في ساحة برجا، تختلط زينة شهر رمضان مع «زينة» المرشحين. اليافطات الانتخابية تعلو المباني الملونة، على بُعد أمتار من تمثال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. أصدقاء المرشح أسامة المعوش رفعوا صوره في الساحة كما في كل شوارع برجا، ومثلهم فعل أنصار مرشح «لائحة الإرادة والشراكة» سعد الدين الخطيب. فيما حجز المرشح فريد البستاني مكاناً استراتيجياً، على طول المبنى الأخضر وسط الساحة، بصورة عملاقة موقّعة بشعاره: «أنا متطرّف».يستغرب أحد مخاتير برجا الأمر باعتبار أن أنصار البستاني قلّة في البلدة. يخرج من مكتبه ليسأل «بيت مين رفعوا صور فريد؟»، قبل أن يأتيه جواب من أحدهم. يحاول أن يخفي إحراجه بأن من يعملون للبستاني هدفهم المال. يخفف صديق المختار من الأمر بتذكيره بأن ماكينة البستاني عام 2018 كانت مؤلفة من 30 مندوباً لم يصوّت نصفهم له!
صور رفيق الحريري الموزّعة في مكتب المختار لا تشتّت خياراته الانتخابية: مع وليد جنبلاط الذي أعاد لبرجا حقها، بعدما ترشّح على لائحة تحالف المستقبل – الاشتراكي في 2018 اثنان من شحيم، واستثنيت برجا من التمثيل.
لدى سؤاله إن كان مع جنبلاط أو مع الحريري، يردّ: «هيدي عين وهيدي عين». المسألة محسومة: «إما أن ننتخب الخط العربي أو الخط الفارسي»... بالنسبة إليه، وليد جنبلاط يختصر الخط العربي! الحديث عن سمير جعجع و«طعنه» للحريري لا يغيّر في رأي المختار قيد أنملة: «مقتنعون بالمصالحة». لا شيء يُمكن أن يحيده عن «قناعته»، بما في ذلك التململ في الشارع البرجاوي من أن الخطيب بعيد عن بلدته ولا يقطن فيها. سريعاً، يكرّر المبررات بأن عائلة الخطيب كانت أوّل من شيّد منزلاً في حي الصوان، وأن عمل الخطيب يوجب عليه البقاء في بيروت.
المختار ليس وحيداً. كثيرون في برجا مقتنعون بما تسوّقه الماكينة الانتخابية للحزب الاشتراكي: المعركة هي إسقاط مرشحي حزب الله.

«توربو» ترّو
يرمي «الجنبلاطيون» بثقلهم في المعركة. هذا ما يبدو واضحاً من حركة علاء الدين ترو. لا يترك باباً إلا ويطرقه. يقول العارفون إنّ جولاته اليومية تُغيّر المعادلات و«تخربط» أرقام الماكينات. يحفظ «البرجاويون» لترّو الذي تربّع على المقعد النيابي 20 عاماً خدماته ومنزله المفتوح لهم دوماً في حي الصوّان. وهو يتقن لعبة الصناديق عن ظهر قلب؛ «مشبّك» مع المفاتيح الانتخابية ويحفظ عناوين المنازل التي يُمكن أن «يقطفها» بالمونة. ولولا دخول ترو إلى المشهد، لعاد الخطيب إلى برجا صفر اليدين، إذ إن المحامين البرجاويين فقط هم من يعرفونه كونه أمين سر النقابة.
لذلك، يعتبر برجاويون كثر أنّ الرجل سقط عليهم بـ«الباراشوت» فيما يبذل «الجنبلاطيون» قصارى جهدهم لشد العصب البرجاوي باعتبارها «معركة وجود» للبلدة. هذا ما يتبدّى من خطاب ترو للناخبين حين كتب على «فايسبوك» الأسبوع الماضي: «أهلي في برجا، وليد بيك وتيمور جنبلاط أصرا على تمثيل برجا (...) المطلوب منكم أن تثبّتوا هذا الحق وتلتفوا حول الخطيب». ونزولاً عند نصيحة ترو بأن تكون برجا المحطة الأولى لحملة تيمور في إقليم الخروب، حل الأخير ومعه أعضاء لائحة «الشراكة والإرادة» ضيوفاً في منزل الخطيب السبت الماضي.
قد يكون الخطيب الأقوى في برجا يوم الاقتراع، إلا أن ذلك لن يُغير في المعادلة. فـ«الاشتراكي»، على الأرجح، لن يتمكّن من تجيير أصوات تفضيليّة له كافية لفوزه. فيما لن تكفيه بالطبع أصوات بلدته التي يتوقع أن يحصل فيها على أكثر من 1700 صوت، أي ضعف ما حصل عليه بلال عبدالله (900) عام 2018.
يبذل «الإشتراكي» جهده للإيحاء بأن سعد الدين الخطيب مرشح المستقبل


يُراهن الخطيب على رفع الرقم بالحصول على أصوات تيار المستقبل في برجا والإقليم. لذلك، يهمس بأن الحريري يدعمه من تحت الطاولة، وأن النائب السابق غطاس خوري هو من زكّاه لدى جنبلاط. وهذا ما يحاول أن يوحي به الاشتراكيون وإشاعته بين الناخبين. في كلمته في منزل الخطيب، حرص تيمور على إظهار الخطيب وكأنه مرشح «المستقبل»، بالقول: «أصّرينا أن نبقى متحالفين ومتكاملين مع جمهور الرئيس الشهيد رفيق الحريري والرئيس الصديق سعد الحريري، وكان القرار بتبني ترشيح الخطيب».
لكن ما سمعه أهل برجا من فم تيمور ويسمعه زائرو الخطيب من الأخير سرعان ما يتبدّد، مع التزام قياديي المستقبل قرار المقاطعة؛ أحمد جنّون قليل الظهور. نشأت حميّة يستقبل المرشحين ولا ينبس ببنت شفة. حسن دمج بعيد. عبد الكريم رمضان منكفئ.

تركة الحريري
رغم ذلك، الجميع يستعجل عملية حصر إرث المستقبل كي «ينوبه» من التركة جانب. الجماعة الإسلامية أوّلهم. قياديوها على يقين بأن «البلوكات» التي لا يُمكن أن تتجه صوب الجاهلية، وناقمة على جنبلاط، وحاقدة على جعجع، ويزعجها «تحرر» أفكار قوى التغيير، ستلجأ حتماً إلى خيمتهم في غياب الحريري. لا تقول الجماعة ذلك علناً، لكنها تُراهن عليه. لذلك، تعمل ماكينتها من دون كلل لصالح مرشحها عمار الشمعة. صحيح أنها انكفأت عن الترشيح في الإقليم طوال 30 عاماً، إلا أنها كانت حاضرة دائماً في قلب برجا عبر مشاريع إنمائية ونشاطات ثقافية واجتماعية، وقد نال مرشحوها في الانتخابات البلدية عام 2016 حوالى 3900 صوت. هذا الرقم ليس وحده ما تتكئ عليه الجماعة اليوم للفوز بحاصلٍ للائحة «سيادة وطن»، بل تعتمد فعلياً على السيرة الذاتية لمرشحها: طبيب يدرس في الجامعة اليسوعية، لا يتعدى عمره الـ30 سنة، و«لا خدش سياسياً عليه»، بحسب مسؤولها في برجا الشيخ محمد سرور. يبرّر عدم دعم مرشح «الاشتراكي» بأن مسؤولي «الجماعة» كانوا «أوّل من انتفضوا على أحزاب السلطة وكانوا جزءاً من حراك برجا»، مؤكداً أن تنظيمه لن يحرّك ماكيناته ويكون رافعةً لأحد.
وإذا كانت «الجماعة» تعمل وكأن حاصلها في جيبها، فإنّ البعض يخشى بأن يغرف المرشح على لائحة «توحدنا للتغيير» عماد سيف الدين بعض الأصوات من صحنها، باعتباره ابن الجماعة وأحد قيادييها ومرشحها لدورتين للانتخابات البلديّة ومدير مدرسة الإيمان التابعة لها، قبل أن يترك التنظيم منذ أكثر من 10 سنوات.
ومن تتلمذ على يدي «الدكتور عماد» وكان على تماس معه سيعطيه صوته حتماً، يردّد بعض البرجاويين، إذ إن «الرجل معروف بدماثته وثقافته وتفوّقه الأكاديمي، إضافة إلى نجاح تجربته بالشأن العام»، وفق ما يقولون.
يجلس سيف الدين في منزله محاطاً بعود نجله ولوحاته التي رسمها مذ كان فتىً في «الكشاف المسلم». يبدو سعيداً لارتفاع درجة الوعي لدى الناخبين الذين يجول عليهم. بالنسبة له، الاقتراع بالرشوى هو كمن يبيع مستقبله ومستقبل أولاده. يملك سيف الدين الكثير من الوعود، لكنه لا يملك المال ليسوّق لاسمه خارج الإقليم، مؤكداً «أننا لسنا من جماعة السفارات الذين يكونون من أصحاب المال والنفوذ والتوجهات السياسية الخطيرة. نحن نطالب بتغيير غير مرتبط بأجندات خارجية».
ما يُريح سيف الدين أنّه المرشح البرجاوي الوحيد على لائحة التغييريين، باستثناء المرشح على لائحة «مواطنون ومواطنات في دولة» خالد سعد. ولذلك، فإنّ المنتفضين الذين شاركوا في «حراك برجا» يلتفون حوله. هذا ما يبدو واضحاً من نجاح مسؤولي الحزب الشيوعي في برجا في إقناع قيادتهم بعدم ترشيح أي مرشح في الإقليم وتبني القيادي السابق في «الجماعة»، ولو أنهم لم يفلحوا في إقناع «الجماعة» به. يعزو مسؤولو «الجماعة» الأمر إلى أن «الشيوعي» الذي كان شريكاً في الحراك «اختار هو الاسم من دون التنسيق معنا وافترض أننا سنوافق عليه ونسحب ترشيح الشمعة بعد فرض سيف الدين».



أين أصوات «اللواء»؟
على بُعد أمتار من منزل مرشح لائحة «توحدنا للتغيير» عماد سيف الدين، عند الجهة المقابلة، فيلا محاطة بحمايةٍ أمنية، ورجل يجلس بعباءته يستقبل الزائرين. الجالس على يمينه يطلب منه خدمة. ورجلٌ على يساره يهمس له في أذنه عن وضعه المادي المتردي. وآخرون من نساء ورجال يلتفون حوله لمعرفة لمن سيجيّرون أصواتهم.
لم يقفل اللواء علي الحاج دارته بعدما اتخذ قراره بعدم الترشح بعدما أبلغه حزب الله بأنه لن يتمكن من الالتزام مسبقاً بتجيير الأصوات المحسوبة عليه لصالحه. مع ذلك، يخوض «علي صلاح»، كما يدعوه أبناء برجا، الانتخابات كما لو أنها معركته. بالنسبة له هي «معركة إسقاط شهود الزور ومن كان خلفها ومن أراد أن يبكي أمهاتنا وخالاتنا وعمّاتنا».
وإذا كان البعض يعتقد أن «اللواء» غير متحمّس للمرشح على لائحة وئام وهاب «البرجاوي» أسامة المعوش، فإن الحاج ينفي ذلك من دون أن يجاهر لمن سيجيّر الأصوات التي يملكها بعد أن نال عام 2018 نحو 2600 صوت من مسقط رأسه.
عدم حماسة الحاج التي يحكي عنها البعض تتبدّى أيضاً في سائر أنحاء برجا. باستثناء الصور المنتشرة للمعوش في كافة الأحياء، فإن العديد من أبناء البلدة يعتقدون أن حظوظه قليلة في الوصول إلى المجلس النيابي، معتبرين أنّ هدف ترشيحه هو رفع حاصل «لائحة الجبل». ويلفت هؤلاء إلى أن اختيار المعوش كان مقصوداً باعتبار أن لا حيثية يركن إليها في بلدته، باستثناء أنه يملك محطة وقود وقام أخيراً بتشييد خلية للمسجد. بالنسبة لهم، «لا مصلحة لوهاب بترشيح سنّة أقوياء على لائحته يأخذون من دربه في الشارع السني».
وإذا كان للمرشحين البرجاويين الأربعة حصتهم من الأصوات التفضيليّة في برجا، فإنهم حتماً ليسوا الوحيدين. أحمد نجم الدين يعمل في برجا وكأنها بلدته؛ «يوزّع» الزيارات بين شحيم نهاراً وبرجا ليلاً، خصوصاً أن لجمعية المشاريع الخيرية مريديها في البلدة وتملك مدرسةً فيها، إضافة إلى عدد من المشاريع الإنمائية.
وما زرعه ناجي البستاني على مدى 50 عاماً من خدمات قدّمها للكثير من العائلات البرجاوية، سيحصده في الانتخابات النيابية سواء كان «الأستاذ» مرشحاً على لائحة وهاب أو على لائحة جنبلاط. وكما ناجي، كذلك فريد البستاني الذي كان له حضوره خلال السنوات الأربع الماضية.
أما حصة الأسد من خارج برجا فستكون على الأرجح لوئام وهاب. يعتقد المتابعون أن رئيس تيار التوحيد سيضاعف، على الأقل، عدد الأصوات التي نالها في عام 2018، خصوصاً أن اللواء الحاج ليس مرشحاً هذه المرة.