ترجمة: ماهر جموعائلة أفريقيّة مؤلّفة من أبٍ وأمٍّ وصبي وفتاة، تودّع قبيلتها التي حلّ بها القحط، قاصدةً الطريق إلى مكّة.
الأب يصطحب معه طائراً بريّاً جميلاً هديّةً إلى الله، والأمّ حصيرة بيتها. الولد يحمل أزهاراً بريّة مقتلعة من الجذور، والفتاة مشطَ شعرها.
عندما تبدأ العائلة بتوديع القبيلة وطلب الصفح منها، يرسل كلّ فرد السلامَ إلى الله وهديّة إليه. أحدهم يهب مكنسةً لأجل الله، وآخر جواربه المثقوبة، وثالثٌ يهب وعاءه الخاوي. هكذا كلّ شخص يهب شيئاً ما. أشخاصٌ كثيرون وهبوا أزهاراً بريّةً، وطفل مدرسة كتب رسالةً إلى الله يقول فيها: «مرحباً يا ربُّ، نحن لا نستطيع المجيء إلى بيتك، بيتك بعيدٌ جدّاً. تعال أنت إلى بيتنا».
عندما ابتعدت العائلة الأفريقية عن قبيلتها بدت تلوح متواريةً تحت حجم الهدايا التي يحملونها إلى الله.
من الجانب الآخر يودّع مخرج أفلام وثائقية - وهو ألمانيّ مسلم - زوجته وأصدقاءه في مطار فرانكفورت، ويركب الطائرة المتجهة إلى مكّة لتصوير مراسم الحجّ.

غيوت ـــ بورتريه عائلة أفريقية (أكريليك على قماش، 2009)

وفيما هو يؤدي مناسك الحج، يقوم بتسجيل هذه المراسم وتصويرها أيضاً. أحياناً يلفت نظره مشهدٌ ما، ولكن بسبب مشكلات معيّنة لا يستطيع تسجيل ذلك المشهد، وأحياناً أخرى ينجح في ذلك.
يستأجر المخرج أحد الأشخاص كحمّال، ليحضر له معدّاته وأغراضه، ولكن نظراً إلى أنّ إعطاء الأوامر للآخرين أمرٌ محرّم في الحجّ، فإنّه يجد نفسه في مواجهة مشكلات أخرى جديدة.
قطعت العائلة الأفريقية مسافةً طويلة، ذبلت أزهارها وبات الطائر على وشك الموت.
بعد مضيّ وقت طويل من العطش الشديد على مسيرها عبر الصحراء المتشقّقة من الجفاف، تعثر العائلة على بقعة صغيرة من الماء، بمقدار راحة يد، كانت متبقية من ماء المطر. أوّل ما فعلوه هو إرواء طائر الله، ومن ثمّ وضعوا جذور الأزهار في الماء ثمّ بعدها غمسوا أصابعهم فيها وتوضّؤوا لأجل الصلاة، ثمّ مسحوا ألسنتهم بالماء لكسر العطش.
تُعرَض المَشاهد المتعلّقة بمسير العائلة الأفريقية بشكل قصير ومتوازٍ مع مراسم الحجّ؛ المراسم التي تعبّر عن رؤية المخرج الوثائقيّ.
شيئاً فشيئاً تتخلّف العائلة الأفريقية عن أداء فريضة الحجّ، وعندما تقترب مناسك الحجّ من نهايتها، تكون العائلة الأفريقية في حال نزاعٍ مع الموت بفعل العطش والجوع. جفّت أزهارها والطائر - مع أنّه حرّ - عاجزٌ عن الطيران.
مُخرجنا الوثائقيّ الذي تابعنا معه مراسم الحجّ، والذي تعتريه أحياناً نشوةٌ عارمة لما قام به من تصويرٍ مديد لطقوس الحجّ ومناسكه، عازِمٌ الآن على تصوير أحد المشاهد النهائية لمراسم الحجّ. الناس يطوفون حول الكعبة، وهو يتهيّأ لإعداد كاميرته ومن ثمَّ يضع عينه خلف العدسة، لكن فجأةً يرى أنَّ الكعبة ليست في مكانها.
في الجانب الآخر، يبدو أن الكعبة جاءت إلى الصحراء، وراحت تطوف حول العائلة الأفريقية؛ فبدأت الأزهار الذابلة تتفتّح من جديد، وحلّق الطائرُ، وأخذت الحروف تمّحي من رسالة ذلك الولد...

* مخرج، مؤلّف، منتج ومخرج أفلام إيراني. ولد عام 1957 في إحدى ضواحي جنوب طهران، ويُعد من أبرز أسماء الموجة الجديدة للحركة السينمائية الإيرانية، أصدر مخملباف 27 كتاباً أدبياً وقصصياً وأخرج 20 فيلماً طويلاً وأربعة أفلام وثائقية وخمسة أفلام قصيرة في عشرة بلدان، وفاز بنحو 50 جائزة، وكان عضو لجنة تحكيم ومشاركاً في أكثر من 15 مهرجاناً سينمائياً، وهو مقيم حالياً في باريس.