منذ أكثر من سنة، نترقّب استصدار مرسوم يعدّل أسس تحديد الرسوم السنوية المترتبة على الترخيص بالإشغال المؤقت للأملاك العمومية البحرية، وجباية رسوم الدخول إليها أو استثمارها من المواطنين تحت إشرافها. إذ تتوجّب هذه الرسوم على الشاغلين المرخّصين، ويخضغ غير المرخّص للهدم والإخلاء الفوري. ووفقاً لما أوردنا في مقال سابق (راجع «القوس»، 9 نيسان 2022، إشغال «مؤقت» منذ مئة عام)، من الضروري التأكيد أن رسوم الإشغال المعدّلة حديثاً لا تزال أرقاماً هزيلة، وأن إيرادات هذه الأملاك تقتضي أن تكون رافعة للاقتصاد والتنمية الاقتصادية، وألّا أن تكون في أيدي النافذين وأبنائهم، بل لمصلحة أبناء الوطن جميعاً. فهل يطبّق المرسوم على مستبيحي الشواطىء أو مستثمريها؟

قرر مجلس الوزراء، بموجب قراره رقم 12 المتّخذ في جلسته المنعقدة بتاريخ 18/4/2023، تعديل أسس احتساب سعر المتر المربّع لتحديد الرسم السنوي المترتب على الإشغال المؤقت للأملاك البحرية، والموافقة على مشروع المرسوم الذي سيصدر بمقتضاه. وتنصّ المادة الأولى من مشروع المرسوم على أنه «تُعتمد الأسس والمعدّلات المبيّنة لتحديد الرسوم السنوية المترتبة على الترخيص بالإشغال المؤقت للأملاك العمومية البحرية وفقاً للجدول الملحق بهذا المرسوم، على أن يُعدّل سعر المتر المربّع الوارد في الجدول الملحق عبر تحويله إلى الدولار الأميركي على أساس سعر صرف 1507,5 ل.ل. ثم ضربه بمتوسط سعر صرف السوق لليوم السابق لتاريخ إصدار رخصة الإشغال المؤقت للأملاك العمومية البحرية أو لتاريخ تجديدها». وبالتالي، يبقى هذا الرسم بالليرة اللبنانية، لكنه يصبح رسماً متحركاً يرتبط بسعر صرف الدولار في السوق لليوم السابق لتاريخ إصدار الرخصة أو تجديدها.

الزيادة الدورية لرسوم الإشغال المؤقت للأملاك العمومية البحرية
إضافة إلى تعديل مرسوم أسس تحديد الرسوم السنوية للإشغال المؤقت، تجدر الإشارة إلى أن المادة 7 من المرسوم رقم 4217، الصادر بتاريخ 28/12/2018، تنصّ على وجوب مضاعفة الرسوم بنسبة نصف الزيادة التي تطرأ على الشطر الأول لغلاء المعيشة الذي يقر للقطاع الخاص، على أن تطبّق هذه الزيادة اعتباراً من السنة التالية لصدور مرسوم غلاء المعيشة.
أي أنه كان يقتضي أن تُزاد هذه الرسوم تلقائياً ومن دون الحاجة إلى أي مرسوم أو قرار بدءاً من السنة التالية لصدور مراسيم غلاء المعيشة، بموجب المرسومين رقم 9129 تاريخ 12 أيار 2022 (تعيين بدل غلاء معيشة للمستخدمين والعمال الخاضعين لقانون العمل)، ورقم 10598 تاريخ 2022/10/19 (إقرار زيادة مالية مضافة على الأجر الشهري للمستخدمين والعمال الخاضعين لقانون العمل)، أي منذ بداية العام 2023، حيث أُضيف إلى الشطر الأول من الأجر مبلغ 1.325.000 ليرة، فإن المضاعفة التي كانت تبلغ ضعفاً واحداً تقريباً قبل تطبيق المرسوم الجديد لغلاء المعيشة يقتضي أن تنعكس أيضاً على هذا الرسم بالأسس ذاتها.

الإشغال غير المجاز بمرسوم: الهدم والإزالة
أما الإشغالات غير المرخّصة والتي تُعدّ تعدّياً على الأملاك، فالأمر قانوناً لا يحتاج إلى أي قرار، ولا يجوز أن تشمل شاغليها أي تسوية أو فترة سماح، إلا بصدور قانون يجيز السماح لهم بإبقاء منشآتهم. ومن المفيد الإشارة إلى القانون الذي صدر عام 1990، ونصّت المادة 30 من قانون الموازنة لعام 1990 على ما يلي: «تعتبر باطلة بطلاناً مطلقاً ويحظر على أي جهة رسمية ترتيب أي أثر قانوني عليها جميع الأعمال والتصرفات والتدابير الحاصلة خلافاً للقواعد والأصول المقتضية قانوناً وبصورة خاصة ما يلي: .. ب- إشغال الأملاك العامة البحرية الحاصلة دون استصدار مراسيم تجيزها ولا يترتب للشاغل الفعلي بصورة قانونية أي حق مكتسب مهما كانت مدة إشغاله». فالقانون يبقى نافذاً ولا يُلغى إلا بقانون، لا بل إذا ما أردنا تطبيق القانون بتشدّد، لا يجوز منح المعتدي أي ترخيص أو تسوية لأن القانون 324/1994 (تسوية مخالفات البناء)، ينصّ بشكل لا يقبل التأويل على أن الأملاك البحرية لا تخضع لأي تسوية حتى صدور القانون الخاص بها. كما أن القانون 64/2017 (معالجة الإشغال غير القانوني للأملاك العامة البحرية) يتناول التعدّيات الواقعة على الأملاك البحرية المشغولة قبل 1/1/1994.

34.5 مليون دولار
بحسب وزارة الأشغال، بلغت إيرادات الخزينة العامة ما يوازي 52 مليار ليرة سنوياً، أي ما يعادل 34.5 مليون دولار قبل الأزمة. أي أنها ستبقى 34.5 مليون دولار وإنما ستتغيّر قيمتها بالليرة اللبنانية، إذ تبلغ حالياً: حوالي ثلاثة آلاف مليار ل.ل.
وللتوضيح، فإن هذه المبالغ لا تعدّ كبيرة، ولا تزال أقل من المبالغ المفروض جنيها من هذه الأملاك التي تُخمّن ببضعة ملايين من الليرات، في حين أن قيمتها الحقيقية أضعاف ذلك. فمن الجائر جداً أن تبلغ قيمة المتر الواحد الذي على أساسه يُحدد رسم الإشغال وفق الجدول المرفق بالمرسوم والذي يتراوح بين 3 سنتات كحد أدنى و59.7 دولاراً كحد أقصى، وباحتساب معدل وسطي يكون رسم إشغال المتر الواحد حوالي 5 دولارات سنوياً.

معالجة الإشغال غير القانوني للأملاك العامة البحرية
لمعالجة الدولة لهذا الملف ضرورتان: الحاجة الماسّة للإيرادات ووقف استباحة الأملاك العامة. إذ لم يعرف التاريخ دولة أو شركة أو مؤسسة أو حتى منظمة مفلسة، تترك أملاكها للغير من دون الاستفادة منها. لا سيّما أن الإيرادات المحصّلة عن تسويات الأملاك البحرية، وهي تختلف عن رسوم الإشغال، بلغت بحسب وزارة المالية حوالي 30 مليار عام 2020، و24.6 مليار ليرة عام 2021، ما يعني أن هذا الرقم الذي يقارب العشرين مليون دولار يمكن أن يصل بسهولة إلى مئة مليون دولار في السنة كحد أدنى. وإذا ما أضفنا رسوم الإشغال المرخصة إليها، يصل مجموع الإيرادات إلى 134 مليون دولار سنوياً كحد أدنى، إذا افترضنا أن الخزينة ستُبقي على هذه الرسوم بمعدلاتها السابقة الهزيلة.
وإذا ما حسنت النوايا الحكومية بالإصلاح، يُقتضى أن تُدار هذه الأملاك وفق أصول استثمارية خاصة، على أساس مزايدات شفافة تحدّد فيها رسوم الإشغال للمستثمر الذي يقدّم السعر الأعلى، على أن تكون رسوم الإشغال المحددة في المراسيم هي الحد الأدنى. كما يمكن استثمارها وفق أحكام قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ما يمكن أن ينعكس إيجاباً على تنمية المناطق النائية التي تُعدّ الرسوم فيها منخفضة نسبياً.
لمعالجة الدولة للإشغال غير القانوني للأملاك العامة البحرية ضرورتان: الحاجة الماسّة للإيرادات ووقف استباحة أملاكها


مع الإشارة إلى أنه يقتضى على الإدارة أن تضع يدها على الأملاك العامة البحرية المشغولة خلافاً للقانوناً، وأن تُخلى وفقاً لأحكام القانون 64/2017، وأن تفرض في هذه الحالة، على الفترة الممتدة من تاريخ وضع اليد إلى تاريخ إخلاء الأملاك العامة البحرية، غرامة سنوية تساوي ضعفَي البدلات السنوية. وحتى ولو منحتهم الدولة ترخيصاً بالاستمرار بإشغال هذه الأملاك، لا يجوز إعفاؤهم من الرسوم السابقة المتوجّبة منذ عقود وجعلهم في وضع أفضل من الشاغلين المرخّصين وتأميناً للمنافسة العادلة بينهم.
فتح هذا الملف على مصراعَيه، سيشكّل مدخلاً واسعاً للتنمية المتوازنة المنصوص عليها في اتّفاق الطائف وداعماً لتنمية الاقتصاد سواءً على صعيد السياحة أو الصناعة في جميع المناطق اللبنانية.



المخالفات بحسب القانون
تُعدّ باطلة بطلاناً مطلقاً ويحظر على أي جهة رسمية ترتيب أي أثر قانوني عليها، جميع الأعمال والتصرفات والتدابير الحاصلة خلافاً للقواعد والأصول المقتضاة قانوناً وبخاصة في ما يلي:
أ - عقود البيع أو الوعد به والإيجار المبرمة خلافاً للأحكام والأصول المحددة لها.
ب - إشغال الأملاك العامة البحرية الحاصلة دون استصدار مراسيم تجيزها ولا يترتب للشاغل الفعلي بصورة غير قانونية أي حق مكتسب مهما كانت مدة إشغاله.
ج - الإشغال المؤقت للأملاك العامة أو البلدية واستثمارها خلافاً للأصول وإن كان حاصلاً بمقتضى ترخيص من المرجع المختص. (المادة 30 من قانون رقم 14، الموازنة لعام 1990)


كيف تُحتسب رسوم الإشغال للأملاك البحرية؟
يصدر مرسوم عن مجلس الوزراء يحدّد سعر المتر المربّع، ويُعتمد هذا السعر لتحديد الرسم السنوي المترتّب على شاغل العقار، ويكون رسم الإشغال نسبة مئوية يحددها المرسوم نفسه. فمثلاً إذا كان سعر المتر المخمّن بـ 1.2 مليون ليرة:

انقر على الجدول لتكبيره


اعتُمد سعر صرف منصّة صيرفة المحدد من قِبل مصرف لبنان باعتباره الوحيد الرسمي الأقرب إلى سعر السوق تتراوح النسبة بين 0.1 و1%، بحسب ما إذا كان العقار يابسة أو مسطّحاً مائياً محصوراً أو غير محصور أو مردوماً.
مع العلم أن العقارات المخمّنة بين 40 ألف ليرة و9 ملايين ليرة للمتر الواحد، أصبحت مخمّنة بعد قرار مجلس الوزراء بين 26.5 و5970 دولاراً للمتر الواحد، كقيمة للعقار وليس للرسم، وإنما الرقم الذي على أساسه يُحتسب الرسم.
وبالتالي، يتراوح بدل إشغال المتر الواحد بين 3 سنتات أميركية كحد أدنى و59.7 دولاراً كحد أقصى.