«كسر السّفرة» تعبير شائع في بلاد الشام وفي العراق، وربما في عدد من البلدان العربية الأخرى. وهو يعني: فطور الصباح، أو الترويقة، أو الرّيوق.والسائد أنّ «السفرة» بالسين، وأنها تعني مائدة الطعام. بالتالي، فكسر السفرة- المائدة، يعني الأخذ من طرفها، أي أنّ «الكسر» في الجملة، يعني شيئاً مثل «كسر الرغيف». فأنت تأخذ بيدك من طرف السفرة- المائدة كأنك تكسر منها كما تكسر قطعة من رغيف.
لكن هناك من يعتقد أنّ الأصل بالصاد (الصّفرة) وليس «السفرة»، وأن الأمر يتعلق بصفرة الوجه التي تتأتى من الانقطاع عن الطعام لوقت طويل. وهناك آخرون يعتقدون أنّ «الصفرة» هي عصارة المعدة التي تكون ميالة إلى الاصفرار حين تكون المعدة فارغة. بذا، فالفطور يكسر هذه العصارة الصفراء ويخفف أذاها.
أما العالم اللغوي الكبير الأب مرمرجي الدومينكي، فيرى أن الكسر هنا يتعلق بكسر للصوم. فالفطور هو كسر للصوم الليلي في الصباح:
«ومن «الفطر»: الأكل بعد صيام رمضان. و«الفطور»: أكله الصباح، أي بعد الانقطاع عن الأكل في الليل. والثلاثي منه «فطر» بمعنى شق أو كسر. ويقابله في الإنكليزية breakfast أي كسر الصيام، أو كما يقول البغاددة «كسر الصفرا»، أي الترويقة» (مرمرجي الدومنكي، معجميات عربية سامية، ص 210، طبعة مطبعة المرسلين اللبنانيين، جونية، لبنان، 1950).


وهكذا، فهو بشكل ما يقيس التعبير العربي على التعبير الإنكليزي. فتعبير «كسر الصفرة» معادل للتعبير الإنكليزي breakfast الذي يعني «كسر الصيام». بذا، فالأب مرمرجي يفترض أن الصاد البغدادية منقلبة عن السين. أي أننا مع «كسر السفرة» لا «كسر الصفرا». والسفرة هي الطعام ومائدته حسب القواميس العربية. وفي الأصل، فإنّ «السفرة» هي طعام المسافر، ثم سميت الجلدة التي يوضع عليها هذا الطعام سفرة أيضاً: «والسُفرةُ الطعام يتخذُ للمسافر، وبه سميت الجلدة سفرة»؛ (ابن فارس، مجمل اللغة). يضيف الصاحب: «والسُّفْرَةُ: طَعَامٌ يُتَخَذُ للمُسَافِرِ، وبه سُمِّيَتِ التي يُحْمَلُ فيها الطَّعَامُ» (الصاحب بن عباد، المحيط في اللغة).
غير أن تفسير الأب مرمرجي مشكوك فيه عندي. فأنا أظن الصيغة البغدادية (الصفرا) بالصاد هي الصيغة الأصلية للتعبير، وأنها في الأصل بتاء التأنيث: «الصفرة»، ثم صارت «الصفرا» حيث تحول التاء الساكنة إلى شيء بين هاء السكت والألف عند النطق بها في آخر الكلمات في اللهجات العامية.
أما هذه «الصفرة»، فليست هي صفرة الوجه، ولا صفرة عصارة المعدة، بل هي حية أسطورية عربية معروفة جداً. وهي موجودة في البطن، وتثور عند الجوع، وتعض البطن، وتسمى: الصّفْر: «تزعم العرب أَن الرجل إذا طال جوعه تعرّضتْ له في بطنه حية يسمونها الشُّجاع والشِّجاع والصَّفَر. وسماها أَبو خراش الهذلي بالشجاع وهو يخاطب امرأَته:
أَردّ شجاع البطنِ لو تعلَمـينـه
وأوثر غيري من عيالك بالطعمِ» (لسان العرب).
يضيف الدميري: «الصّفر: زعموا أنّ الإنسان إذا جاع عضّ على شرسوفه الصّفر، وهي حية تكون في البطن، وذلك قول أعشى باهلة... : لا يتأرّى لما في القدر يرقبه/ ولا يعضّ على شرسوفه الصّفر [والشرسوف طرف الضلع]» (الدميري، حياة الحيوان الكبرى). يزيد اللسان: «شجاع البطنِ: حية يذكر أَنها في البَطْنِ وتسمى الصَّفَر، تؤذي الإنسانَ إذا جاع» (لسان العرب). ويؤكد تاج العروس: «الشجاع: الصَّفَر الذي كون في البطن، وفي الصحاح: وتزعم العرب أن الرجلَ إذا طال جوعه تعرَّضت له في بطنه حية يسمونها الشجاع والصَّفَر» (الزبيدي، تاج العروس).
عليه، فأصل التعبير الشعبي هو «كسر الصَّفرة»، أي أن التعبير الشعبي أنّث كلمة الصفر، على اعتبار أن الحية مؤنثة في العرف الشعبي، رغم أن القواميس عموماً تراها مذكراً. بالتالي، فمعنى التعبير هو: تهدئة حية البطن هذه التي تعض عند الجوع. عليه، فكسر الصفرة يعني: تهدئة جوع البطن. وهذا يعني أن الكسر هنا بمعنى التفتير والتليين والتخفيف والتهدئة: «في حديث العجين: قد انْكَسَر، أَي لان واخْتَمر. وكل شيء فَتَر، فقد انكسر» (لسان العرب). ونقول: انكسر حر الماء: بمعنى فتر. وانكسر الحر: بمعنى لان وخفت. ولعله من هذا سمي الفطور (ترويقة). فهي (تروّق) حية البطن، أي تهدئها.
أَردّ شجاع البطنِ لو تعلَمـينـه/ وأوثر غيري من عيالك بالطعمِ


انطلاقاً من ذلك، فقد كان أبو خراش يرد شجاع بطنه، أي حيته، أي يرفض الطعام الذي يسكته ويهدئه، مع جوعه، ويتحمل ألم ذلك، مؤثراً أن يترك هذا الطعام لأولاد المرأة التي نحرت له وأرادت أن تسد جوعه، وأن تسكت حية أحشائه.
أَردّ شجاع البطنِ لو تعلَمـينـه
وأوثر غيري من عيالك بالطعمِ
ومن المحتمل جداً أن تكون أمعاء الإنسان هي التي صورت على أنها حية الصفر هذه. فهذه الأمعاء تتلوى كحية طويلة في داخل الإنسان.
إذن، يبدو أن من الخطأ قياس التعبير العربي (كسر الصفرة) على التعبير الإنكليزي breakfast، وهو ما فعله الأب مرمرجي. فالأمور أعقد من هذا في ما يظهر.

* شاعر وباحث فلسطيني