رئيس الجمهورية اللبنانية الذي ينتظر اللبنانيون انتخابه هو «رئيس» الدولة و«رمز» وحدة الوطن، يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه، و«يرأس» المجلس الأعلى للدفاع، وهو «القائد الأعلى للقوات المسلحة».. لكنه لا يحظى بلقب «حاكم» في لبنان. رئيس مجلس الوزراء، هو «رئيس» الحكومة، يمثّلها ويتكلم باسمها، ويُعدّ «مسؤولاً» عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء.. لكنه لا يحظى بلقب «حاكم».
رئيس مجلس النواب، يمثّل المجلس ويتكلم باسمه و«يرأس» الجلسات و«يحفظ الأمن» داخل المجلس وفي حرمه، و«يلفظ ويطبّق» العقوبات.. لكنه لا يحظى أيضاً بلقب «حاكم».
في لبنان شخص واحد يحمل قانونياً لقب «الحاكم»، هو حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، المدّعى عليه والمطلوب للشرطة الدولية بمذكّرة حمراء. فوحده الحاكم من يستطيع أن يبقى في مركزه ويحافظ على لقبه حتى لو انهار كل ما يتعلق بمسؤولياته القانونية.
إذ يبدو أن وظيفته تنحصر بأن يكون حاكماً يتمتّع بسلطة واسعة على إدارة مصرف لبنان، من دون أن يتحمّل مسؤولية انهيار قيمة الليرة واحتجاز أموال الناس وسقوط النظام المصرفي. كيف لا والحاكم هو الكل بالكل؟ فإذا رُفعت شكوى تبييض أموال، مثلاً، هو من يتولى قانوناً التحقيق فيها، ويمنحه قانون النقد والتسليف أوسع الصلاحيات للإدارة وتسيير الأعمال.
وكأن الصلاحيات التي ينص عليها القانون ليست كافية لتجعله «حاكماً»، حتى يضاف إليها وسائل إعلامية وإعلاميون يدافعون عنه ويشيدون بإنجازاته وكفاءاته في سعيهم لتبييض صورته، رغم تحوّله أخيراً إلى مطلوب للقضاء الأوروبي في قضايا جرمية وقعت في أوروبا وغيرها. علماً أنه يبدو أكثر المدافعين عن «الحاكم» مترددين في ذلك بشكل مباشر وعلني. ففي مقدّمات بعض نشرات الأخبار، مثلاً، دفاع مموّه عن سلامة وتحليلات غير واقعية وتلاعب بأخبار مجهولة المصدر تشدّد على براءته ونظافة كفّه.
لم يكن للحاكم مجال للإفلات من الملاحقة القضائية، حتى لو سانده الإعلام ودافع عنه، لولا وقوف بعض الوزراء والنواب ورجال الدين خلفه عبر تبريرهم عدم إقالته خشية «انهيار الهيكل» على رؤوسهم.
أما معظم القضاة فيبدو أنهم لا -ولن- يجرؤوا على ملاحقته قضائياً بشكل جدّي. كيف لا والتشكيلات القضائية تُمرَّر على أساس المحاصصة الطائفية والسياسية؟
لم يعد خافياً على أحد أن في لبنان مجموعة من الوزراء والنواب والسياسيين ورجال الدين وأصحاب رأس المال يستميتون في الدفاع عن «الحاكم» لأنه، كما يبدو، المدير المالي للمنظومة الحاكمة منذ تسعينيات القرن الماضي. في الوقت نفسه، يطالب أخصام هؤلاء بمحاكمته، لكن من دون التمسّك جدّياً بهذا المطلب (بعضهم كان في موقع يتيح له إقالة الحاكم ولم يفعل).
وبعد تردّد القضاء اللبناني في مقاضاة سلامة، تُرك أخيراً الأمر للسلطتَين القضائيتَين الفرنسية والألمانية اللتين تسعيان بدورهما إلى حماية مصالح بلادهما. لكن كان لافتاً حماس بعض اللبنانيين الغاضبين في التعبير عن إعجابهم بالإجراءات القضائية الأجنبية واتّكالهم عليها، لا بل الشروع بالتهديد بها والتبشير بأنها ستعيد الحقّ إلى أصحابه. إذ يظن هؤلاء أن القضاءَين الفرنسي أو الألماني سيكونان أكثر حرصاً على مصالح لبنان من القضاء اللبناني. وفي هذا مشكلة لا تنحصر بضعف التمسّك بالسيادة الوطنية، بل تذهب أبعد من ذلك لتجسّد خللاً جسيماً في وضع مسار المعالجة الصحيح. فالاتّكال على الأجنبي، أو على أي قوة خارجية، لمعالجة التحدّيات الداخلية، يفتح المجال لتعاظم تلك التحدّيات بحيث تتيح بشكل أوسع تدخلات أشمل في شؤون لبنان الداخلية، خصوصاً بعد اكتشاف حقول الغاز والنفط في البحر.
لبنان يحكمه رياض سلامة، الذي لم يعد اسماً لحاكم مصرف لبنان، بل رمزاً للفساد ومدرسة تبدو ناجحة للإفلات من العقاب. وبالتالي، إن إقالته فوراً وإحالته إلى المحاكمة العلنية من دون إبطاء أو تلكؤ أو تردّد سيكون بداية الخروج من الأزمة.