تعرّض الأكاديمي اللبناني الأسترالي غسان الحاج (1957) أخيراً لحملة تشويه من الصحافة الألمانية، اتهمته بـ«معاداة السامية» وتشجيع مناهضة الاحتلال في الأوساط الأكاديمية. جاء هذا الهجوم على أستاذ الأنثروبولوجيا في «جامعة ملبورن» في أستراليا، بسبب موقفه الرافض للعدوان على غزة ومطالبته بوقف الجرائم الحربية والإنسانية ضد الفلسطينيين. دفعت الحملة الموجّهة هذه بالمعهد البحثي الألماني «ماكس بلانك» إلى وقف التعاقد مع الحاج، على خلفية منشوراته على منصّات التواصل الاجتماعي التي ادّعى أنّها تتعارض مع «القيم الأساسية» هناك، فأطلق أكاديميون وناشطون حقوقيون عريضة تضامن رافضين «اغتيال الشخصية» للباحث المعروف في المؤسسات العلمية بنصوصه المناهضة للتمييز العنصري والتفوّق الثقافي العرقي. تتبّع هذه المقالة ما حصل أخيراً مع الحاج، وتسترجع نصاً قديماً له للدلالة على أنّ موقفه لم يتغيّر، وإنّما «القيم الأساسية» في ألمانيا هي التي تغيّرت
يحظى الأكاديمي اللبناني غسان الحاج المولود في بيروت عام 1957، بالاحترام في المؤسسات الأكاديمية والبحثية. يعود ذلك إلى عمله محاضراً زائراً في أكثر من جامعة مرموقة في العالم مثل «جامعة سيدني» و«جامعة هارفرد» و«الجامعة الأميركية في بيروت»، وباحثاً متخصّصاً في تفكيك العنصرية ودراسة التعددات الثقافية. عمل باحثاً في المدرسة العليا لدراسة العلوم الاجتماعية في فرنسا، ويشغل اليوم منصب أستاذ الأنثروبولوجيا والنظرية الاجتماعية في «جامعة ملبورن».
كان الحاج قد هاجر في بداية الحرب الأهلية اللبنانية لمتابعة دراسته الجامعية في أستراليا، وربما كان لخلفيته الاجتماعية تأثير على اهتماماته البحثية، إذ درس الهجرة العربية واللبنانية في كتابيه «العرب الأستراليون اليوم: المواطنة والانتماء» (2002) و«الحالة التشتتية» (2022). اهتمّ بموضوع تشكيل المليشيات ودلالات حمل السلاح من منظور علم النفس. يعدّ كتابه «أمة بيضاء» (1998) من أكثر أعماله انتشاراً وجدلاً، لأنّه يطرح نقداً يعرّي مجتمعات البيض التي تضم ثقافات مختلفة (السكان الأصليين واللاجئين القادمين من أنحاء العالم) وتدّعي صفة «التعددية الثقافية» لكنها تعمل برغبة تفوّق العرق الأبيض.

غسان الحاج: يدفع الغرب بأمواله وفرصه التنويرية من أجل «ترويض» المثقفين

بدأت الحكاية في صباح يوم الأربعاء 31 كانون الثاني (يناير)، عندما أرسلت صحيفة «فيلت أم زونتاغ» (العالم يوم الأحد) الأسبوعية الألمانية، بريداً إلكترونياً إلى الحاج. ادّعت الصحيفة اليمينية أنّ الحاج «ناشط منذ سنوات في حركة المقاطعة BDS». أمر نفاه الحاج في بيانٍ نشره في 8 شباط (فبراير) عبر مدوّنته الخاصة Hageba2a (حاج بقى) معلّقاً أنّه أكاديمي جادّ في عمله؛ فلا وقت لديه ليكون «ناشطاً». تضمّنت الرسالة مجموعة منشورات منتقاة من حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي اعتبرها النقّاد «معادية للسامية»، وكانت الصحيفة تسأل إن كان لديه ما يقوله. وفقاً لـِ «فريق البحث» في الجريدة، لاحظوا أنّه منذ السابع من أكتوبر وتصريحات الحاج أصبحت «متطرفة بشكل متزايد تجاه دولة إسرائيل». لكن الحاج لم يردّ لأنّه رأى أنّ الأسئلة الموجّهة إليه ما هي إلا «مقدمة لعملية اغتيال أيديولوجية فاشية»، ستحدث في كل الأحوال، سواءً قال أم لم يقل شيئاً. بالفعل، حين نُشرت المقالة، وجد الحاج أنها صوّرته «بعبارات تآمرية كأنّه تابع لمجموعات المقاطعة ومهمته التسلّل إلى الأوساط الأكاديمية». بدا كأنّه «انتهى من القيام بعمله في أستراليا وها هو عازم على التسلّل إلى ألمانيا».
كان صاحب كتاب «الاضمحلال» (2021) قد بعث الرسالة الأولى فوراً إلى إدارة معهد البحث الألماني للأنثروبولوجيا الاجتماعية «ماكس بلانك» حيث يتمتع بإقامة بحثية منذ أقل من عام. في اليوم التالي، أتاه القرار المركزي من إدارة المعهد بوجوب قطع العلاقة معه لأنّ موقفه «معاد للسامية» بحسب التعريف الجديد لمعاداة السامية (الذي يساويها بمعاداة الصهيونية) وفرضِه على المؤسّسات الثقافية في ألمانيا (راجع الأخبار 20/1/2024). يعلّق الحاج أنّه كان يتوقّع من المدير أن ينصفه تبعاً لخلفيته الأيديولوجية والبحثية، فهو لم يغيّر مواقفه بحيث «إنّ الإيمان بمجتمع متعدّد الأديان وانتقاد من يخالف ذلك ليس معاداة للسامية». كما إنّه ينتقد الفلسطينيين و«الإسرائيليين» انطلاقاً من المبادئ والأفكار ذاتها. ويضيف: «قد لا تعجبني الطريقة التي يتمّ بها الخلط بين انتقاد إسرائيل ومعاداة السامية، وأجد أنّ محبة السامية الزائفة في ألمانيا تخدم مصالح ذاتية، وفي بعض الأحيان عنصرية، وتُستخدم كأداة لإضفاء طابع عنصري على الفلسطينيين والمجتمع العربي والمسلم بشكل عام في ألمانيا». لكنه بصفته زائراً، هناك حدٌّ للمدى الذي يشعر بأنه يحق له أن ينتقد ذلك.
أتى رد الحاج في اليوم التالي لنشر «مجتمع ماكس بلانك» بياناً جاء فيه: «إنّ الحريات المنصوص عليها في القانون الأساسي لجمهورية ألمانيا الاتحادية منذ 75 عاماً لا تقدّر بثمنٍ بالنسبة إلى مجتمع «ماكس بلانك». مع ذلك، فإنّ هذه الحريات تأتي مع مسؤولية كبيرة. ويسيء الباحثون استغلال حرياتهم المدنية عندما يقوّضون مصداقية العلم بتصريحات منشورة علناً، وبالتالي الإضرار بسمعة وثقة المؤسّسات التي تدعمهم. إنّ الحق الأساسي في حرية الرأي مقيّد بالواجبات المتبادلة المتمثلة في الاعتبار والولاء في علاقة العمل». ويختتم البيان بالتأكيد على مبدأ «أنّ العنصرية وكراهية الإسلام ومعاداة السامية والتمييز والكراهية والتحريض، ليس لها مكان في مجتمع «ماكس بلانك»». في الإطار نفسه، نشرت صحيفة «دي فيلت» اليومية مقالاً عن الحاج متّهمةً إياه بمعاداة السامية وبالتحريض على مقاطعة المؤسّسات الأكاديمية التابعة للاحتلال الصهيوني. مسّت الاتهامات أعماله السابقة التي وصفتها بأنّها «تمجّد إرهاب حماس». وللمفارقة فإنّ هذه الجريدة التي تأسّست عام 1946 تُعرّف عن نفسها بأنّها أُنشئَت «للدفاع عن الأفكار الثورية في ألمانيا» بمعنى أنّها جريدة يسارية ومن مبادئها نقد الدولة والممارسات اليمينية. لم يكن كل ما حصل مع الباحث الزائر كافياً حتى تلك اللحظة، بل طالب رئيس «المجلس المركزي لليهود» في ألمانيا جوزيف شوستر، بتوضيحٍ لما حدث من قِبل غسان الحاج، كما حثّ للضغط على اتخاذ عواقب تضمن عدم تكرار الحادثة مرة أخرى. يجب الإشارة هنا إلى أن ما يقصده شوستر بـ«اتخاذ عواقب» يعني ترهيب الأكاديميين الذين ينتقدون الصهيونية، ويتحدثون عن ممارساتها اللاإنسانية في فلسطين المحتلة. تريد الإمبريالية البيضاء من المثقفين حول العالم لا أن يغضّوا بصرهم عن جرائم الاحتلال فقط، بل أيضاً أن يقلبوا الحقائق التي تراها أعينهم ويبرّروا للقوات الصهيونية غطرستها تحت مسمى «الدفاع عن النفس» في وجه «الإرهاب».
على إثر قطع المعهد الألماني علاقتَه البحثية مع الأستاذ الجامعي، وقّعت مجموعة من الأكاديميين والناشطين الحقوقيين على عريضة للتضامن مع الحاج. جاء في نص العريضة: «نحن ملتزمون بشدة بمبادئ حقوق الإنسان وحرية التعبير والبحث العلمي. دفعتنا هذه القيم إلى التضامن مع البروفيسور غسان الحاج، عالم الأنثروبولوجيا المتميز، والمثقف العام، وأحد الأصوات الأكاديمية التقدمية الأكثر بلاغة». أضافوا أيضاً بأنّ حملة التشهير الشرسة التي تعرّض لها الحاج في ألمانيا من قِبل بعض الصحافيين والناشطين المؤيدين لـِ«إسرائيل»، جاءت بسبب موقفه الذي «يدين جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي والمستوطنون ضد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية». وقّع على العريضة، حتى اليوم، ما يزيد عن ثلاثة آلاف شخص، وجاءت التعليقات مؤيّدة لموقف الحاج ورافضةً لما حدث معه في ألمانيا. نذكر من التعليقات واحداً باسم توماس مارتن من «جامعة ملبورن» الذي قال بأنّ معاداة الصهيونية لا تساوي معاداة السامية، كما وصف المقال التحريضي والسكوت عنه «بالأمر المشين»، وكتبت إسثر سنجر: «أدعم حق غسان في الاستمرار بالكتابة والكلام عن فلسطين. أنا حفيدة ناجين من الهولوكوست، وأعلم أنّ انتقاد إسرائيل ليس معاداة السامية، مهما حاول الألمان أن يفعلوا ليجعلوا أنفسهم يشعرون بتحسّن تجاه تاريخهم».
نشر الحاج عبر حسابه على موقع إكس مجموعة تغريدات رداً على بيان المؤسّسة الألمانية، قائلاً في إحداها إنّه يرفض ما جاء في ختام البيان «لا مكان للعنصرية في مجتمعها»، لأن هذا الكلام يصنّفه «شخصاً عنصرياً» وهو اتهام لا يمكنه السكوت عنه. وفي تغريدة أخرى، كتب: «لا أحب الدول ذات القومية العرقية، وخصوصاً تلك التي زرعها الاستعمار. إنّهم أصحاب التاريخ الطويل من الكراهية العنصرية، والرقابة وحرق الكتب، والتمييز وحرق المتاجر، ووضع الناس في معسكرات الاعتقال». وعلّق أيضاً بأنّها لمفارقة أن يتلقى دروساً أخلاقية في كيفية تجنّب معاداة السامية من الدولة التي «رفعت كراهية اليهود وحرقت كتبهم ومتاجرهم ووضعتهم في معسكرات الاعتقال والقتل الجماعي». أمّا بالنسبة إلى التغريدات التي نشرها الناقد والباحث قبل إنهاء العمل معه في ألمانيا، فكانت بمعظمها جريئة وواضحة في رفضها للجرائم الإنسانية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة، وفي انتقادها لازدواجية معايير الغرب المدهشة. أعاد نشر قصيدة له تحمل عنوان «ليست قصيدة» يقول فيها: «منذ زمن طويل جعلوني أفهم أنّ فلسطين ليست فلسطين، وأن الفلسطينيين ليسوا فلسطينيين، وأن التطهير العرقي ليس تطهيراً عرقياً... بتنويرهم اللطيف (يقصد الغرب) جعلوني أرى أنّ الغطرسة ليست غطرسة، والقمع ليس قمعاً، والإذلال ليس إذلالاً.. وحين رأيت البؤس والعنصرية واللاإنسانية ومعسكرات الاعتقال، قالوا لي بحكم خبرتهم في العنصرية ومعسكرات الاعتقال واللاإنسانية، أنّ ما أراه ليس كما يبدو..».
انتقد الحاج موقف الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس (1929)، الذي أصدر بياناً يحمل عنوان «مبادئ التضامن، اتِخاذ موقف» (الأخبار 12/2/2024) ويدعو إلى ضرورة اتخاذ موقف وفقاً لـِ «بعض المبادئ التي لا يمكن الاعتراض عليها» مهما اختلفت وجهات النظر المتضاربة. أدان هابرماس بشدة، مع ثلاثة من النخبة الأكاديمية الألمانية، «المجزرة التي ارتكبتها «حماس» ضد إسرائيل بنية إبادة الحياة اليهودية بشكل عام». جاء نقد الحاج في تغريدة أعلن فيها عن عزمه على تقديم ورقة بحثية عن «الاقتصاد السياسي للكرامة»، ينطلق فيها من النظرية الأخلاقية للفيلسوف الألماني إيمانويل كانط، مضيئاً على الفارق بين «الثمن» و«الكرامة». وأردف قائلاً إنه لا يريد استعمال أفكار هابرماس النظرية وإن كانت لها قيمتها، «بإمكان هابرماس أن يحتفظ بحكمته «لنفسه» (استعمل كلمة محكية شعبية بدلاً من هذه). لا أريد استعمال أفكار هابرماس، هكذا فقط، أستطيع العيش من دونها». وأكمل: «يبدو موقفي هذا غير مهني وغير أكاديمي. غزة غيّرتني، لكنّي أشعر أنّ هذا الجزء غير الأكاديمي منّي قد قدّم لكرامتي الكثير من الخير من خلال ما فعله». يمكن القول إنّ تلك التغريدة كانت بمثابة القشّة التي قصمت ظهر البعير، فالمثقف الأكاديمي عليه أن يكتب ويتحدث ويدلي بأفكاره ورأيه بحذر شديد، حتى يحافظ على مركزه ومكانته في المؤسّسات المموّلة والجامعات الغربية. لكن هول الإبادة المستمرة والصمت والنفاق المؤسساتي الغربي تجاه المذبحة التي يرتكبها الاحتلال، كانت الدافع لتحرير هذا الجانب من الحاج. يدفع الغرب بأمواله وفرصه التنويرية من أجل «ترويض» المثقفين والمتعلّمين، ويتوقّع منهم أن يعملوا وفقاً للمعلّبات الجاهزة التي ينتجها ويصدّرها إلى المؤسسات العلمية والثقافية والإنسانية. وفي حال ظهرت على الأكاديمي أي دلالة تشي بتحرّره من الضوابط والقيود، فإنّه سيواجه حتماً الكثير من حملات التشويه واغتيال شخصيته المعنوية، كما التشكيك بماضيه ومؤلفاته السابقة التي كانت قد نالت استحسان الغرب نفسه.
قبل ثماني سنوات (في 16 أيلول/ سبتمبر 2016) كان أستاذ الأنثروبولوجيا قد نشر عبر صفحته على الفايسبوك رسالةً توضيحيةً لرفضه دعوة مشاركةٍ في مؤتمر جمعية الأنثروبولوجيا في كيان الاحتلال. «إنني أقدّر بصدق دعوتكم لإلقاء الكلمة الرئيسية، وأنا أقبل فكرة أن هذه دعوة موجّهة بنيّة حسنة تنبع من رغبتكم في فتح الجمعية أمام الأصوات التي تنتقد إسرائيل بشدة كما هي موجودة في العالم اليوم، والتي كما تقول لم يتم سماعها بما فيه الكفاية. لكنّني أخشى أنّني يجب أن أرفض هذه الدعوة». بيّن الحاج سبب رفضه الحوار مع الأنثروبولوجيين الإسرائيليين الذي لا يرفضه من مبدأ رفض الحوار بشكل عام، بل من مبدأ تأثيره السلبي على الفلسطينيين: «أفكر في كيفية تأثير ذلك على نضال الشعب الفلسطيني لتحرير نفسه من الاستعمار، وليس كفاح علماء الأنثروبولوجيا الإسرائيليين لجعل مجتمعهم أكثر انفتاحاً وتقبلاً. من الخطأ المساواة بين الاثنين على الرغم من أنهما قد يتداخلان في بعض الأحيان من حيث الاهتمام». قارب أيضاً الأزمة التي يواجهها علماء الأنثروبولوجيا الإسرائيليون مع بعض المواقف التي تشكّل تحدّياً للباحثين في البيئات الاستعمارية الاستيطانية في أستراليا وكندا ونيوزيلندا. «نحن جميعاً علماء أنثروبولوجيا نعمل في مجال اجتماعي دائماً ما يمتصّ السكان الأصليين (مثل مصّاص الدماء) ويمنعهم بعنف بشكل قانوني وغير قانوني، من مطالباتهم بالأرض. عليكم أنتم الإسرائيليون أن تواجهوا الموقف الإضافي المتمثل في أنّ تاريخكم كمصّاصي دماء قصير وجديد نسبياً، فالسكّان الذين استعمرتموهم ما زالوا أقوياء نسبياً وما زالوا يطالبون بالسيادة الوطنية والحكم الذاتي على الأرض». وأضاف بأنّ القوى المهيمنة في الأرض المحتلة، تهدف إلى محو وجود الفلسطينيين المطالبين بالسيادة الوطنية، وإخضاعهم لعنف غير إنساني مروّع؛ وهذه «إبادة سياسية» كما وصفها عالم الاجتماع العبري باروخ كيمرلينغ (2007-1939). وختم رسالته بالقول إنّه إن كان سيشارك في حوارات علمية، فيفضّل أن تكون حوارات «تفتح المجال لمزيد من علماء الأنثروبولوجيا الفلسطينيين ليكونوا مواضيع ومشاركين في تشكيل مستقبل الأنثروبولوجيا في إسرائيل/ فلسطين، ولو كان عليّ أن أتخلى عن التفاعل مع علماء إسرائيليين ممتازين ومنفتحين وساحرين». في عام 2019، كتب الحاج مقالاً في «مجلة الدراسات الفلسطينية» بعنوان «فلسطين والغرب: الاستعمار ونقطة اللاانتماء الراديكالي» قال فيه: «...نحن الذين نتعاطف مع النضال الفلسطيني ونعيش خارج فلسطين، فإننا نختبر فلسطين في المقام الأول باعتبارها ظاهرة استعمارية انتزاعية عالمية نرى جميع العالم الغربي متورطاً فيها. وقد يكون الصهيونيون هم المستعمِرين المباشرين للأرض، إلا أننا جميعاً نعلم من الطريقة التي جرى بها تيسير الأمر تاريخياً، ومن الطريقة التي لا يزال يتم بها تسهيل الأمر، أن فلسطين هي مشروع استعماري غربي. في الواقع، فإن فلسطين هي أحد الأماكن القليلة التي لا يزال «الغرب» فيها قادراً على الوجود كقوة استعمارية جماعية في التاريخ اليوم».
فلسطين هي أحد الأماكن القليلة التي لا يزال «الغرب» فيها قادراً على الوجود كقوة استعمارية جماعية في التاريخ اليوم (غ.ح)


كان موقف غسان الحاج واضحاً قبل سنوات طويلة من «طوفان الأقصى»: أكاديمي يؤمن بتعدد الثقافات ومحاربة الاستعمار والفوقية العرقية والتمييز العنصري، يرى أنّ الحل في الأرض المحتلة يكمن في نموذج مثالي يعيش فيه المسلمون والمسيحيون واليهود معاً تحت سقف دولة واحدة. لا يمكن لـ «الدولة الإسرائيلية» في فلسطين - بحكم الاحتلال والقوة- أن تستمر وهي تعمل وفقاً للمشروع الاستعماري لدولة قومية عرقية. لم يغيّر الناقد رأيه ولم تتبدّل مواقفه، كان يجاهر بها بأريحية في الجامعات والمؤسسات البحثية التي زارها وعمل فيها، إذ لم تكن ترى في طرحه المثالي أي تهديد حقيقي لاستمرار المشروع الصهيوني. ربما كانت مبادئه تلك توحي بتقليل العنف في المنطقة والسعي إلى سلام يضمن حق كل الأطراف بالعيش متساوين تحت سقف دولة واحدة، لكنّها اليوم تصنّف بأنّها «تحرض على الإرهاب» و«تنشر مناهضة الصهيونية» و«تهدّد استمرار الوجود اليهودي». هل فعلاً تم قطع العلاقة بين الباحث الزائر في المعهد الألماني لأنّ مواقفه الأخيرة تعارض «المبادئ الأساسية» للمجتمع هناك؟ أين كانت تلك المبادئ الأساسية حين تعاقدت معه في نيسان (أبريل) 2023 ومقالاته ومحاضراته علنية ومنشورة في المؤسسات الأكاديمية؟ ربما كان من الأفضل الاعتراف بأنّ مبادئ «ماكس بلانك» قد تغيّرت لحماية الاستعمار الصهيوني والغربي وضمان استمراره في أصعب محنة يواجهها منذ النكبة. وربما يجب أيضاً ذكر أنّ قرار الفصل جاء بعد إعلان تمويل سنوي إضافي بقيمة نصف مليون يورو «للعرب الإسرائيليين» ضمن برنامج زمالة «مينيرفا» وتمويل المشروعين البحثيين «حقوق الإنسان والديموقراطية» و«الحياة في ظل الظروف القاسية»، إضافة إلى تمويل بقيمة مليون يورو لـِ «مواجهة تسرّب المواهب الشابة وتسهيل العودة المبكرة للباحثين الدوليين إلى إسرائيل وتعزيز تبادل العلماء الإسرائيليين مع معاهد ماكس بلانك».

https://hageba2a.blogspot.com/2024/02/statement-regarding-my-sacking-from-max.html

بيان معهد «ماكس بلانك» بقرار فصل الباحث الزائر:
https://www.mpg.de/21510445/statement-ghassan-hage

عريضة التضامن مع الحاج:
https://www.change.org/p/support-professor-ghassan-hage-against-vile-and-vicious-smear-campaign?utm_content=cl_sharecopy_37874456_en-US%3Acv_839894&recruiter=951277093&recruited_by_id=3c669470-8bc3-11e9-af96-452ee9ae4116&utm_source=share_petition&utm_medium=copylink&utm_campaign=psf_combo_share_initial&utm_term=share_petition&share_bandit_exp=initial-37874456-en-US

رسالة الحاج نشرها على الفايسبوك اعتذاراً عن عدم تلبية دعوة مؤسسة إسرائيلية (2016):
https://www.facebook.com/ghahagea/posts/10153917621982963?paipv=0&eav=AfaN9hs3-eH36ggahf3VMAtXx_8kA-BdP3YZFPUkjx2pDeh4NUEuP-QNgDv_P0zAEQo&_rdr

مقال الحاج (2019) في مجلة «الدراسات الفلسطينية»:
https://www.palestine-studies.org/ar/node/235542

إعلان قرار تمويل إضافي للتعاون الإسرائيلي الألماني في معهد «ماكس بلانك»:
https://www.mpg.de/max-planck-israel-programme