على مدى سنة، تُرك جرحى انفجار مرفأ بيروت يواجهون مصيرهم بأنفسهم بعدما حُرموا من أي تعويضات رسمية، ومن العناية الطبية المجانية الشاملة. كثر اضطروا إلى تسديد تكاليف متابعة علاجهم، من مراجعات للأطباء وفحوصات مخبرية وصور شعاعية وجلسات علاج فيزيائي، على نفقتهم. هكذا ألحقت «الدولة» 800 معوّق جراء التفجير على الأقل بالـ 15% من سكان لبنان المعوقين الذين يعانون الإقصاء والتمييز.لدى وقوع الانفجار، دعت وزارة الصحة جميع المستشفيات إلى استقبال المصابين على نفقتها. لكن، بعد خروجهم، لم تلتفت الوزارة ولا الجهات الضامنة إلى من احتاجوا إلى متابعات طبية. في 4 أيلول 2020، أصدر وزير الصحة حمد حسن تعميماً بتكفل وزارة الصحة بـ «علاجات الجرحى الذين يتوجب متابعتهم بعد فترة زمنية نتيجة إصابتهم بالتفجير وتستلزم حالتهم إجراءت طبية متلاحقة أو فحوصات مخبرية وشعاعية». لكنّ المستشفيات ظلت تطالب هؤلاء بالمستحقات، بحجة أن تكاليف الفحوصات والصور وغيرها بحاجة إلى قانون يشرح ما تغطّيه الوزارة. أما من كانت حالتهم توجب الخضوع لعملية جراحية ثانية، فمنهم من سدّد فرق الضمان أو الوزارة من جيبه الخاص، ومنهم من لا يزال ينتظر تأمين تكاليف العملية، ما أدى إلى «حرمان أكثر من 20 جريحاً من الخضوع لعمليات يحتاجون إليها، ولا يزالون ينتظرون حتى اليوم لعجزهم عن تأمين فرق الضمان أو الوزارة، وتكاليف الفحوصات والأدوية، ونفقات المستشفى»، وفق رئيسة «الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوّقين حركياً» سيلفانا لقيس.
جنان بظاظا أجريت لها «عملية خاطئة» يوم التفجير، احتاجت معها إلى جراحة ثانية كلّفتها 13 مليون ليرة فرق الضمان. «راجعنا الضمان فأُبلغنا بأن قرار مجانية علاج الجرحى سرى مفعوله لشهرين فقط بعد التفجير. عرضنا حالة جنان على وزير الصحة فكان رده بأن الوزارة لا تغطي كلفة العملية ما دامت جنان مضمونة»، بحسب الناطق الرسمي باسم أهالي ضحايا التفجير إبراهيم حطيط.
أكثر من 20 جريحاً لم يخضعوا حتى اليوم لعمليات يحتاجون إليها لعجزهم عن تأمين فرق الضمان أو الوزارة


حال جنان كحال عباس مظلوم (35 عاماً) الذي يعاني من شلل سفلي جراء إصابته بالتفجير فيما كان في عمله رئيساً للطباخين في أحد المطاعم في محلة مونو. تكفلت وزارة الصحة بتغطية علاج مظلوم لدى دخوله المستشفى في المرة الأولى. لكنه اضطرّ للعودة إلى المستشفى مجدداً نتيجة الالتهابات التي «تفشّت» في جسمه. وبعدما تخلّت الجهات الرسمية عنه، جمع مظلوم من الأقارب والمعارف خمسة ملايين ليرة، لم يردّ الضمان منها إلا مليونين بعد شهرين. الآن، «يأكل الالتهاب جسدي من جديد ولا أعرف متى أضطر لدخول المستشفى مجدداً». لمظلوم خمسة أولاد، أكبرهم لم يتعدّ الثامنة، ينظر إليهم بقلق متسائلاً: «ماذا لو توقف صاحب العمل عن دفع راتبي الشهري الذي لا يزال يدفعه لي رغم إعاقتي وتوقفي عن مزاولة مهنتي؟».
تلفت اللقيس الى أن «هناك 800 شخص، على الأقل، أُصيبوا بإعاقات جديدة أو تطورت لديهم بسبب التفجير إعاقة كانت موجودة سابقاً»، مشيرة إلى أن «الدولة تحاول إلحاق الـ800 معوق بالـ15% من سكان لبنان المعوقين الذين يعانون الإقصاء والتمييز»، وذلك من خلال إصدار القانون 196 بتاريخ 3 كانون الأول 2020 «المجحف» بحق جرحى التفجير. إذ ساوى ضحايا التفجير بشهداء الجيش اللبناني لكنه لم يساوِ جرحى التفجير بجرحى الجيش، بحجة أن هؤلاء سيستفيدون من مفعول القانون 2000\220 للأشخاص المعوقين، علماً أن هذا القانون «لا يشمل حقوق الجرحى بالكامل ولا سيما حقهم في التعويضات وتخصيص راتب شهري لمن فقد مصدر رزقه بسبب إعاقته». ويلفت حطيط إلى أن القانون 196 جاء «ممسوخاً» و«على غير ما وعدنا به» لأنه «ظلم جرحى التفجير الذين لم ينتزعوا غير الحق في الطبابة».
إلى ذلك، ألزمت وزارة الصحة الجرحى على التوجه إلى المستشفيات نفسها التي نُقلوا إليها بعيد التفجير لمتابعة علاجهم، لأنها لم تعمّم أسماءهم على المستشفيات، ولم تلحظ صعوبة وصولهم إلى مراكز العلاج البعيدة عن مكان سكنهم وتكاليف النقل التي تكبّدوها. كذلك لم تلتفت إلى عبء العلاج النفسي الذي يتحمّله الجرحى، وإلى كمّ العاهات والتشوهات التي مني بها عدد منهم يوم الكارثة، عندما كان همّ الأطقم الطبية إسعاف آلاف الجرحى فقط بينما كانت المعايير التجميلية في أسفل سلم الأولويات. رغم ذلك، لم تكلّف «الدولة» خاطرها لاقتراح قانون يجيز للوزارة تغطية هذه النفقات غير المدرجة في جدول تصنيفاتها.