المادة 1: قانون أصول المحاكمات المدنية
■ القضاء سلطة مستقلة تجاه السلطات الأخرى في تحقيق الدعاوى والحكم فيها، لا يحد من استقلالها أي قيد لا ينص عليه الدستور


المادة 20: الدستور اللبناني
■ السلطة القضائية تتولاها المحاكم على اختلاف درجاتها واختصاصاتها ضمن نظام يضعه القانون ويحفظ بموجبه للقضاة والمتقاضين الضمانات اللازمة، أما شروط الضمانة القضائية وحدودها فيعيّنها القانون. والقضاة مستقلون في إجراء وظيفتهم وتصدر القرارات والأحكام من قبل كل المحاكم وتنفذ باسم الشعب اللبناني

عندما نصت المادة 20 من الدستور على أن شروط الضمانة القضائية وحدودها يعيّنها القانون، لم يكن واضعو الدستور يعلمون أن قانون أصول المحاكمات المدنية سيحيل الاستقلالية على الدستور. فهذه المادة لم تُعدّل لسبب واحد ربّما هو خوف السلطة من أن تتحوّل استقلالية السلطة القضائية إلى حقيقة. وبمجرد مقارنة نص المادة 20 من الدستور مع المادة 1 من قانون أصول المحاكمات المدنية يمكن القول إن القضاء مستقلّ من حيث العنوان والنصّ، وتابعٌ من حيث المضمون والمحتوى. فالمادة 20 من الدستور أحالت ضمانات الاستقلالية على القانون، بينما أحالت المادة 1 من قانون أصول المحاكمات المدنية هذه الاستقلالية على نص الدستور، وهكذا بدأت الحلقة المفرغة.
في العام 1985 اعتمد مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين مجموعة مبادئ أساسية بشأن استقلال السلطة القضائية، وقررت الجمعية العامة للأمم المتحدة نشرها وهي تتلخص بما يلي :
- استقلال السلطة القضائية
- حرية التعبير وتكوين الجمعيات للقضاة
- مؤهلات القضاة واختيارهم وتدريبهم
- شروط خدمة القضاة ومدتها
- السرية والحصانة المهنيّتان للقضاة
- ضمانات التأديب والإيقاف والعزل
قانون القضاء العدلي يبرع في هدم أركان الاستقلالية بدلاً من تشكيله درعاً وضمانة لهذه الاستقلالية


باستعراض الدستور والاتفاقيات الدولية، يمكن، بدرجة كبيرة، اعتبار أن الدستور اللبناني ينص على مبدأ الاستقلالية، إلا أن الدستور نفسه في مادته العشرين ينص على أن شروط الضمانة القضائية وحدودها يعيّنها القانون. وهنا بيت القصيد، فمن حيث القانون نرى أن قانون القضاء العدلي يبرع في هدم أركان هذه الاستقلالية بدلاً من تشكيله درعاً وضمانة لهذه الاستقلالية.
ففي حين يقتضي أن يُشكَّل القضاة وفق نظام يقوم على عوامل موضوعية أهمها الكفاءة والنزاهة والاختصاص والخبرة نرى أن توزيع القضاة يستند إلى نظام قائم على الزبائنية وتقاسم الحصص، أما الترقيات فهي مجرد تشكيلات قضائية تفصّلها الإدارة السياسية بواسطة السلطة التنفيذية التي ترتكب مخالفتين: الأولى الإخلال بمبدأ الفصل بين السلطات المنصوص عنه في الفقرة هـ من مقدمة الدستور، والثانية اعتماد مبدأ الاستزلام عوضاً عن الكفاءة في مخالفة للنبذة ب من المادة 95 من الدستور التي تنص على اعتماد مبدأ الاختصاص والكفاءة في القضاء.

مجلس القضاء لا يعلو على الوزير
يتألف مجلس القضاء الأعلى من عشرة أعضاء تعيّن الحكومة ثمانية منهم وتقرر الحكومة أيضاً «كيفيّة» انتخاب العضوين الأخيرين. وتبرز أهمية دور مجلس القضاء الأعلى في المناقلات والتشكيلات القضائية، فهو الذي يضع مشروع المناقلات والإلحاقات والانتدابات القضائية الفردية أو الجماعية، وعرضها على وزير العدل للموافقة عليه. ولا تصبح التشكيلات نافذة إلا بعد موافقة وزير العدل، وتصدر بمرسوم يتخذ بناء على اقتراح وزير العدل أيضاً.


بمعنى أوضح، دور مجلس القضاء الأعلى في هذه العملية مجرد رئيس لمجموعة من المرؤوسين لغيره. وفي الوقت الذي يقتضي أن تتساوى فيه سلطة مجلس القضاء الأعلى بسلطة مجلس الوزراء نرى أن وزير العدل، الذي هو أقل مرتبة من مجلس الوزراء، هو الذي يرأس السلطة القضائية بكاملها حتى أن موعد ومدة العطلة القضائية يُعدّلان بمرسوم يتخذ بناء على اقتراح وزير العدل، بينما كل ما اشترطه القانون هو موافقة مجلس القضاء الأعلى فقط.
تلخّص المادة 91 من قانون القضاء العدلي الاستقلالية بانعدامها، فحتى ثوب القضاة يعينه وزير العدل بقرار منه، بينما يكتفي مجلس القضاء الأعلى بمجرد استشارة فقط.

المجلس الدستوري ليس سيّد نفسه
يتألف المجلس الدستوري من عشرة أعضاء، يعيّن مجلس النواب نصفهم ويعيّن مجلس الوزراء النصف الآخر بمرسوم. وفي الوقت الذي يكون تعيين الموظفين في المؤسسات العامة على سبيل المثال من قِبلها، نرى أن أياً من الأجهزة القضائية لا تملك حق تعيين موظف في أي محكمة أو قلم، على عكس السلطة التشريعية حيث تتجلى الاستقلالية لمجلس النواب عن الحكومة في أن هيئة مكتب المجلس النيابي هي التي تقرر وتعدل ملاكات وأنظمة موظفي مجلس النواب، كما أن تعيين الموظفين يتم بقرار من رئيس المجلس.
ففي المجلس الدستوري، نجد أن الأعمال القلمية والإدارية تُنفَّذ على يد مساعدين قضائيين ينتدبون لهذه الغاية من وزير العدل، وتحدد تعويضاتهم بمرسوم يتخذ بناء على اقتراح وزير العدل، رغم أن المادة الأولى من النظام الداخلي للمجلس الدستوري (الصادر بالقانون رقم 243 تاريخ 07/08/2000) تنص على أن: «المجلس الدستوري هيئة دستورية مستقلة ذات صفة قضائية».


أضف إلى أن هذه الهيئة الدستورية ليس من حقها وضع نظامها الداخلي. وجل ما أجازه لها القانون هو اقتراح تعديل النظام الداخلي للمجلس وملاك موظفيه؛ «مجرد اقتراح» ذلك على المجلس النيابي.
المادة 19 من الدستور التي نصّت على إنشاء المجلس الدستوري نصّت أيضاً على أن قواعد تنظيم المجلس وأصول العمل فيه وكيفية تشكيله ومراجعته تُحدَّد بموجب قانون، بدلاً من أن تترك للمجلس الحق بإصدار أنظمته الداخلية.
في الخلاصة، يمكن القول إن المجلس الدستوري لا يملك استقلالاً من حيث تعيين أعضائه، أو توظيف موارده البشرية، إلا أنه يملك استقلالاً محدوداً من الناحية المالية.
مثلاً، في العام 2021 وبسبب الإنفاق على أساس القاعدة الاثنتي عشرية، لم تُدفع تعويضات لورثة كل من الـمرحومين الياس بو عيد وعبد الله الشامي، البالغة 248.720.000/ل.ل. إلا بعد نقل اعتماد من احتياطي الموازنة العامة إلى موازنة المجلس الدستوري لعام 2021 بموجب المرسوم 7777/2021
وكذلك في العام نفسه، لم تُدفع تعويضات لورثة المرحوم أنطوان بريدي، البالغة 124.360.000/ل.ل. إلا بعد صدور مرسوم مشابه حمل الرقم 8286 تاريخ 06/09/2021، علماً أن للمجلس الدستوري موازنة سنوية خاصة تدرج في باب خاص ضمن الموازنة العامة للدولة
صادق

الطائفية تعرقل الاستقلالية
تقدم عدد من النواب وجمعيات المجتمع المدني باقتراحات قوانين تتعلق باستقلالية القضاء. كان بعضها يشمل القضاء العدلي، وبعضها الآخر يشمل القضاء الإداري فحسب. من أبرز المشاريع، اقتراح النائبين حسين الحسيني وسليم الحص في العام 1997. وفي العام 2001، أثناء دراسة اقتراح القانون المتعلق بتنظيم السلطة القضائية المستقلة المقدم من الرئيس حسين الحسيني والنائب بطرس حرب من قبل لجنة الإدارة والعدل في العام 2001 برئاسة النائب مخايل الضاهر، تقدم وزير العدل حينذاك سمير الجسر بمشروع القانون المتعلق بتنظيم القضاء العدلي، فقررت لجنة الإدارة والعدل رد اقتراح القانون لعدة اسباب أهمها عدم توافق اقتراح القانون مع أحكام الدستور لجهة إنشاء الاقتراح لمجلس أعلى للسلطة القضائية. فقررت الهيئة العامة للمجلس السير بدرس مشروع وزير العدل الوارد بالمرسوم رقم 5700، وأعيد في نفس الوقت اقتراح قانون السلطة القضائية إلى لجنة الادارة والعدل.

(مروان بوحيدر)

تلاها اقتراح القانون المعجل المكرر الرامي إلى تعديل المادة 2 من قانون القضاء العدلي في العام 2006 والمقدم من النواب: روبير غانم، غسان مخيبر، بطرس حرب، وغسان تويني، الذي يهدف إلى تعديل أصول تعيين مجلس القضاء الأعلى، وتغيير الجهة صاحب صلاحية اختيار أعضاء مجلس القضاء الأعلى المعينين، ونقل هذه الصلاحية من وزير العدل إلى الأعضاء الثلاثة الحكميين، والاثنين المنتخبين من مجلس القضاء الأعلى، بحيث يعود لهم حق اقتراح أسماء الأعضاء الأخرين للتعيين بصورة نهائية، ولا يبقى للسلطة التنفيذية إلا صلاحية إصدار المرسوم وفقا للصيغة المقترحة منهم، ولا يعود لها حق تعديل أو رفض أي من الأسماء المقترحة. وقد صدّق مجلس النواب الاقتراح في 30/1/2006 إلا أن رئيس الجمهورية إميل لحود وبعد اطلاع مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 2 شباط 2006، قرر إعادة القانون إلى المجلس النيابي بموجب المرسوم رقم 16316/2006 لاعتبارات عدة أهمها ورد بعضها في مرسوم الإعادة بأنه لا يستقيم أيضاً أن تتحكم طائفة بأخرى في التعيينات، كما هي الحال في التشكيل الحالي غير المكتمل لمجلس القضاء الأعلى، حيث يختار الأعضاء الحكميون والأعضاء المنتخبون (وهم من طوائف محددة) سائر الأعضاء من طوائف غير ممثلة إطلاقاً أو ممثلة جزئياً في «الهيئة المقررة»، ومن ضمن توازنات غير مؤمنة في ضوء العرف السائد في التوزيع الطائفي بالنسبة إلى أعضاء مجلس القضاء الأعلى. في العام 2009 اجتمعت لجنة الإدارة والعدل برئاسة رئيس اللجنة النائب روبير غانم، وحضور وزير العدل الدكتور ابراهيم نجار، وقررت اللجنة بإجماع الاعضاء الحاضرين الأخذ بأسباب الرد. وفي 22 شباط 2010، وافقت الهيئة العامة لمجلس النواب على ما توصلت إليه لجنة الإدارة والعدل ووافقت على عدم نشر القانون.
كما نورد عدداً من اقتراحات القوانين في هذا المجال:
- اقتراح قانون استقلال القضاء الإداري وشفافيته وأصول المحاكمات الإدارية المقدم من النائب أسامة سعد.
- اقتراح قانون استقلال القضاء العدلي واقتراح قانون تعديل الأحكام القانونية المتعلقة بالتشكيلات القضائية في القضاء العدلي المقدمين من النائبة المستقيلة بولا يعقوبيان.
- اقتراح «المفكرة القانونية» و«الائتلاف المدني لدعم استقلالية القضاء» المكوّن من ائتلاف منظمات من المجتمع المدني الذي قدم مسودّة اقتراح قانون متعلّق باستقلال القضاء العدلي في 2018، والقضاء الإداري في 2021، (أنظر الكادر).
نال اقتراح الائتلاف المدني لدعم استقلالية القضاء مساحة النقاش الأكبر في مجلس النواب ، وقد وُقّع المشروع في مجلس النواب، من قبل عدد من النواب يمثلون مختلف الكتل النيابية، وأحيل منذ أيلول 2019 إلى لجنة الإدارة والعدل، التي ألفت لجنة فرعية، برئاسة رئيس اللجنة النائب جورج عدوان والمقرر النائب إبراهيم الموسوي، أنجزت تعديلاً للمسودة وأعادتها إلى لجنة الإدارة والعدل التي بدورها ما تزال تعقد اجتماعاتها في ظل رفض الائتلاف لعدد كبير من تعديلات اللجنة.
صادق


الحكومة أحكمت قبضتها على القضاء
في عهد رئيس الجمهورية أمين الجميل في العام 1982 صدر القانون رقم 36/82 تاريخ 17/11/1982، منح الحكومة حق إصدار مراسيم اشتراعية حيث أجيز للحكومة، ولمدة ستة أشهر، أن تتخذ في مجلس الوزراء، مراسيم اشتراعية، في ما يتعلق بالشؤون الأمنية والدفاعية وشؤون السلامة العامة (كالدفاع المدني) وشؤون الإنماء والبناء والإسكان والتنظيم المدني والشؤون الاعلامية والقضائية. أي أن مجلس النواب حينذاك فوّض سلطته التشريعية إلى الحكومة لمدة ستة أشهر، وعاد ومدد هذه المهلة بموجب القانون رقم 10/83، فما كان من مجلس الوزراء إلا أن أصدر بقرار منه بتاريخ 11/8/1983، قانوناً للقضاء العدلي يجعل الصلاحية فيه للسلطة التنفيذية بالتحكم بالقضاء، بحيث ينظم هذا المرسوم الاشتراعي القضاء العدلي في خمسة أبواب تتضمن الأحكام المختصة بمجلس القضاء الأعلى، والتنظيم القضائي، ونظام القضاة، وتنظيم التفتيش القضائي، ونظام المساعدين القضائيين.
في كل باب من هذه الأبواب مخالفة صريحة لمبدأ استقلال السلطة القضائية وجعل سلطة اتخاذ القرار بيد السلطة التنفيذية.


الإئتلاف المدني يقترح ضمانات
يتضمن القانون المقترح لضمان استقلالية القضاء في لبنان مبادئ أساسية في استقلالية القضاء، بخاصة:
◄ بنوداً تتعلق بتعزيز استقلالية المؤسسات القضائية الثلاث، أي مجلس القضاء الأعلى وهيئة التفتيش القضائي ومجلس شورى الدولة.
◄ تغيير طريقة اختيار أعضاء مجلس القضاء الأعلى الذين تُعيّن السلطة التنفيذية حالياً ثمانية منهم من أصل عشرة.
◄ صدور التشكيلات بموجب قرار يصدر عن مجلس القضاء الأعلى من دون الحاجة إلى مراسيم.
◄ تعزيز استقلالية المؤسسات القضائية من خلال توفير ضمانات للقضاة.
◄ ضمانات لحماية القضاة من أي تدخل في عملهم ولتنظيم التشكيلات أهمّها:
1) مبدأ عدم نقل القاضي إلا برضاه الساعي إلى استحالة سحب ملف من يد القاضي.
2) مبدأ الدعوة للترشّح في المراكز الشّاغرة الهادف إلى تحقيق شفافية أكبر في التشكيلات.
3) مبدأ المساواة بين القضاة من دون تمييز من خلال الرواتب فلا يميّز القضاة سوى الأقدميّة.
4) مبدأ حريّة التّعبير وإنشاء جمعيّات للقضاة بحيث لا يعود القاضي وحده، ويصبح قادراً على فضح التدخّل في عمله.
5) الحق في الاعتراض على أي قرار يتعلّق بمهنته، ما يخفف من إمكانية التّمييز ضدّه.
تحصين قضاة النيابة العامة الذين يمثّلون الحقّ العام، و يتلقّون أوامر شفهيّة من رؤسائهم من دون ضوابط ما يفتح أبواباً واسعة للتدخّلات. لذا دعا إلى تدوين هذه الأوامر وإدراجها في ملف الدعوى لتعزيز الشفافيّة وأدخل الاقتراح إصلاحات تؤمّن طاقات كافية وفعالة في القضاء الإداري والعدلي، تسمح بمحاسبة جدّية، وتعزيز هيئة التّفتيش القضائي.