في عام 1834، مضى المستكشف سير جورج غري George Grey وفريقه إلى أقصى شمال غرب أستراليا، وصعد إلى جرف يقع على نهر غلينلغ حيث صادفتهم رسمة بديعة لما يعتقد أنه الوادنجينا Wandjina في كهف في منطقة كمبرلي. والواندجينا كائن ميثولوجي مرتبط بالمطر عند سكان أستراليا الأصليين. رسم جري الشخص الذي يرتدي روباً طويلاً، وتلتف حول رأسه هالة فيها ما يشبه الكتابة. ثم نشره ضمن كتاب عن رحلته الاستكشافية. وقد عثرت على نسختين من الرسم: واحدة مخطّطة كما تظهر الصورة المرفقة، وأخرى فقدت خطوطها. وأظن أن الصورة الأصلية هي المخطّطة. على أي حال، أثار الرسم بعد نشره جدالات واسعة كانت في غالبها ذات طابع عنصري، إذ رُئِي أنّ السكان الأصليين لا يمكن لهم أن يرسموا شيئاً مثل هذا. كذلك افتُرض أن العلامات في أعلى الرأس طراز من الكتابة وسكان أستراليا الأصليين لم يصلوا إلى الكتابة.
دبليو جي سولاس ـــ «الصيادون القدامى وممثلهم الحديث»، لندن، 1915 ـــــ ص. 364


لذا، فقد اقترح أن الصورة تعود إلى أناس من المالايا في سومطرة، وأنها تمثل مخلوقاً ميثولوجياً سومطرياً. واقترح آخرون أنها يابانية الأصل. بل إن بعضهم اقترح أنها من عمل بحّارة أوروبيين. وكل هذا يعكس احتقاراً عميقاً لسكان أستراليا الأصليين. وهكذا تحولت الرسمة إلى موضوع لجدال إثني عنصري لا معنى له ولا قيمة. وهدف هذه المادة ليس الرد على جدالات العنصريين الغربيين، بل محاولة قراءة الدوائر الصغيرة إلى جانب صورة الرجل، التي نعتقد أنها تمثل روزنامة على علاقة بحركة الماء العذب في الكون. وهو ما تشير إليه بالفعل معتقدات السكان الأصليين الذي تربط الواندجينا بالمطر والماء.

الروزنامة مطروحة أفقياً


الروزنامة معقّدة، وتوزيع الدوائر- الأرقام فيها يوحي باستخدامات متنوعة. لكننا نستطيع أن نعثر على خيط ما يدلّنا على معنى هذه الأرقام التي تأخذ شكل ثلاثة خطوط تحوي الأرقام التالية: 20+24+18= 62. ويمكن إبداء الملاحظات التالي حول الروزنامة التي نفترضها.
أولاً: لدينا ثلاثة خطوط من الدوائر، أو الثقوب، مختلفة الطول. وهذا يذكّر بالتشكيل الثلاثي الذي عرضت له في كتابي «سنة الحية: روزنامات العصور الحجرية» الصادر عام 2022. وقد بيّنت فيه أن نجوماً ثلاثاً هي التي تتحكّم بحركة الماء العذب في الكون عند القدماء. كما أوضحت أن النجوم الثلاث مختلفة من حيث الحجم: كبير، متوسط، وصغير. الخطوط الثلاثة تمثيل لهذه النجوم، لكن عبر ثلاثة صفوف من الدوائر. وهذه الصفوف مشكّلة هكذا: صف طويل في الوسط، ثم صف متوسط الحجم وصف صغير على الجانبين، أي أنها تشبه في تموضعها تموضع النجوم الثلاث.
ثانياً: وكما نرى، لا تبدأ الخطوط أو تنتهي معاً، لكنها تلتقي معاً في منطقة معينة، تاركة عدداً من الدوائر خارج اللقاء.
ثالثاً: أما عدد الدوائر في منطقة اللقاء، فهي هكذا: 17، 18، 19= 54. ومع أن الأرقام في هذه المنطقة مختلفة، فقد جرى ترتيب الدوائر بحيث تبدو فيها الخطوط متساوية، وبشكل يجعلك تعمد إلى حسابها ككتلة واحدة مكوّنة من 54 دائرة.
رابعاً: وقد بيّنت في كتابي المذكور أن الرقم 54 كان رمزاً لسنة الماء العذب في الكون. فهو سدس هذه السنة. وعند ضربه بالرقم 6، نحصل على الرقم 324: 54×6= 324. وهذا الرقم هو رقم سنة العصور الحجرية. وهي سنة مقسومة إلى فصلين: فصل بيات الماء السفلي في الأعماق، وهو مكون من 243 يوماً، وفصل خروج الماء السفلي من بياته وهو مكوّن من 81 يوماً. ذلك أن الماء العذب في الكون يتصرف كالحية في بياتها ثم خروجها من البيات.
سادساً: أما الأرقام التي تزيد عن الرقم 54، فهي 8 أرقام موزعة في الأعلى والأدنى: ستة منها في الخط الأوسط واثنان في الخط الأيسر. وهي تمثل الأشهر الثمانية التي تشكل سنة الـ 324 يوماً. ذلك أن كل شهر منها يساوي 40.5 يوماً.
سابعاً: لكن الخط الأوسط حظي بست من الدوائر، وهي الأشهر الستة لفترة البيات: 243 يوماً. أما الخط الأيسر (الأعلى عند طرح الخطوط أفقياً) فقد حظي بدائرتين هما فترة الانسياب: 81 يوماً.
لكنني لا أدري لِم قسمت الدوائر الست في الخط الأوسط إلى قسمين: 4+2. لكن ربما كي تعطينا الرقم 4 الذي هو نصف سنة الحية القصيرة.
أما الخطوط على جسم الرجل أو الرجل الكاهن فهي 35 خطاً. لكن هناك في الزاوية اليمنى في أسفل الروب ما يبدو أنه خط آخر. وإذا صح هذا فنحن مع 36 خطاً. وهذا الرقم مختصر للرقم 324 بمقدار: 1:9. 36×9=324.
وكنت قد بدأت كتابي «سنة الحية روزنامات العصور الحجرية» بقطعة من سيبيريا عمرها بين 20-23 ألف سنة تدعى «لوح مالتا» أو «إبزيم مالتا». ولهذه القطعة وجهان: وجه عليه لوالب، أو حيات متطويات، واللولب المركزي مشكّل بالثقوب التي عددها 243 ثقباً، وتمثل فترة بيات الماء السفلي. أما الوجه الثاني، فعليه ثلاث حيات متموجات. الحيات الثلاث تموضع الخطوط الثلاثة لروزنامة كمبرلي: الخط الطويل في الوسط يساوي الحية الكبيرة، والخطان المتوسط والصغير على الجانبين يمثلان الحيتين الأخريين.



وهذا يبرهن على صحة فرضيتنا حول رسمة كمبرلي. كما يبرهن أن سكّان كامبرلي الأستراليين القدماء لم يكونوا قوماً متخلّفين بلا معرفة.

* شاعر وباحث فلسطيني