ليل أول من أمس، كانت إغماضة بي. بي. كينغ (1925 ــ 2015) حاسمة. لن ننتظر أن يفتح عينيه بدهشة كاريكاتورية فور إنهاء العزف أو الغناء على الخشبة. علينا أن نقتنع: The Thrill Is Gone حقاً، أو نضاعف شعورنا بالامتنان لمزارع مدينة إيتا بينا (الميسيسيبي)، التي ولد فيها قبل 90 عاماً. صوته نقل إلينا الشجن الساحر لفلاحي حقول القطن الأفارقة في الجنوب الأميركي. كأنه كان خلال تلك العقود يواصل أغنيات وصرخات كانت تربت على أكتاف الفلاحين (الذي كان منهم يوماً) طوال ساعات القطاف. شوارع عدة في الميسيسيبي سمعت صوته وضربات غيتاره، قبل أن يلتحق بممفيس، عاصمة الموسيقى في الجنوب الأميركي. كان كثيرون يشعرون بخطر يهدد البلوز مع وفاة بيغ بيل برونزي عام 1958. حينها، كان بي. بي. كينغ قد حقق شهرة واسعة في المدينة بعدما سجل أغنية O'Clock Blues 3 للويل فلسون، في بداية الخمسينيات.
أغنية سيتضمنها Singin› The Blues (1957) أول ألبوماته التي تجاوز عددها الـ50، كان آخرها One Kind Favor عام 2008. «البلوز، كانت تنزف الدم الذي أنزفه»؛ دم العبودية ودم الخسارات الشخصية (وفاة والدته، وجدته). «البيغ كينغ» الذي عاصر بيغ ماما ثورنتون، ومادي ووترز وغيرهما، صنع قمّة البلوز الذهبية خلال الستينيات والسبعينيات، وأطلق أبرز تجربة في تاريخ البلوز الحديث. الحفلات المكثفة كانت جزءاً أساسياً من تلك التجربة. كانت تتجاوز 300 أمسية في السنة، نالت مدينة جبيل نصيباً منها عام 2012. فتن سليل بليند ليمون جيفيرسون بهذه الموسيقى، رافقته مع الغيتارات التي كان يصنعها من المواد الرخيصة، ومع غيتارات «غيبسون» الشهيرة التي صار يقتنيها لاحقاً. كان يردد «عندما أغني، أعزف في رأسي، في اللحظة التي أتوقف فيها عن الغناء شفهياً، أبداً الغناء عبر لوسيل». طوّر صيغة دعوة واستجابة بينه وبين «لوسيل» (الاسم الذي أطلقه على كل غيتار حمله). وعبر لوسيل، طوّر طرق عزف خاصة مثل مؤثرات الـVibratos، التي تصدرت مفردات عزف البلوز والروك، وجعلته السادس بين أفضل مئة عازف غيتار في التاريخ (وفق تصنيف مجلة «رولينغ ستون»). عازفون كثر ورثوا التقنيات عنه مثل إريك كلابتون. وعندما كانوا ينتظرون حديثه عن الغيتار، «كان يفضل الحديث عن الفتيات صغيرات السن». ببراعة أبناء بشرته في تصيّد الفرح، استطاع أن ينقل الخفة إلى البلوز، رغم الحزن الذي كان يسكن نهاية جمله الغنائية.