رفع وزير الصحة غسان حاصباني «البطاقة الصفراء»، أمس، في وجه كلّ من وزارتَي الزراعة والداخلية والبلديات، لتحمل مسؤولياتها للحد من ظاهرة الكلاب الشاردة. الظاهرة باتت تهدد السلامة العامة، بعد الارتفاع الحاد في عدد المصابين بعضات أو عقور أو خدوش. وفي خطوة احترازية منها، أكّد أن وزارته «وجهت في تشرين الأول 2017 كتاباً إلى وزارة الداخلية والبلديات للإيعاز إلى من يلزم التعاون مع وزارة الزراعة لتلقيح الحيوانات البرية والكلاب الشاردة، بما فيها البلديات».
تحيل هذه الدعوة إلى حادثة بلدية الغبيري الشهيرة، التي «اجتهدت» وسممت الكلاب!
خلال المؤتمر الصحافي، الذي عقد في مبنى وزارته، طالب بـ«عدم التلكؤ في مكافحة هذه الظاهرة بالطريقة البيئية والقانونية». أما ما هي الطريق البيئية والقانونية، فلم يخبرنا معالي الوزير شيئاً عنها. وبعيداً عن البيئة والقانون، فإن مواجهة الظاهرة ــ برأيه ــ ليست فقط للحد من الإصابات، بل «للحد من الكلفة المالية للقاحات والأمصال، بحيث يمكن أن تخصص لمعالجة مرضى آخرين». حدّ الكلفة يبدو أمراً ملحاً للوزير بعدما قيل إن ثمة اتجاهاً لتخفيض موازنة وزارته (مع وزارة الأشغال).
نائب رئيس مجلس الوزراء اختار عام 2010 ليبدأ بعرض أرقامه، المتعلّقة بداء الكلب، كون الحالات بدأت بالازدياد في هذ العام ثم ضبطت في 2012، لكنها انطلاقاً من عام 2013 عادت لترتفع... «الارتفاع مرتبط بقضية النزوح السوري»! اصطحب الوزير معه إلى المؤتمر الصحافي ــ الذي تأخر عن موعده ـــ خرائط. وأعلن عن الارتفاع في استهلاك اللقاحات والطلب على العلاجات المقدمة من وزارة الصحة في مراكزها العشرة المخصصة لمكافحة داء الكلب والموزعة على الأراضي اللبنانية. وفي الأرقام، بيّن أنه في عام 2012 بلغ عدد اللقاحات المستهلكة والأمصال 1421، ليرتفع الرقم تدريجياً ويصل في 2017 إلى 5000 لقاح و500 مصل. ارتفاع استهلاك اللقاحات «ناجم عن قضية النزوح السوري» قال الوزير، وعلّل بالقول «ذلك كون آلاف العائلات تعيش في ظروف صعبة، ما يعرّضها للاحتكاك بالحيوانات البرية والكلاب الشاردة». الوزير أبلغ أن وزارة الصحة «مضطرة» لتأمين العلاج اللازم للنازحين كما للبنانيين وذلك «على نفقة الدولة اللبنانية منعاً لانتشار العدوى». وأكّد لـ«الأخبار» أن حالات الوفاة كان من بينها نازحون سوريون لم يلجأوا إلى العلاج. عشرة آلاف حالة (بين لبنانيين وسوريين) عولجت بين 2001 و2018، بينها حالة وفاة وحيدة بداء الكلب، لكن «هذه الوفاة ناتجة من إعطاء معلومات خاطئة للجهاز الطبي». الحادثة التي عناها الوزير هي وفاة شاب في شكا حيث اعتبر أن «الطاقم الطبي اتخذ التدبير الاحترازي، ولكن نحن نتابع القضية لمعرفة أين وقع الخلل» وأن «التحقيقات لا تزال جارية»، ووعد الوزير بالوصول إلى نتائج. في المقابل، ثمة 11 حالة وفاة في هذه الفترة لأشخاص لم يتوجهوا الى مراكز الوزارة لتلقي العلاج.
«ترشيد الإنفاق» منعاً لانقطاع اللقاحات كما جرى خلال صيف 2016 هو الخطوة التي يراها الوزير «متاحة»، وخصوصاً «أن الارتفاع الحاد جداً في الاستهلاك دفع الى إجراء تعديل على البروتوكول المعتمد قبل تولينا الوزارة عام 2016». وإذ اعتبر أن الخطط الاستباقية من مسؤولية البلديات ووزارة الزراعة، اعترف بأن دور وزارته «محصور بعلاج الناس، وقد زدنا المبالغ المرصودة لتأمين هذه اللقاحات». كما لفت إلى أن «توزيع مراكز أدوية اضافية لا يزيد من قيمة علاج الحالات، ونحن همنا الأساسي تفادي الضرر من الأساس وليس معالجة الناس بعد تعرضها للضرر من قبل الكلاب الشاردة». أصحاب الحيونات الأليفة شملهم أيضاً نداء الوزير، إذ دعاهم «الى تطعيمها بشكل دوري وزيارة الأطباء البيطريين والاحتفاظ بسجلات التلقيح الخاصة بها». وهنا أكد الوزير أنه «على عكس ما هو معتقد، فإن القسم الأكبر من الإصابات سبّبته حيوانات أليفة».
وبعيداً عن أزمة الداء واللقاحات بحد ذاتها، وعن الشق المتعلق بالنازحين السوريين، وهو شق «حمّال أوجه»، وبات السياسيون يستعملونه مدخلاً شبه دائم للحديث عن «الدعم المالي»، فإن ثمة مسألة تنافسية بين الوزارات، وهذا ما يشير إليه حاصباني، في حديث مع «الأخبار»: «موازنات ترتفع بنسبة 60 بالمئة، وموازنات يطالبون بتخفيضها بنسبة 20 بالمئة، مع أنها لم تشهد زيادة». مستقبل الموازنة ليس واضحاً للوزير... «لم نتحدث بعد في الأرقام، ربما الأسبوع المقبل، إنما يطلبون تخفيض الموازنة، غير أن خدمة الدين العام تبلغ 35 في المئة ورواتب المتقاعدين 35 بالمئة وعجز الكهرباء نحو 10 بالمئة وإيجارات وسوها، ما يعني أن المتبقي من الموازنة هو نسبة 15 بالمئة، سيطاول وزارة الصحة تخفيضاً بنسبة 20 بالمئة (أي ما يعادل نحو 3 بالمئة من الموازنة العامة). أين سيجري التخفيض فعلاً؟ في وزارة الشؤون والصحة والأشغال والشباب والرياضة وغيرها». يؤكد الوزير أن هذه التخفيضات «لا تهزّ الموازنة» (برأيه) إنما هي «شكليّة»، إذا شملت نسبة التخفيض الأدوية فسيلحق الضرر بالمواطن، إذ إن «60 ألف مواطن لبناني لن يعودوا قادرين على الدخول إلى المستشفى على حساب وزارة الصحة». لا ينفي الوزير أن التعرض للوزارة المرتبطة بحياة الناس «خطأ»، وهو لوّح «بالرفض القاطع» للمس ببند الأدوية والاستشفاء. أما المواجهة السياسية فستكون «بالإفصاح، إذا كان ثمة مسؤول يأخذ على عاتقه الشرح للمواطن اللبناني». الصحة كانت سابقاً قد طلبت رفع موازنتها إلى 75 ملياراً بالمعقول، فيما حاجتها تصل إلى 120 ملياراً، بحسب حاصباني.
حاصباني طلب «أقل من حاجات الوزارة»، ومع ذلك لم يلبّوا مطلبه. هكذا يقول. ويحذر، في لهجةٍ تخويفية: «التخفيض أكثر بعد على الموازنة سيحرم نحو 60 ألف مريض من الطبابة على حساب وزارة الصحة». حاصباني لم يتوانَ لدى سؤاله عن هذا التخفيض بالقول «خلّينا نخفض بأماكن الهدر الكبيرة»، قاصداً قطاع الكهرباء وسواه.