الانتخابات النيابية مصيرية في دائرة الشمال الثالثة (بشرّي ــ زغرتا ــ الكورة ــ البترون). هي دائرة «المُرشحين إلى رئاسة الجمهورية»، التي ستُحدّد «الزعامة المارونية» (تضم أكبر عددٍ من الموارنة ويبلغ عددهم 162 ألف ناخب مُسجل، مقابل 132 ألف ناخب في كسروان ــ جبيل). كلّ حزب سياسي وشخصية فيها، تخوض معركة «إثبات الوجود». الصورة في الشمال الثالثة، لناحية التحالفات وتوجه الناخبين، غير واضحة كلياً.
ولكن، يُمكن القول إنّها دائرة انتخابية جديدة تُعزّز فرص التحالف الانتخابي بين حزب الكتائب والقوات اللبنانية، والتقارب بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، مقابل التشتت الذي سيُصيب أحزاب فريق 8 آذار. فحتى الساعة، وعلى الرغم من كلّ ما يُحكى عن وساطات يُجريها الحلفاء لردم الهوة بين النائب سليمان فرنجية والوزير جبران باسيل، لا يزال تيار المردة يستبعد إجراء أي مصالحة تؤدي إلى تحالف بينه وبين التيار العوني قبل تاريخ 6 أيار. الاختبار سيشمل أيضاً الحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي عليه أن يحسم موقعه: مع باسيل الذي قد ينسج معه تحالفاً على مستوى كلّ لبنان، أم مع فرنجية الحليف التاريخي والأقرب سياسياً واستراتيجياً وشعبياً؟ وهناك حزب الله والأصوات التي يمون عليها (يبلغ عدد الناخبين الشيعة في الكورة 1202 شخصاً، و1034 في البترون)، ومن المُرجح أن يوزعها بين الحليفين. ولكن هذا الخيار سيف ذو حدّين: دعم باسيل في البترون يعني الوقوف ضدّ لائحة فرنجية، ودعم مُرشح الأخير في الكورة يعني التصويت ضدّ مُرشح التيار العوني جورج عطالله. الأمر نفسه ينطبق على تيار المستقبل، الذي قد يجد نفسه مُحرجاً بين ما يُحكى عن وعد قدّمه لفرنجية بدعمه في الانتخابات النيابية، وبين التحالف الوثيق بينه وبين العونيين. وبحسب معلومات «الأخبار»، لا يستسيغ تيار المردة كثيراً «قصة توزيع الأصوات، لأنه لا يُمكن أن يكون المستقبل حليفاً لأحد الطرفين في قضاء، وخصماً في قضاء آخر. وثانياً، لأنّ ذلك سيُفقد الكتلة الناخبة السنية (نحو 22 ألف ناخب في أقضية الدائرة) قيمتها المؤثرة». ومن المتوقع أن يكون أحد شروط القوى التي قد يتحالف معها تيار المستقبل، عدم تقسيم أصواته بينها وبين منافسيها.

مصادر تيار المستقبل: الأولوية هي لتحالف المستقبل ــ التيار العوني ــ المردة

تقول مصادر تيار المستقبل إنّه «حريص على التحالف بين الطرفين (العوني والمردة). الحديث عن توزيع الأصوات وسيناريوهات انتخابية، هو على مستوى الماكينات وليس القيادة، التي ستبدأ البحث في خياراتها هذا الشهر». والأولوية هي «لعقد تحالف ثلاثي: المستقبل ــ التيار العوني ــ تيار المردة». أما بالنسبة إلى القوات اللبنانية، «فالأمور مرهونة بنتائج الحوار بين الوزيرين غطاس خوري وملحم رياشي».
العلاقة السيئة بين العونيين والمردة، لن تكون «الإحراج» الوحيد الذي سيواجه تيار المستقبل في «الشمال الثالثة»، تُضاف إليها قضية النائب فريد مكاري. كان الأخير، قبل أشهر، يؤكد لسائليه أنّه قرّر اعتزال العمل السياسي، وسيترك الخيار لقاعدته الشعبية حتى تختار من تريد. ولكن، خلال فترة الأعياد، تبدّل خطاب مكاري. بدأ يقول أمام زواره إنّه يبحث في إمكانية ترشيح ابنه إلى النيابة. أما الأوساط السياسية في الشمال، «الصديقة» لنائب رئيس مجلس النواب، فلا تستبعد أن يترشّح شخصياً. «مناورة» مكاري، تشمل أيضاً الطرف الذي سيتحالف معه: فهل يبقى صديقاً وشريكاً لآل الحريري، ويقبل التحالف مع التيار العوني رغم مجاهرته بموقفه السلبي من الأخير؟ أم تنجح المفاوضات بينه وبين تيار المردة والنائب بطرس حرب، وينضم إلى لائحتهما؟ أم يتماهى مع خيار أكثرية قاعدته الشعبية القريب من القوات اللبنانية، ويكون حليف القوات اللبنانية التي لديها مُرشح في الكورة (النائب فادي كرم)؟
التحالف الأكثر وضوحاً، حتى الساعة، هو بين ثلاثي تيار المردة وحرب وويليام جبران طوق. تقول مصادر نائب البترون إنّ «التحالف بيننا وبين فرنجية هو المسار الطبيعي». الفائدة منه أنّ تيار المردة، الذي يملك حيثية جيدة في البترون، لن يُرشح أحداً في القضاء، لذلك نستفيد بتبادل الأصوات». لا ينطبق ذلك مثلاً على القوات اللبنانية، «حيث لا مصلحة في التحالف بينها وبين حرب، بسبب القانون الملعون». يفترض الثلاثي أنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي سينضم إليه، واتكاله على أنّ القاعدة القومية «ترتاح أكثر لخيار فرنجية». لا تنفي مصادر الحزب القومي في الشمال ذلك، «ولكن الاحتمالات لا تزال مفتوحة أمامنا، وعلينا أن نرى إن كانت التحالفات ستكون على مستوى كلّ لبنان أو كلّ دائرة على حدة». وحتى تحسم قيادة الروشة خيارها، يظهر أنّ حليف التيار الوطني الحرّ الوحيد حالياً هو تيار المستقبل. أما رئيس حركة الاستقلال ميشال معوض، الذي تعوِّل قيادة «الوطني الحر» على تحالفٍ معه، فهو ما زال يدرس خياراته ليُحدّد إن كانت مصلحته تكمن في الترشح مع العونيين أو مع القوات.
«الحصار» الذي تعاني منه القوات اللبنانية في معظم الدوائر الانتخابية لا يؤرق راحتها في الشمال الثالثة. لا يُمكن القول إنّها ستخرج «منتصرة»، لكون حصتها التي تتكون حالياً من 4 نواب (من أصل 10) في دائرة زغرتا ــ بشري ــ الكورة ــ البترون، قد تتقلّص وتنخفض. ولكن، «نحن من الأقوى في هذه الدائرة، ومرتاحون لشعبيتنا»، تقول مصادرها. يتطور الكلام عن تحالف بين الكتائب والقوات، و«خبرية» أنّ الأخيرة ممكن أن تسحب ترشيح (أمينها العام السابق) فادي سعد في البترون لمصلحة النائب سامر سعادة، «المُصر على خوض المعركة وإثبات وجوده، مهما كلّف الأمر»، بحسب المعلومات. التحالف بين الحزبين، إن حصل، يعني تراجع النائب سامي الجميّل عن خطابه «الثوري» السابق، ونيته تشكيل جبهة مع «المجتمع المدني»، وتحديده موقعه في وجه أحزاب السلطة المُشاركة في الحكومة. مصادر القوات اللبنانية تضع ما يُحكى عن سحب ترشيح سعد «في إطار التحليل»، لأنّ الحوار مع حزب الكتائب «لم يصل بعد إلى هذا المستوى من النقاش».