كان عدد المعتقلين 1760، وهو الأعلى خلال شهر منذ انتفاضة الأقصى الأولى عام 2000.
وتحوّلت سجون الاحتلال إلى «مسالخ» للتعذيب والإذلال والتنكيل (راجع «القوس»، تعذيب آلاف الأسرى في ظلام المعتقلات). عشرات مقاطع الفيديو التي نشرها الاحتلال مؤخراً، يظهر فيها معتقلون فلسطينيون معصوبو الأعين، وقد أُلصق بهم علم الكيان، وكتُب على جباههم، فيما يصدح صوت الموسيقى والأغاني العبرية الصاخبة في الخلفية.
وأظهر مقطع فيديو، تعذيب جنود الاحتلال لمجموعة من الفلسطينيين المدنيين العزّل بعد تجريدهم من ملابسهم، ما يشكل قمّة الحط من الكرامة الإنسانية للمعتقلين. وفي هذا السياق صعّدت إدارة سجون الاحتلال عمليات النقل الجماعية، واستهدفت عبرها قيادات من ذوي الأحكام العالية، وأسرى قدامى، ورافقت ذلك اعتداءات بالضرب والتنكيل، إلى جانب تصاعد عمليات العزل الإنفراديّ.
ومنذ الساعات الأولى لعملية «طوفان الأقصى»، عمدت إدارة السجون أيضاً إلى تقويض أساسيات العيش لدى الأسرى، عبر:
• تقليل وجبات الطعام إلى «لقيمات».
• الحرمان من الرعاية الصحية والعلاج عند الإصابة تحت التعذيب.
• استخدام الكلاب البوليسية في الاعتداءات على الأسرى.
• تعريض الأسرى للبرد الشديد.
• قطع الكهرباء والماء.
• سحب مقوّمات العيش الأساسية كافة.
• فرض حصار خانق على حركة الأسرى.
• أشكال أخرى من العنف والتعذيب.
• استهداف الهياكل التنظيمية للأسرى وقيادات الحركة الأسيرة داخل السجون.
يأتي ذلك وسط عرقلة عمل الطواقم الحقوقية للوصول إلى الأسرى والدفاع عن المعتقلين، ومنع الزيارات العائلية، وتقاعس المؤسسات الدولية عن تأدية دورها.
في غضون ذلك، ارتفع عدد الأسرى الذين استشهدوا تحت التعذيب والاغتيال الممنهج إلى ستة. وهذا العدد مرشّح للزيادة وسط استمرار استفراد الاحتلال بالأسرى وإخفائه لأخبار استشهادهم.
التعذيب المفرط "غير المبرر" ظهر في عدة حالات اعتقالية، ففي الحادي عشر من الشهر الجاري، اقتحم جنود الاحتلال منزل الحاج سامي شبانة، بسبب متابعته لإحدى المحطات الإخبارية التي تنقل العدوان، واعتدوا عليه وعلى نجله قسام (16 عاماً) وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، بالضرب المبرح، قبل اعتقالهما ونقلهما إلى معسكر سنجل العسكري حيث تعرّضا للضرب بأعقاب البنادق. وعندما أخبرهم الوالد أن نجله يعاني من مشكلات صحية، اعتدوا عليهما بأسلوب همجي وأطفأوا السجائر بيدي قسام وقدميه، وتعمدوا إهانتهما برسم نجمة داوود على جبهتيهما. بعد احتجازهما لأكثر من 15 ساعة، أفرج عنهما ونقل الحاج سامي لتلقي العلاج بعد من آثار التعذيب.
وفي 13 من الشهر الجاري، اعتقل الاحتلال الشابين الشقيقين مهدي وفادي حجير من مخيم الجلزون شمال رام الله، واعتدى الجنود على فادي بوحشية، للضغط على شقيقيه شادي الذي سلّم نفسه. وبعد الإفراج عن فادي، اكتشفت عائلته أن جنود الاحتلال أحرقوا قدميه أثناء التحقيق القاسي الذي خضع له.
وتعرّض الأسير المصاب أسيد صالح (20 عاماً) من مدينة جنين، للتنكيل والتعذيب الشديدين منذ لحظة اعتقاله في 9/10/2023. حيث أُصيب في قدمه إصابة بالغة، نُقل على إثرها الى مستشفى خاص لمدة 3 أيام، ثم إلى "عيادة" سجن الرملة.
ونقل محاميه عنه تعرّضه لاعتداءات وحشية منها الضرب بالبندقية مكان الإصابة، وتصويره أثناء ضربه وإهانته، وهجوم المستوطنين عليه في غرفة المستشفى، وتعرضه للضرب على أيدي عناصر شرطة الاحتلال في المستشفى ووضع وسادة على فمه لمنعه من الصراخ.

العدو يسعى إلى إعدام الأسرى
يسعى العدو الإسرائيلي إلى إصدار قانون ينصّ على «إيقاع عقوبة الموت بحق كل شخص يتسبّب عن قصد أو بسبب اللامبالاة في وفاة مواطن إسرائيلي بدافع عنصري أو كراهية ولإلحاق الضرر بإسرائيل».
«لا يستحقون أن يروا الشمس»، بهذه الكلمات أوعز وزير الأمن القومي للاحتلال إيتمار بن غفير، للسجّانين بتشديد ظروف الاعتقال للأسرى بعد جولة له في سجن «عوفر» حيث يُحتجز الأسرى الذين اعتقلوا في «غلاف غزة» (بعد السابع من أكتوبر). وأشرف بن غفير على ضمان بث «النشيد الوطني الإسرائيلي» في السجون طوال الوقت وتقييد أيدي الأسرى وأرجلهم ووضعهم في زنزانات مظلمة تضم كل منها 8 أشخاص، ونومهم على أسرّة حديدية، وتخصيص مرحاض أرضي لهم، وتجويعهم وتعطيشهم.
واستكمل «الوزير» سياساته السابقة باستهداف الأسرى، عبر الدفع لتمرير «قانون إعدام الأسرى» عبر مناقشته في لجنة برلمانية في «الكنيست»، تمهيداً لطرحه للتصويت في الهيئة العامة لكنيست الاحتلال. وقد شهدت جلسة التصويت الأولية معارضة حادة من ذوي الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة في غزة، خوفاً على حياة أبنائهم.
ومنذ الحرب على غزّة، أصدرت سلطات الاحتلال قرارات وقوانين قضائية لإضفاء صبغة قانونية على التنكيل الذي تمارسه بحق الأسرى (راجع «القوس»، جرائم الاحتلال بواسطة قانون عسكري).
شهادات أسرى وأسيرات في سجون الاحتلال
■ الزنازين تسيح منها الدماء
«المعاملة في سجن مجدو شيء لا يتخيّله عقل، تعذيب جسدي ونفسي وقاتل. يقومون بالتعذيب والضرب على الأماكن الحساسة ما يسبّب عاهات دائمة. قال أحدهم لنا: بدي احرمكم يجيكم ولد يقلكم يابا أو ماما، ناهيك عن سب الذات الإلهية والنبي محمد، وإجبارك على أن تسبّ "حماس". وفي بداية التعذيب يجب أن تقبّل العلم الإسرائيلي وإذا لم تقبّله يضربون رأسك بالبسطار ويصوّرونك فيديو ويستهزئون بك. سحبوا أغراض الأسرى كلها، حتى تلك التي اشتروها بأموالهم ولم يتركوا سوى قطعة الثياب التي يلبسها الأسير، قطعوا الكهرباء، الأكل معدوم، صرنا نصوم كي نوفّر الطعام للأشبال (الأسرى الأطفال).
التعذيب هائل، لدرجة أن الزنازين تسيح منها الدماء كالمياه، لا يفرّق الاحتلال بين أسير محكوم وغير محكوم، وبين صغير أو كبير، ويتواصل على مدار الساعة التعذيب بالمياه الساخنة والباردة والضرب على الرأس، فيما ينعدم وجود الأدوية والطبابة والاستشفاء. ما يجبروننا عليه غير وارد في أي قانون دولي أو ضمن التحقيق الطبيعي، كما لا يطلبون منك إفادة، بل يكتبون ما يريدون من اتهامات ويحوّلونك إلى الاعتقال الإداري».
■ السجّان يدوس على وجهي
{رأيت شبّاناً، أصيبوا بحالات نفسية. أحد الشبّان عندما يسمع صوت مفاتيح السجان يلجأ إلى الزاوية ويبدأ بالارتجاف. ظلّ السجان يدوس على وجهي ويجبرني على شتم "حماس". ما كدت ألتفت حتى بدأ الجنود الذين كانوا ورائي وإلى جانبي بالضرب. أحد رفاقي، أدخله السجّانون إلى الحمام مع آخر، فتحوا عليهما الماء الباردة وأجبروهما على خلع ثيابهما، وبدؤوا بضربهما تحت الدوش، وكان صراخهما يصل إلينا}.
«عمرك شفت حدا دموي؟ أنا دموي، أنا بدي أقتلكم، أنا جاي عشان أقتلكم»، يقول مدير السجن الذي يدخل بسلاحه إلى السجن يومياً


■ تركيز الضرب على الرأس والعينين والصدر
«عمرك شفت حدا دموي؟ أنا دموي، أنا بدي أقتلكم، أنا جاي عشان أقتلكم»، يقول مدير السجن الذي يدخل بسلاحه إلى السجن يومياً، ويبدأ بالدوران في ساحة الفورة (باحة السجن) مهدداً الأسرى عند كل تعداد لهم. أثناء التفتيش يجبروننا على النوم أرضاً، ويضعون الكلاب علينا لمدة ساعتين ونصف ساعة. هجم عليّ الكلب 3 مرّات. أثناء تفتيش غرفة معيّنة، على الأسرى في الغرف الثانية النوم على الأرض ووضع أيديهم على رؤوسهم، ولا خروج إلى باحة السجن. يركّز الجنود ضربنا على منطقة الرأس والعينين والصدر. أما الأسرى المرضى، فمحرومون من العلاج ولا توجد عيادات أو أدوية، كما أن الأسرى الذين يصابون أثناء التعذيب يُتركون من دون علاج. أنا وهسّا طالع من باب الغرفة، حتى مدخل السجن، كل الأرض وكل ساحة السجن عبارة عن دم، حتى البوسطة يلي ركبوني فيها بتفوح ريحتها دم».
■ «معي 20 جندي، بدنا نغتصبك»
في سجن «الدامون»، تتعرّض الأسيرات للتفتيش العاري والهمجي والتهديد بالاعتداء عليهنّ، يقوم السجّانون بتصويرهنّ بهواتف خاصة، وطرح أسئلة استفزازية، وابتزازهنّ بعائلاتهنّ. كما تعانين من الاكتظاظ في السجن، وسحب أغراضهنّ، والعزل الجماعي داخل الزنازين والقمع. وقد وثّق المحامي حسن عبادي شهادة الأسيرة لمى الفاخوري التي تعرّضت للتفتيش العاري وقالت إن ضابطاً من جيش الاحتلال هدّدها في معسكر كريات أربعة قائلاً «معي 20 جندي، بدنا نغتصبك... بدّي اعتقل أولادك واحرقهم... أنتم أسرى حرب وبطلعلنا نعمل فيكم شو بدنا».



عميد الأسرى


يدخل الأسير نائل البرغوثي عامه الـ44 في سجون الاحتلال، وهذا أطول مجموع مدة اعتقال في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة. تعرض البرغوثي مؤخراً لاعتداء على يد قوات القمع بعد نقله من سجن عوفر إلى سجن جلبوع. الأسير البالغ من العمر (66 عاماً) من بلدة كوبر/ رام الله، اعتُقل عام 1978، وقضى 34 عاماً في الاعتقال بشكلٍ متواصل، ولا يزال يقبع في زنازين الاحتلال كرهينة بذريعة وجود ملف «سرّي».