إلى صديقين غالييَن مناضلين ثورييَن، أحبّا فلسطين وأحبّتهما بلا حدود، حيدر دقماق وسماح إدريس. استخدم الشعب الفلسطيني سلاح المقاطعة منذ أكثر من قرن، وتحديداً عام 1921 عندما دعا وجهاء وفعاليات فلسطين إلى الامتناع عن شراء واستهلاك كلّ ما تنتجه المستعمرات الصهيونية التي كانت قد بدأت بالظهور. والمقاطعة حقّ شرعيّ نصّت عليه المادة 16 من عهد عصبة الأمم آنذاك، والمادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة، كتدبير مشروع بحقّ الدولة التي تشكل خطراً على السلم العالمي.
للمقاطعة أوجه عديدة أهمها المقاطعة الرسمية الحكومية والمقاطعة الشعبية.
المقاطعة الرسمية تفرضها دولة أو مجموعة من الدول ضد دولة أو مجموعة دول أخرى، سواء في حال السلم أو الحرب، كالمقاطعة التي فرضتها الدول العربية على الكيان الصهيوني منذ إقامته على أرض فلسطين، والعقوبات التي يفرضها الغرب على روسيا حالياً.
أما المقاطعة الشعبية فهي بطبيعتها سلوك مدني سلمي، يتولى فرضه وتطبيقه أفراد وهيئات المجتمع المدني ضدّ دول أو مجموعات تعبيراً عن رفض الاعتداءات على الحقوق والكرامات والمصالح الوطنية والمقدّسات الدينية، كمقاطعة الهنود الوطنيين بقيادة ألمهاتما غاندي للمنتجات البريطانية بين 1920 و1930، ومقاطعة نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا في سبعينات وثمانينات القرن الماضي.
تشمل الدعوة للمقاطعة الشعبية العربية للكيان الصهيوني المقاطعة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والأكاديمية والفنية والرياضية والعسكرية والامنية... وذلك بالامتناع الفعلي الحسّي والالكتروني الرقمي، إذ ان التطبيع الرقمي هو الأخطر في هذه المرحلة.
المقاطعة العربية الرسمية للعدو الإسرائيلي تضم ثلاثة مستويات:
الأول: يطال كل المنتجات والخدمات الإسرائيلية المنشأ
الثاني: يطال الشركات والمشاريع من مختلف الجنسيات التي تعمل في الكيان الإسرائيلي
الثالث: يشمل الشركات والمشاريع التي تملك علاقات مع شركات ومشاريع أخرى تتعامل مع الكيان الإسرائيلي.
ولمتابعة الالتزام بمقاطعة العدو الإسرائيلي، أُنشئ مكتب المقاطعة المركزي الذي يضمّ كل الدول العربية. وكان هذا المكتب مفعّلاً وتمكن من تكبيد العدو خسائر إقتصادية ومعنوية قبل توقيع معاهدة كامب دايفيد واتفاقية أوسلو.
كتب دايفد بن غوريون، أحد مؤسسي الكيان الصهيوني، أنّ «الاتفاق مع العرب لا يستهدف احلال السلام في البلاد. السلام هو حقاً أمر حيوي بالنسبة لنا لأنه لا يمكن بقاء البلاد في حال حرب مستمرة، لكنّ السلام بالنسبة لنا هو وسيلة، الهدف منها هو التحقيق والتجسيد التامّ للصهيونية فقط»، أي أنها تريد أن تحقق عن طريق السلام ما عجزت عن تحقيقه بالحرب.
العدو الإسرائيلي يريد أن يحقق عن طريق السلام ما عجز عن تحقيقه بالحرب


إنّ أخطر ما تحمله سياسة وثقافة التطبيع أنها تستهدف فرض التعامل مع «إسرائيل» كدولة طبيعية وكأن الصراع انتهى، فيما تواصل «إسرائيل»، عملياً وعلى كل المستويات، احتلالها وعدوانها وجرائمها اليومية، وهذا يعني بصورة مباشرة تأمين الغطاء السياسي والثقافي والأخلاقي لذلك الاحتلال، ونزع الأبعاد السياسية والثقافية والأخلاقية عن شرعية النضال والقتال لإنهاء الاحتلال.
ان مقاومة التطبيع واجب وطني وأخلاقي وإنساني. واجب كل فرد بمفرده. مقاومة التطبيع هي، كما كان يصفها الراحلان سماح ادريس وحيدر دقماق، تجنيد شعبي واسع وعملية تربوية وتعبوية، وإشراك ديمقراطي لكل مواطن في المقاومة.
مقاومة التطبيع تهدف إلى التأكيد على التصور السليم بأن الكيان الصهيوني كيان استعماري عنصري غاصب، مهما طبّع المتخاذلون أو تعاون المتآمرون معه، وأنّ الحرب معه هي حرب وجود.
مقاومة التطبيع هي جزء أساسي من مشروع تحرير فلسطين.

* رئيس الجمعية الوطنية لمقاومة التطبيع، أمين سرّ الحملة العالمية للعودة الى فلسطين