منتصب القامة، وقف الطفل منتظراً دوره لحرق جثة شقيقه الأصغر الذي قتلته الاشعاعات النووية بعد مرور أسابيع على «نهاية العالم» في مدينة ناغازاكي اليابانية. الصورة التقطها جندي أميركي منذ 77 سنة ولم يكشف عنها حتى عام 1995.ولم يتمكن الباحثون اليابانيون من تحديد هوية الطفل أو التعرف اليه.
وصل ابن السنوات العشر الى المكان المخصص لحرق الجثث وحده، حاملاً طفلاً لا يتجاوز عمره أربع سنوات. كان يعضّ شفّته بقوة محاولاً عدم البكاء امام عدسة كاميرا جيش الاحتلال. انتظر دوره وبقي واقفاً يحدّق في ألسنة النار. احمرّ وجهه من شدّة اللهب. ثم غادر كما حضر، منتصب القامة، عالي الجبين. ودّع شقيقه من دون ان يسمح لنفسه ان يبكيه ومن دون ان يقول شيئاً. وكان قد وضع في أنفه قطعة من القماش لمنع نزيف الدم جراء اصابته بالإشعاعات النووية الأميركية القاتلة التي ملأت الارض والسماء وأودت بعشرات آلاف البشر في غضون لحظات قليلة.


تبين لاحقاً، بعد تحليل الصورة، ان الطفل الواقف في ناغازاكي كان ينزف دماً من عيونه. كان يتألم. لكنه لم يئنّ. لم يصرخ. لم يناد والدته أو يتوسل شفقة أو تعاطفاً من أحد. قام بواجب عائلي وانساني وأخلاقي ليس من واجباته ولا يفترض ان يكون قد كوّن مفهوماً واضحاً لما قام به. طفل السنوات العشر قام بما لا يقوى عليه الكبار. أذهل جنود الاحتلال الأميركي بصلابته وهدوئه وصمته المدوّي.
قد يظن البعض ان هجوم الولايات المتحدة الأميركية على مدن يابانية في السادس والتاسع من آب 1945، مستخدمة قنبلتين ذريتين، مشروع. إذ أتى في سياق الحرب العالمية الثانية. لكن، إضافة الى المخالفات الجسيمة المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني وحظر استخدام أسلحة الدمار الشامل ومنع استهداف المدنيين والمستشفيات والمنشآت المدنية ووجوب احترام التناسبية في استخدام القوة، نذكر الملاحظات الآتية:
الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي استخدمت القنبلة الذرية للقضاء على أعدائها. وهي الدولة التي أعلنت من خلال هجومي هيروشيما وناغازاكي بداية الحرب الباردة وسباق التسلح النووي الذي شكل وما زال يشكل تهديداً للبشرية قاطبة.
مرّ الهجوم الأميركي بالقنبلتين الذريتين مرور الكرام على كل المؤسسات والمنظمات والهيئات الدولية التي تدّعي انها تعمل من أجل العدالة الدولية وحقوق الانسان وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة ولجنة حقوق الانسان. لا بل ان الولايات المتحدة باتت من ابرز الداعمين لـ«حقوق الانسان» ورأس حربة في وجه الدول التي لا تخضع لسيطرتها وتمتلك، أو تدّعي اميركا انها تمتلك، «أسلحة دمار شامل».
لم يستخدم الاميركيون القنبلة الذرية في حربهم ضدّ النازيين الألمان في أوروبا اذ بدا ان لـ«الرجل الأبيض»، مهما بلغت نسبة العداء والاجرام، امتيازات على باقي الانتماءات العرقية بالنسبة للأميركيين.
الولايات المتحدة الأميركية تبني احدى اضخم سفاراتها في العالم في لبنان اليوم، وبعد مرور 77 عاماً على استخدام القنابل الذرية بحق البشر قد تكون صورة الطفل الواقف في ناغازاكي مفيدة للاستدلال إلى عنوانها.