رغم «التباعد الاجتماعي» والعزلة القسرية تحت تهديد فيروس كورونا، «بعدا الدنيا ما خِليت» على صفحة مجموعة «تجربتي مع الكورونا» على فايسبوك. «ففي ظلّ انتشار جائحة أبعدت الناس عن بعضهم وآذتهم صحياً ونفسياً وحتى مادياً، ما زلت تجد أن الناس لبعضها». هكذا تلخّص فاطمة مرتضى، وهي واحدة من مؤسّسي المجموعة، ثمرة أشهر من العوارض الجسدية و«المجتمعية» التي «ظهرت» على الجميع، مصابين وغير مصابين.المجموعة انطلقت قبل نحو ثلاثة أشهر، وتضمّ اليوم أكثر من عشرة آلاف عضو فاعل ومبادر ومهتمّ ومتخصّص ومصاب حاليّ وسابق ومحتمل، ومن أكثر من جنسية عربية، «يجمعهم الخوف مما يجهلونه». هذا ما حثّ أميرة أحمد، مؤسّسة المجموعة، على مشاركة تجربتها مع الكورونا، وهي مريضة ربو عانت في تشرين الأول الماضي من عوارض الفيروس المؤذي. «الشعور بالعزلة وغموض الحالة بسبب قلة التوعية آنذاك ورداءة الخدمات الطبية» دفعها لإسماع صوتها لمن يشاركها المشاعر نفسها. الفكرة بدأت بـ«حديث بين صديقتين افتراضيتين، وتطورت سريعاً من مجرد إيصال الصوت إلى مجموعة جادّة تهدف إلى التوعية ودحض الشائعات ونشر قيم التضامن الاجتماعي وإرساء المعايير العلمية في تلقّي المعلومات عن الفيروس الذي كان حينها مُحاطاً بكثير من الغموض والأخبار الكاذبة»، ناهيك عن التعرّض داخل المجتمع لما يسمى بـ «الوسم» بعد الإصابة وما يخلّفه من آثار نفسية على المصاب. تؤكد أحمد أن الإقبال على الانضمام إلى المجموعة منذ الأيام الأولى لتأسيسها «يدل على الحاجة الملحّة لدى هؤلاء للاحتواء في مرحلة الإصابة».
تنوُّع اختصاصات المشرفين ساعد في إكساب المجموعة ثقة الأعضاء والمتخصصين


تشكّل المجموعة «بيئة حاضنة» للمصابين والمتعافين والمهتمين. يشارك هؤلاء تجاربهم بمناشير يومية لا تخلو من الدعابة أو السخرية لكسر القلق والتوتر الذي يسيطر عليهم وعلى غيرهم من المصابين. و«في بعض الحالات فإنّ مجرد الاطلاع على حالات مشابهة لتلك التي تمرّ بها يشجعك على التعامل مع أعراضك على أنها طبيعية وبهلع أقل».
تقدم المجموعة نفسها على أنها منصّة غير متخصصة ولا ترمي إلى النصح الطبي. إلا أنها، إضافة إلى الدعم النفسي، تشكل حلقة وصل بين الأطباء والمختصين وبين أعضاء المجموعة ضمن حلقات مباشرة تفاعلية على الصفحة، أو عبر مقاطع توعوية وإرشادية مصورة، حول ضرورة التلقيح مثلاً، أو المبادرة للتبرع بالبلازما من قِبل المتعافين. كما أمّنت المجموعة في بعض الأحيان تواصلاً بين مصابين وأطباء كانوا قد أبدوا استعدادهم لتقديم المشورة الطبية، إما بنقل السؤال إلى الطبيب المختص أو عبر اتصال مباشر به. الرسائل والتعليقات على الصفحة لا تخلو من مرضى يسألون عن دواء «مقطوع»، أو أقرب مركز فحص، أو تأمين وحدات دم أو سرير في مستشفى لحالة حرجة، ما جعلها «قاعدة بيانات» لمن يود البحث عن أي معلومة ذات صلة، وشبكة دعم قوامها الأعضاء أنفسهم. ناهيك عن أن تنوُّع اختصاصات المشرفين على المجموعة بين القانون والاجتماع والتنمية المستدامة وإدارة الأزمات والإعلام وتوظيف قدراتهم في إدارتها وتوجيه محتواها، عبر تصويب الأفكار الخاطئة وتوخّي المصادر الموثوقة، ساعد في إكسابها ثقة الأعضاء والمتخصّصين، وأثمر مبادرات ناجحة بالتعاون مع عدد من الأطباء والباحثين وبرامج التوعية، وآخرها حملة توعية ستُبصر النور قريباً بالتعاون مع الجامعة اللبنانية.