أزمة البنزين مستمرة. المشكلة أن أحداً لا يتوقع أن تُحلّ قريباً. كل العاملين في القطاع يربطون الحل برفع الدعم. تلك كارثة ستحل على كل المقيمين في لبنان، لكنها تحوّلت إلى الأداة الوحيدة للتخلص من الطوابير التي تملأ الشوارع. علماً أنه حتى ذلك ليس مضموناً. لا أحد يضمن أن تتوافر الدولارات الكافية لتمويل الحاجة إلى المحروقات.إلى ذلك الحين، فإن الاستيراد على سعر 3900 ليرة لا يزال متعثّراً. فتح مصرف لبنان اعتمادات بعض الشحنات، فيما تنتظر أخرى اكتمال المقاصة بين الشركات المستوردة ومصرف لبنان. لكن هذه المقاصة لم تجر بعد لأسباب بيروقراطية. ففي 25 حزيران الماضي، بعدما صدر القرار الاستثنائي بالدعم على سعر 3900، طلبت مديرة النفط في وزارة الطاقة أورور فغالي من شركات النفط التوقّف عن السحب من مخزونها، طالبة من الجمارك، كيل هذا المخزون، الذي سبق أن اشتُري مدعوماً على سعر 1500 ليرة. وعملياً، لم يُسمح بالتفريغ قبل يوم الاثنين، حيث كان الكيل قد أنجز بالكامل، وتبين للجمارك أن الكميات المُتبقّية تصل إلى 120 مليون ليتر من مختلف أنواع المحروقات، كان يفترض أن يستفيد منها المستهلكون قبل تخفيض الدعم.
120 مليون ليتر مخزون شركات النفط قبل رفع السعر


بناء عليه تم التواصل مع مصرف لبنان لإبلاغه بالنتيجة، على أن يبدأ بفتح الاعتمادات الجديدة، بالتوازي مع السماح للشركات بتصريف مخزونها. حينها فتح المصرف اعتمادين لشحنتين كانتا تنتظران منذ أيام، على أن يصار لاحقاً إلى إجراء المقاصة مع الشركات المعنية. تشير مصادر متابعة إلى أن المديرة العامة للنفط أورور فغالي أسهمت في تأخير فتح الاعتمادات اللاحقة، لأنها لم توقّع البيان الجمركي الخاص بالكميات المخزنة مع نهاية الأسبوع الماضي، مفضلة الانتظار حتى يوم أمس. وفيما توضح مصادر معنية أن البيان لم يصل إلى المديرية قبل يوم الجمعة، حيث كان الموظفون ينفذون إضراباً، ما حتّم تأخير التوقيع حتى أمس، تؤكد مصادر المديرية أن المعاملة وقّعت يوم الخميس، وأرسلت إلى مصرف لبنان. كما توضح المصادر أن المديرية سبق أن أبلغته بالكميات المتوافرة قبل أيام، لكنه طلب أن يتم تحديد الكميات بالطن وليس بالليترات، وهو ما حصل الخميس عندما وقّعت فغالي على مستند يشير إلى أن الشركات تخزّن مليوناً و200 ألف طن من المحروقات. هذا أمر يؤكده ممثل شركات النفط جورج فياض، الذي يقول إن المديرية لم تؤخّر أي معاملة وصلتها، مشيراً إلى أن المشكلة الأساس مرتبطة بتقنين فتح الاعتمادات، والمطالب المتزايدة لمصرف لبنان من أجل فتحها. من هذه العراقيل رفض مصرف لبنان احتساب الفارق بين ما تدين به الشركات له من أموال، نتيجة ارتفاع سعر مخزونها بعد تخفيض الدعم وبين أسعار الشحنات على السعر الجديد. وهو، لذلك، طلب من الشركات العودة إلى المديرية لتحتسب الفروقات المالية على مسؤوليتها. وقبيل انتهاء الدوام الرسمي أمس توافد ممثلو الشركات إلى المديرية للمصادقة على الكتب التي كانوا قد أرسلوها إلى مصرف لبنان، متضمنة المبالغ التي للمصرف في ذمة الشركات. لكن بحسب المديرية، رفضت فغالي التوقيع على حسبة الشركات، لعدم تضمن ملفاتها الفواتير التي توضّح كم يبلغ ثمن البضاعة في كل شحنة، تمهيداً لمعرفة الفارق الفعلي في الأسعار. وعليه، يتوقع أن تعود الشركات صباح اليوم إلى المديرية، حاملة المستندات المطلوبة، تمهيداً لاحتساب الفارق وتسليمه إلى مصرف لبنان.
مشكلة المقاصة لا علاقة لها بشحّ المحروقات في السوق. فبمجرد أن أنجز كيل المخزون كان يمكن للمصرف أن يباشر في فتح الاعتمادات على الأسعار الجديدة. ولو فعل ذلك، لكان المخزون قد وصل إلى 400 مليون ليتر من المحروقات ما يعني كفاية السوق لفترة طويلة، يمكن أن تسهم في فتح كل المحطات الـ 1500 دفعة واحدة. لكن ما حصل، أنه منذ فتح المصرف المركزي اعتمادات شحنتين بعد كيل المخزون القديم لم تفتح اعتمادات لشركات عدة، اضطرت إلى إقفال أغلب محطاتها. وقد أدى ذلك إلى حصر تصريف البنزين بعدد محدّد من المحطات، مع تأكيد أن المعدّلات اليومية للتوزيع لم تنخفض. ولذلك، يشير فياض إلى أن المطلوب لتعمل المحطات كلها، هو أن يعمد مصرف لبنان إلى فتح الاعتمادات للشحنات التي وصلت، على أن يفتح دورياً الاعتمادات للشحنات التي تصل تباعاً، بما يسهم في تهدئة الطلب. لكن في المقابل، تجزم مصادر معنية أنه طالما أن القرار الوزاري يربط دعم الـ3900 ليرة بثلاثة أشهر، فإن الطلب سيبقى مرتفعاً، من دون أن تعرف الحاجة الفعلية للسوق.