القاهرة | فجأةً، ومن دون سابق إنذار، رحل الموسيقي والملحن والمغني مأمون المليجي (5 مايو 1960- 26 يونيو 2017) عن عمر ناهز الـ57 عاماً، بعد مشوار فني حافل ومسيرة سياسية لم تخل من المطبات والوقوف في صف المظلومين أينما كانوا، والتصدي من خلال اللحن للطغاة ولسياسات القمع والإفقار والتجويع.
«الفنان الملتزم» هي العبارة الأنسب لمسيرة المليجي الفنية. لم يتخلّ عن الشارع ومتطلباته الاجتماعية والسياسية في فنه، منذ كليبه الأول «في الشوارع» الذي قرّب بينه وبين جيل الشباب وقتها. ربما لأنه أعلن أنه واحد من أصحاب المعاناة «أترسم كل الوشوش، تنقسم بينا المواجع، أبقى واحد منهم، جرحي هواه جرحهم، والحقيقة متوهاني»، فيما تبقى الأيقونة الأكثر تأثيراً في مسيرة الملحن الراحل هي «اصرخ بصوتك» التي تجسد الأغنية الثورية، والمحرضة على الرفض، فضلاً عن «الحلوة قامت تعجن مالقتش دقيق»، و«يا بلادنا إزي الصحة» و«مايحكمشي»، وغيرها من الأعمال بصحبة فرقته «عشاق النهار».

في 2010، تعاون المليجي مع «حملة البرادعي للتغيير»، وأقام عدداً من الحفلات بهدف التواصل مع جميع طوائف الشعب ومواجهة نظام حسني مبارك. وفي عزّ سطوة حكم التيارات الإسلاموية في مصر، لحّن «مسلم والرك على النية» (2012) للمطرب مدحت صالح، رافضاً التقسيم المذهبي والصراعات الطائفية باسم الدين أو استغلال الإسلام للوصول إلى الحكم، واختزاله في الطقوس الشكلية والملابس والزي واللحية و«زبيبة الصلاة».
لم تتوقف أغنيات المليجي وألحانه أمام القضايا المحلية فحسب، بل وجه عدداً من ألحانه لطرح القضايا العالمية، كأغنية «أوباما» التي يسخر فيها ممن صدقوا وعود الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، واعتقدوا أنه مختلف عن بقية الرؤساء الأميركيين، ليعلن الراحل: «إسود أبيض أحمر أصفر كله صنع في أمريكا»! كذلك أغنية «المفرمة» التي يرفض فيها سياقات العولمة وانسحاق الإنسان، معلناً استعداده للدفاع عن حلمه وعن أسلوب حياته كيفما يقرر «أنا حلمي شبهي ولونه من لوني، راضي بحياتي وراضي بجنوني، مجنون في نظرك وأنت ف عيوني، ضيعت عمرك لجل وهم وما يساويش».
المليجي الذي ولد في الإسكندرية لأسرة مصرية لبنانية، وأمضى السنوات العشر الأولى من طفولته في لبنان، كانت الموسيقى عنده غاية ووسيلة، لا تنفك أبداً عن قضايا الواقع ومشكلات المجتمع وصراعات السياسة. كأنه امتداد لمدرسة سيد درويش الموسيقية. تحتفل ألحانه بضجيج الأرصفة، وصراخ الباعة، كأنه يرغب في أن يغني للريح، ويضيء شمعة نسترشد بنورها في السنوات العجاف المقبلة. والمعزوفة «نداهة» تنادي الموسيقي، فيسعى إليها، هارباً من وحشة الوجود وظلاميته، تاركاً مجال عمله الرئيسي في الهندسة المعمارية، ليقسّم وقته بين الموسيقى و«أتيليه» لمستلزمات الديكور، لكنه أيضاً لا يرغب في الكلمات المرمزة. يفضل القصائد الصارخة الفاضحة «التي تقول للغولة: عينك حمرا»، فلا وقت للرمز، ولا مجال للمدارة، والشجاعة لديه تكفي أن يصرخ في وجه الظلم، وأن يشير إلى الخلل، أو بالتعبير الدارج يضع إصبعه «في عين التخين».