في 25 أيلول الجاري، تلقت المديرية العامة للاستثمار في وزارة الطاقة والمياه ردّ المدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان على مساءلته عن «تسديد وضعية المشتقات النفطية المسلّمة» إليه. رد مدير عام المؤسسة كمال حايك جاء استجابة لطلب مديرية الجمارك من «الطاقة والمياه»، عبر وزارة المالية، «إجراء اللازم لتسديد وضعية المشتقات ودفع الرسوم والضرائب المتوجبة على المؤسسة».منذ عام 2005، سمح مجلس الوزراء لوزارة الطاقة باستيراد شحنات المحروقات، لحسابها، لزوم المؤسسة، بموجب عقود شراء موقعة بين الموردين والوزارة وتديرها المديرية العامة للنفط. وبحسب كتاب الجمارك، فإن الشحنات التي تعود إلى الفترة بين 2010 و2019 «أُدخلت تباعاً بموجب أذونات خاصة صادرة عن الجمارك، على أن يصار إلى تنظيم بيانات وضع بالاستهلاك بها، وتأدية مختلف الرسوم المترتبة عليها من قبل المؤسسة ضمن فترة زمنية محددة».
في ردّه، أقر حايك بالتأخر في تسديد متوجبات الرسوم والضرائب عن المحروقات المستوردة. لكنه أكد أن مؤسسته «سبق ونظمت بيانات وضع بالاستهلاك بكافة تلك الشحنات وسدّدت جزءاً كبيراً من مجموع المبالغ المترتبة». وفي خطوة لافتة، طالب إما بأن «تحدد الجمارك آلية تقسيط مقبولة للتمكن من تسديد الجزء المتبقي نظراً لضخامة المبالغ، أو أن يصار مع وزارة المالية إلى حسم المبالغ المتبقية مباشرة من مجموع المستحقات المترتبة على الإدارات والمؤسسات العامة لقاء اشتراكاتها بالتغذية في التيار الكهربائي». وأكّد أن المؤسسة «على أتم الاستعداد لتسوية وضعية المبالغ المتبقية فور إفادتها عن تبني إحدى الجهات المعنية أياً من الخيارين».
هكذا، تلتمس المؤسسة الأكثر كلفة على الدولة، من الدولة نفسها تقسيط الرسوم والضرائب المتوجبة عليها أو حسمها من البدلات المتوجبة على استهلاك الكهرباء للإدارات والمؤسسات العامة، خلافاً لأحكام قانون المحاسبة العمومية الذي يمنع المقاصة بين المطلوبات والإيرادات. علماً بأن حصة دعم «كهرباء لبنان» من الدين العام، بموجب سلفات خزينة بين ١٩٩٧ و٢٠٢٠، بلغ حوالى ٣٤,٥ مليار دولار، وفق المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة غسان بيضون. وتضاف إليها كلفة بناء المعامل وتطوير الشبكات والاستملاكات وأعباء المستشارين لوضع الخطط وتطويرها وأتعاب الاستشاريين لوضع دفاتر الشروط والإشراف وإبداء الرأي وتقييم العروض (...) لتصل إلى نحو ٤٠ مليار دولار. ومع الفوائد المحتسبة، ترتفع هذه الحصة حوالى عشرة مليارات دولار إضافية. فأين تذهب مليارات الدعم في ظل التقنين القاسي والأزمة المستمرة في توفير الفيول؟ الأخطر في التناقض بين الجمارك والمؤسسة حول إبراز بيانات وضع بالاستهلاك المحلي أن حايك يؤكد في كتابه تنظيمه تلك البيانات، فيما تقول الجمارك «إننا طالبنا المؤسسة بتقديم المعاملات الجمركية المطلوبة تسديداً للأذونات الخاصة المسحوبة بضائعها ولم ينظم بشأنها بيانات وضع بالاستهلاك المحلي. فضلاً عن أن تأدية الرسوم والضرائب لا يُعفي من تقديم البيان الجمركي في ما خص البضائع».
المؤسسة الأكثر كلفة على خزينة الدولة لا تدفع الرسوم المستحقة عليها


الشكوك بالهدر يعززها العرف الذي أرسته المؤسسة ببيع الفيول خاصتها إلى منشآت النفط ومؤسسة كهرباء قاديشا (ذات الإدارة الخاصة)، فيما تشكو من نقص الفيول لتشغيل المعامل. ففي كتاب يعود إلى حزيران 2018، وجهت إدارة منشآت النفط في الزهراني وطرابلس كتاباً إلى وزير الطاقة «ترجو الموافقة على تسليمنا من كهرباء لبنان كمية 6 آلاف طن متري من مادة الفيول، ونحن على استعداد لتسديد ثمنها نقداً بعد تحديد كلفتها من قِبل المديرية العامة للنفط كما جرت العادة». وافق الوزير حينها سيزار أبي خليل قبل أن توافق المؤسسة وتسلم الفيول من الباخرة «هافانيا فيكتوريا» بكمية أربعة آلاف طن متري إلى معمل الزهراني. فهل تملك المؤسسة صلاحية البيع؟
مصدر مسؤول في «كهرباء لبنان» أوضح لـ «الأخبار» أن «كهرباء لبنان تطبّق في هذا الخصوص تعليمات وزير الطاقة الذي تتم عملية البيع وقبض الثمن بموافقته». ولكن، إلى أين تذهب بدلات البيع إذا كان النظام الداخلي للمؤسسة لا يلحظ هذا النوع من الواردات؟ «سألت السؤال نفسه من دون الحصول على إجابة»، قال بيضون في إشارة إلى مراجعة وجّهها في هذا الخصوص عندما كان مديراً عاماً للاستثمار قبل أشهر. ونظراً إلى وتيرة العمل في المؤسسة، فعلى الأرجح عدم معرفة وجهة الأموال. إذ إن مكاتب التدقيق «لا تزال تدقق في حسابات عام 2012 وسط نقص في البيانات منها جردة مخزون وحركة المحروقات، أو تضارب في البيانات كما يحصل في بواخر الطاقة التي تسجل عدّادين، الأول للشركة المشغلة والثاني للدولة».
وعن اقتراح تقسيط أو حسم المستحقات، أكد بيضون أن مساهمات الدولة للمؤسسة أكبر بكثير من الفواتير المستحقة لها من الإدارات العامة. «أولوية حايك تسديد بدلات متعهدي بواخر الطاقة بالدولار بدعم من مصرف لبنان، فيما يؤجّل تسديد مستحقات الدولة».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا