منذ عقود يبتكر المجرمون القتلة حيلاً وأساليب قذرة لإخفاء جرائمهم والتخلص من جثامين ضحاياهم بحرقها، أو تذويبها بالأسيد في بعض الحالات، أو بتقطيعها وتغليفها وبعثرتها في أماكن متفرقة. يشكل ذلك عائقاً أساسياً أمام كشف الحقائق وجمع الأدلة الجنائية التي تتيح إدانة المجرمين قضائياً بطريقة عادلة والحؤول دون تكرار الأفعال الجرمية المشينة. فمع تطور الكفاءة العلمية للقضاء والضابطة العدلية قد يرتدع المجرم لأنه سيدرك أن إخفاء الحقيقة من خلال تشويه جثمان ضحاياه لن يكون ممكناً. باتباع نهج علمي منظم للتعامل مع كل جزء من أجزاء الجسم وفحصه مع استكمال تقنيات التصوير الإشعاعي الحديثة، يمكن جمع معلومات وأدلة كثيرة من أشلاء الضحايا لمساعدة التحقيق في الأسئلة الرئيسية المتعلقة بـ «من وأين ومتى وكيف؟»
تمت الجريمة فجراً. رأس وكفّان وذراعان داخل كيس قمامة، وكيس آخر بداخله بنطلون وقميص وحذاء. حضرت القوة الأمنية وفرضت طوقاً أمنياً، واستدعي الطبيب الشرعي الذي حدد أن البقايا البشرية تعود لسيدة مسنة مقطّعة بمنشار.
يعتبر تقطيع الجثمان بعد القتل نادراً نسبياً، وبالتالي، نجد احتمالاً ألا يكون المحققون في القضية، بما في ذلك الطبيب الشرعي، قد واجهوا قضية مماثلة من قبل. قد أصبح تقطيع الجثمان مرتبطاً بشكل متكرر بالعمل الإجرامي المتمثل في تجزئة رفات الضحايا في محاولة لإخفاء الجريمة والتخلص من الاشلاء أو جعل عملية تحديد هوية المتوفى أصعب.
يتطلب الفحص الجنائي لأشلاء الجثة نهجاً مختلفاً، حيث يشكل محيط الجرح والعظام والغضاريف أدلة صامتة عن الجريمة. تلك الأدلة الجنائية حيوية، أي يمكن تغييرها بسهولة أو فقدانها إذا لم يتم توخي الحذر في التعامل مع الأشلاء وفحصها.
أثناء التحقيقات الجنائية، يبحث الخبراء عن علامات منشار، أو سكين، أو ساطور، أو فأس ناتجة عن محاولات التقطيع، والتي لها قيمة إثباتية عند محاولة التعرف على الأداة المستخدمة. وغالباً ما تتعطل أسنان النصل في الجسد، وقد تحتوي الجروح على أدلة مثل القماش من الملابس أو السطح حيث قُطّعت الجثة. يحرص الخبراء على الحفاظ على هذه العلامات وتصويرها لاستعمالها في مراحل التحقيقات اللاحقة.

الأدلة الجنائية
يؤدي تقطيع الجثة أو حرقها أو تذويبها إلى «تلوّث» كبير في مسرح الجريمة، تبعاً للطرق المستخدمة في عملية التقطيع والتذويب والحرق وفترة ما بعد الوفاة. قد تتلف الأوعية الدموية، وقد تتسرب سوائل الجسم إلى السجاد مثلاً، وعبر ألواح الأرضية، وبين البلاط. وقد تكون أجزاء الجسم قد رُفعت وأُسندت على سطح أو طاولة مثلاً لتمكين النشر/التقطيع. وقد يوضع الجثمان في مستوعب خاص لتذويبه مثلاً. يمكن أن تترك علامات الأدوات اثراً على مجموعة متنوعة من الأسطح، مثل حافة حوض الاستحمام.
أحد الأغراض الأساسية لتقطيع الجثمان إزالة الجثة من مكان الحادث للتخلص منها


يبحث الخبراء عن الأدلة الأثر، كالشعر والألياف و الطلاء، على الأشلاء وأي غلاف مرتبط بجزء من الجسم بحذر. لتسهيل البحث وجمع الأدلة، يفترض أن يضع الخبير البقايا البشرية على سطح معقم، ثم يصورها بمقياس تصوير مناسب، ثم يمسح سطح الأشلاء بالكامل بحثاً عن الحمض النووي للجاني. يمكن بعد ذلك «لصق» السطح بالكامل لرفع الألياف. على سبيل المثال يمكن أن يلجأ الخبير الى أخذ عينة من شعر ذراع الضحية لمقارنتها مع الشعر الموجود ربما على الفأس الذي ضُبط من مسرح الجريمة مثلاً. كما يفترض أن يبحث الخبير عند الأطراف المقطوعة عن أي علامات منشار في الجلد تحمل طلاء أو غيرها من المواد التي يمكن أن تترسب أثناء عملية التقطيع.

ما بعد الموت
يصعب تقدير فترة ما بعد الوفاة، خاصةً إذا كان جزء واحد فقط متاحاً من جسم الضحية. في كثير من الأحيان، كل ما يمكن استنتاجه بثقة هو أن المتوفى مات في وقت ما بين آخر مرة شوهد فيها أو سمع فيها وهو حي، وحينما اكتُشف جسده وهو ما يزال حيوياً. إذا تم العثور على الأجزاء في غضون يوم تقريباً منذ الوفاة ، قد يكون من الممكن الاستمرار في تسجيل درجات الحرارة من مواقع مثل المستقيم والدماغ والقناة السمعية الخارجية. كما يفترض أن يحتفظ الخبير بالنسيج لتأريخ الجرح وكذلك العضلات للنظر في ما إذا كان الجسم قد جُمد أم لا قبل التخلص منه.

خيط من خيوط التحقيق

مع أن أحد الأغراض الأساسية لتقطيع الجثمان إزالة الجثة من مكان الحادث للتخلص منها، قد تكون البقايا بعيدة من مكان التقطيع، والذي قد يكون أيضاً مختلفاً عن مكان وقوع جريمة القتل. للمساعدة في عملية التخلص من الجثمان، قد يضع القاتل الأشلاء داخل شكل من أشكال الغلاف، كأكياس القمامة، حقائب السفر، أكياس الخيش. وقد يكون هناك أيضاً أشياء أخرى مثل الحبال والربطات وغيرها من المواد مع الأشلاء البشرية، إما على الغلاف أو فيه.


يفترض أن يحرص الخبير على التعامل مع كل هذه العناصر بعناية، إذ قد تحتفظ بمواد تتبع إثباتية، والتي قد تكون حاسمة في القضية. كما يفترض ان يلجأ الخبير إلى مطابقة أكياس الحاويات البلاستيكية مثلاً مع باقي اللفة أو بصمات الأصابع، ويمكن جمع الحمض النووي من الشريط اللاصق المستخدم لإغلاق الأغلفة.
تقطيع جثامين الضحايا

من الناحية الجراحية، غالباً ما يكون الجلد أصعب الأنسجة للتقطيع. لذلك، من الصعب نشر العظام من دون إزالة الجلد والعضلات أولاً. ونظراً لأنه من غير المحتمل أن يكون الجاني ماهراً بالتقطيع، فقد ينتج عن هذا وجود علامات متعددة للأداة المستعملة على الجلد من محاولات التقطيع المتكررة.

(القوس)

تعتبر تلك الآثار المتعلقة بعلامات المنشار مهمّة لأنها يمكن أن توفّر رابطاً بين الضحية والأداة المستعملة، وربما الشخص الذي استخدمها. من ناحية أخرى، قد تكون شفرات المنشار حادة وقد تنكسر، فيضطر الجاني لاستخدام أكثر من منشار واحد أو أداة أخرى، لذلك من المفترض البحث عن الشفرات المكسورة داخل الأشلاء، والتي تكون ذات قيمة جنائية مهمة لتحديد عدد وأنوع الأدوات المستخدمة أثناء تقطيع الجثة.


جريمة قتل وتقطيع أم وابنها
برغبة جامحة للتخلص من تبعات الجريمة التي هزّت لبنان إبّان الحرب الأهلية الطائفية، أقدم طالب حقوق في الجامعة اللبنانية إبراهيم طرّاف على تقطيع أوصال جثتي ماتيلدا وابنها مارسيل باحوط بعد قتلهما، ووضعها في أكياس ووزعها على أنحاء منطقة الحمراء في بيروت. أثناء التحقيقات، توصل المحققون إلى عدة أدلة لإدانة طرّاف بالجناية المزدوجة. من بينها آثار لجروح قطعية على يدي المشتبه به، نقطتان من الدماء على جدار في غرفة نومه، طريقة ربطه للأكياس التي جاءت مطابقة للطريقة التي رُبطت بها الأكياس التي وجد في داخلها أشلاء الضحيتين، و«الجمود العاطفي» الذي بدا على طرّاف حين مشاهدة أشلاء الضحايا. بالإضافة الى شهادة زوج أخته بأنه طلب مساعدته لنقل الجثث ليلة الجريمة لكنه رفض.
ولإبعاد التهمة عن نفسه، لجأ طرّاف إلى سيناريوهات عدة، منكراً علاقته بالجريمة. فتحدّث عن ميليشيا اقتحمت المنزل وقتلت الضحيتين، ثم عاد ليعترف بالجريمة بسبب حاجته إلى دم إنسان {حتى يستطيع مخاطبة ملوك الجن}. ولتحديد الأهلية القانونية لإبراهيم طرّاف، عينت المحكمة جهات طبية لمعاينته نفسياً، فجاءت نتيجة اللجنتين متناقضة، الأولى تعفي الطرّاف من المسؤولية الجنائية، أمّا الثانية فحملته تبعات الجريمة المرتكبة. وفي السادس من نيسان عام 1983 أُعدم إبراهيم الطرّاف في حديقة الصنائع.


أخطاء شائعة | القاتل المتسلسل ليس وحيداً
عندما يقوم القاتل غير المتسلسل بتقطيع الضحية إلى أجزاء، يفعل ذلك لإخفاء الجثة، فتسجل ضد مجهول. لذلك يفترض ألّا تُنسب جميع حالات تقطيع أوصال الضحية إلى القتلة المتسلسلين كما هو متعارف عليه بشكل عام وفي أفلام الجريمة. المفارقة هنا، أنه عندما يقطّع القاتل المتسلسل ضحيته، لا يفعل ذلك لإخفاء الجثة فقط، بل يبحث عن إشباع غريزته الإجرامية، وهي الدوافع ذاتها حين يعمد القاتل المتسلسل إلى تشويه أجزاء من جسد الضحية.