حرف التاء هو آخر حرف في الأبجديات السامية المكونة من 22 حرفاً. وهو يتمثل بصليب في شكليه الشائعين الرئيسيين.
حرف التاء بشكليه الأساسيين في الأبجديات السامية


والنقاش يدور حول اسم هذا الحرف ومعناه. فاسمه بالعبرية تاو taw وبالسريانية تاو taw أيضاً. وهو باليونانية تاو tau. وبالجعزية الحبشية تاوي tawi-tawe. وبالحبشية ليس له معنى، بحسب ما يقوله الباحثون. وهو ما يشير إلى أنه مستورد إليها من لغة أخرى. أما بالعبرية، فإن كلمة تاو تعني: إشارة، علامة. لكن بعلبكي يرى، مصيباً، أن اسم الحرف ليس مشتقاً من الكلمة العبرية تاو بل العكس في ما يبدو: «ومثل ذلك اسم الحرف taw، إذ ليس مشتقاً من كلمة taw العبرية، وتعني «علامة» أو «إشارة»، بل على العكس من ذلك، يجب تفسير الكلمة العبرية هذه بأنها مأخوذة من اسم الحرف t لأن شكل هذا الحرف (+ أو ×) يوحي بهذا المعنى» (منير بعلبكي، الكتابة العربية والسامية، دار العلم للملايين، ص 252).
ويمكن للمرء أن يوافق بقوة على كلام بعلبكي حول أن اسم الحرف في العبرية ليس أصلياً، بل مأخوذ من اسم الحرف ذاته. وهو ما يعني أن الاسم مستورد إلى هذه اللغة من خارجها. وبعلبكي يكرر هذا الرأي أكثر من مرة قائلاً: إننا إذا «عدمنا في اللغات السامية كلمات مقابلة لهذه الكلمة العبرية، فقد يعوض عن هذا شكل الحرف في الكتابات المختلفة، وهو أقرب إلى أن يكون علامة من أي شيء آخر» (منير بعلبكي، الكتابة العربية والسامية، ص 250).
وهذا الكلام ليس صحيحاً من ناحيتين.
فمن ناحية، لا معنى للحديث عن أن حرف التاء يمثل علامة. فكل حروف الأبجدية علامات من حيث المبدأ. بذا، ففكرة الإشارة والعلامة لا توصلنا إلى الأصل التصويري للحرف. فإذا كان المعنى الأصلي للحرف يشير إلى علامة، فلا بد من تحديد هذه العلامة.
ومن ناحية ثانية، فنحن لا نعدم في اللغة العربية كلمة مقابلة لكلمة «تاو» العبرية. فلدينا مقابل يمكن له أن يوضح المعنى الأصلي للكلمة العبرية ذاتها. كما أنه يستطيع أن يوضح لنا أصل الصيغة الحبشية أيضاً. أما الكلمة العربية المقابلة لكلمة «تاو» فهي «التِّواء». وهي لا تعني «علامة» هكذا بالعموم، بل تعني علامة محددة هي: وسم للإبل على شكل صليب: «التِّواء، بالكسرِ: سِمَةٌ في الفخذ والعُقِ كهيْئة الصَّليب» (الفيروزآبادي، القاموس المحيط). ويزيد المعجم الوسيط: «التِّوَى: سِمَة في الفخذ أَو العنق كهيئة الصليب». أما «لسان العرب»، فيقول: «التِّواء: من سمات الإبل: وسم كهيئة الصليب، طويل يأخذ الخد كله، عن ابن حبيب من تذكرة أبي علي. النضر: التِّواء: سمة في الفخذ والعنق... يقال منه بعير متوي، وقد تويته تيا، وإبل متواة، وبعير به تواء وتواءان وثلاثة أتوية» (لسان العرب).
إذن، فهناك سمة من سمات الإبل، أي علامة من علامات ملكيتها، على شكل صليب تسمى: التِّواء أو التِّوِى. وهذا هو القول الفصل. هذا هو أصل معنى الحرف: سمة الصليب، وعلامته. وعلى أيّ حال، فالثانية من الصيغتين، أي التي بلا همزة في آخرها، على وجه الخصوص، قريبة جداً من الصيغة الحبشية: توي tawi-tawe. وبما أنه ليس لهذه الكلمة معنى بالحبشية، فإنه يمكن افتراض أن الصيغة الحبشية مستوردة من عربية شمال الجزيرة العربية. لكن الياء في الصيغة الحبشية (تاوي) قد تشير إلى أن الكلمة العربية الأقدم كانت بالياء لا بالألف المقصورة: (تَوِيّ). ولعل وجود صيغة الجمع (أتوية) بالياء يدعم أنها ذات أصل يائي.
عليه، فاسم حرف التاء يعني، وانطلاقاً من العربية: علامة الصليب التي تستخدم كوسم للإبل، وليس أي علامة بالعموم. وهذا هو الأصل التصويري للحرف. ومنه انبثقت أسماء الحرف في الأبجديات السامية واليونانية. ولست أستبعد أن «التِّوى» أو «التَّوي» كان اسم الصليب ذاته في زمن أقدم. وإذا صحّ هذا، يكون اسم الحرف قد أخذ من الصليب مباشرة.
وكنت قد اقترحت في مادتين سابقتين أصلاً تصويرياً لحرفي اللام والطاء استناداً إلى العربية أيضاً. فاسم حرف اللام بالحبشية لاوي Lawi، وهو يعني: الحية المتطوية في نومها. يتوافق مع وصف تطوي الحية في العربية بأنها «لاوي»: «لواء الحية: انطواؤها» (القاموس المحيط). يضيف اللسان: «لِوَى الحية: حِواها، وهو انْطِواؤها؛ عن ثعلب. ولاوَتِ الحَيَّةُ الحَيَّةَ لِواءً: التَوَت عليها» (لسان العرب). وقال شاعر: «ألوى حيازيمي بهن صبـابة/ كما يتلوّى الحية المتشرق» (ابن قتيبة الدينوري، المعاني الكبير). والمتشرّق هنا تعني: المتشمس في شمس الشتاء. والفعل المعاكس لفعل التلوي والتطوي هو الانسياب: «سابَ الأَفْعَى وانْسابَ: إذا خرَج من مَكْمَنِه» (لسان العرب). ومن معنى التطوي والمكوث في الجذر (لوى)، يبدو أن الحية سميت في وقت ما «لاوي» في الجزيرة العربية، كما في الحبشية. فالحية مذكر غالباً في القواميس العربية. الاسم «لاوي» ليس موجوداً مباشرة كاسم للحية في العربية، لكن الصيغة الحبشية تفترض وجوده. ولأن صيغة «لاوي» ليس لها معنى في الحبشية بينما هي تملك معنى في العربية، فمن المنطقي أن نحكم أن الكلمة الحبشية مستوردة من العربية القديمة كاسم للحية، ثم كاسم لحرف اللام.

حرف اللام في أقدم أشكاله يتطوى كالحية في أسفله


هذا يعيدنا إلى التنوع في أسماء حرف اللام في الأبجديات المختلفة. فهو في العبرية لامد Lamed وفي اليونانية لامبدا Lambda . والاسمان قريبان من بعضهما. لكن الاسم اليوناني يضيف باء غير موجودة في الاسم العبري والحبشية. ووجود الباء غريب ومحير. لكن من المحتمل أنّ هذه الباء تحيلنا إلى الجذر «لبد» الذي هو عملياً عديل للجذر «لوى». فهو يشير إلى الانكماش على الذات، أي التقلص للتخفي: «لبد يلبد لبودا: لزم الأرض متضائل الشخص» (الصاحب بن عباد، المحيط في اللغة). يضيف الزمخشري: «لبد بالمكان يلبد لبودا: إذا لصق. ويقال أيضاً: ألبد بالمكان كذا أقام ولزق» (الزمخشري، الفائق في غريب الحديث والأثر). وكل هذا يعني أننا عملياً قريبون من التلوي والتطوي. بالتالي، فوجود الباء في الصيغة اليونانية قد يشير إلى أن الاسم الأصلي في اللغة اليونانية ربما كان من دون الميم، أي «لابد». بالتالي، قد تكون «لابد» مثلها مثل «لاوي» اسماً للحية مأخوذاً من حركة لبودها وتلوّيها. بناء عليه، فالاسم العبري «لامد» قد يكون في الأصل محرّفاً عن «لابد». أما الصيغة اليونانية، فقد جمعت التحريف العبري مع الصيغة الأصلية فحصلنا على الاسم الهجين «لامبدا». بناء على هذه الفرضية، يكون البحث عن معنى الاسم العبري باعتباره عاكساً للأصل التصويري عبثاً في عبث. فالجذر لمد العبري، يشير إلى الضرب والنخس. لذا فقد افترض أنّ «لامد» تعني: منخاس الحيوانات. وهذا غير معقول وغير مقبول إطلاقاً. فشكل الحرف الأقدم، والمتطوي في نهاياته، لا يوحي بنخس ولا نخز. فلكي تنخس، على نهاية أداتك أن تكون مستقيمة مدببة لا متلوية متطوية.
بناء على كل هذا، يكون اسمان من أسماء حروف الأبجدية وهما التاء واللام من أصل عربي. وإذا أضفنا إلى ذلك ما كنت قد اقترحته من قبل، وهو أن اسم حرف الطاء قادم من «طوط» أو «طيط»، وهو القطن، فإنّ أسماء أحرف ثلاثة في الأبجدية تكون ذات أصل عربي. يقول أمية ابن أبي الصلت:
والطوط نزرعه فنلبسه
والصوف نجتزّه ما أدفأ الوبر.

زهرة القطن مقسومة بصليب هي الأصل التصويري لحرف الطاء القديم


وهذا أمر يجب أن يؤخذ في الحسبان عند الحديث عن أصل الأبجدية وأصل أسماء حروفها. فإذا كانت العربية قادرة على تفسير أسماء عدد من الحروف في الأبجديات السامية، فإن هذا يعني أنها كانت، بشكل ما، على صلة بمولد هذه الأسماء، وأن الأبجديات السامية الشمالية ربما تكون قد استعارت جزءاً من هذه الأسماء من العربية. لكن للأسف، فنحن لا نعرف أسماء الأحرف العربية القديمة. ما نعرفه هي الأسماء الحديثة نسبياً، التي تنقسم إلى قسمين: قسم مكوّن من الصوت وحركة الفتح، إضافة إلى همزة السكت مثل: ألف، باء، تاء، جيم، إلخ. وهذا القسم لا معنى له. وقسم يملك معنى مثل: ألف، جيم، دال، ذال، قاف، كاف، إلخ.
أخيرا، أود أن أشير إلى أن اسم حرف الياء في الحبشية هو: يمان yaman، بينما في العبرية هو: يود yod ، أي يد، وفي اليونانية: إيوتا، وهو تحريف ليد عند الغالبية. وقد افترض أن الأحباش غيروا الاسم «يد» إلى «يمان»، التي تعني اليد اليمنى، لأن كلمة يد في الحبشية لا تبدأ بالياء. وهذا احتمال ممكن. لكن هناك احتمال آخر وهو أن كلمة «يمان» كاسم لحرف الياء مستوردة من لغة تسمي اليد (يمين، يمان، يمن). وهناك بيت شعري للبحتري قد يدعم احتمال أنّ اليد ربما كانت تدعى «يمن» بالعربية:
ما تنكر الحسناء من متوغل
في الليل يخلط أينه بسهوده
قد لوّحت منه السهوب وأثرت
في يمنتيه وعنسه وقيوده
قد يكون البحتري بالطبع أخذ اليد اليمنى ثم جعلها اسماً لليدين معاً. لكن هناك احتمال لأن تكون اليد دعيت في العربية في وقت ما باسم «يمن» وأن البحتري استخدم صيغة التثنية (يمنتيه) لهذه الصيغة المهملة.
وربما يؤيد هذا قول لعمر بن الخطاب: «فِي حَدِيثِهِ حِينَ ذَكَرَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ القَشَفِ وَالْفَقْرِ والقِلَّة فِي جَاهِلِيَّتِهِ، وأَنه وأخْتاً لَهُ خَرَجَا يَرْعَيانِ ناضِحاً لَهُمَا، قَالَ: لَقَدْ أَلْبَسَتْنا أُمُّنا نُقْبَتَها وزَوَّدَتْنا بيُمَيْنَتَيها مِنَ الهَبِيدِ كلَّ يومٍ». وهناك آراء متعددة جداً بشأن كلمة يمينتيها. لكن احتمال أنّ عمر سمّى اليدين يمنتين (يمينتين عند التصغير) لا يمكن نفيه. بالتالي، فقد تكون كلمة «يمن، يمان» في الحبشية مرادفاً لكلمة «يد» في العربية وأنها استخدمت في وقت ما لتمثيل حرف الياء تبعاً للمبدأ الأكروفوني، ثم استوردتها الحبشية بعد ذلك، وحافظت عليها.

* شاعر وباحث فلسطيني