كنا تحدثنا في الأسبوع الماضي عن روزنامة طوفان نوح، وقلنا إنها روزنامة تعرض لنا سنة مكونة من 324 يوماً منحدرة إلينا من العصور الحجرية. وأضفنا أن هذه السنة مكونة من فترة بيات تتكون من 243 يوماً، وفترة نشاط مكونة من 81 يوماً. واليوم سنتحدث عن روزنامة طائر الفينيق الأسطوري الشهير، الذي يبدو أنها تعرض لنا الأرقام ذاتها.وقد تحول الفينيق في القرون الأولى الميلادية إلى رمز من رموز الإمبراطورية الرومانية. لذا، فالأدب التفصيلي الذي نملكه عنه أتانا من الفترة الرومانية

طائر الفينيق على العملات الرومانية

وبحسب بليني الأكبر، فإنه حين يجيء أجل الفينيق، أي حين يتم دورة حياته، يصنع لنفسه عشاً من النباتات الطيبة الرائحة مثل المرّ وغيره، ويستكين فيه مستسلماً للموت. لكن من عظامه ونخاع عظامه ودماغه، تنبت دودة تتحول إلى فينيق جديد. وأول ما يفعله الفينيق الجديد هو أن يضع والده الطائر القديم في بيضة مصنوعة من المر، ثم يحمله على جناحه إلى مصر، أو إلى مكان آخر بحسب روايات أخرى، حيث يدفن في معبد الشمس. لكن هناك من يقول إن الفينيق يحرق نفسه، ويطلع من رماده طائر جديد.
وثمة اتفاق على أن لموت الفينيق وانبعاثه من جديد دورةً محددة، وأنها دورة ذات مغزى كوني على علاقة ما بحركة الأجرام السماوية. أما الخلاف، فيدور حول مدة الدورة. فهيرودت يقول إنّها دورة من 500 سنة. لكن مالينيوس، السيناتور الروماني، يقول إنها 540 سنة. وهناك من يقول 1000 سنة، إضافة إلى أرقام أقل شيوعاً من الأرقام الثلاثة.
لكن هناك من يرى أن دورة الفينيق هي دورة نجمة «سوثيس»، أو «سبدت» بالمصرية، أي نجمة الشعرى، التي يعتقد أنّ لها دورة كبرى تتكون من 1460 سنة هي «السنة العظمى». لكن الرقمين الأكثر تداولاً هما رقم هيرودت (500) ورقم مالينيوس (540). إذ الاتجاه العام أن الرقم 1000 يعني في الواقع: مدة طويلة.
من ناحيتي، فأنا أعتقد أن رقم مالينيوس، أي الرقم 540، هو رقم روزنامة طائر الفينيق. وقد افترض مالينيوس أن هذا الرقم هو رقم الدورة الكونية، أو السنة العظيمة. لكن سالينوس Gaius Julius Salinus رفض هذا الأمر، معلناً أن غالبية المؤلفين يرون أن السنة العظيمة تساوي 12954 سنة لا 540 سنة. والحال أن الرقم 12954 يكاد يكون مضاعفة للرقم 540 بمقدار 24 مرة: 324×40= 12960. فهذا الرقم أقل من رقم سالينوس بـ 6 أرقام لا أكثر. بذا يمكن القول إنّ لا تناقض جدياً بين الرقم 540 والرقم الذي ذكره سالينوس.
انطلاقاً، فأنا أفترض أن الرقم الأصلي لدورة حياة الفينيق هو بالفعل الرقم 540. وهو رقم يذكر فوراً بالرقم 54 الذي هو رقم سنة الحية القصيرة المكونة من 324 يوماً كما رأينا من قبل. بل هو عملياً الرقم 54 مع زيادة صفر لا غير. أي أنه مضروب بالرقم 54 عشر مرات. لذلك، فمضاعفات هذا الرقم تعطي أرقام سنة الحية هذه، لكن مع زيادة صفر، أي مع مضاعفتها عشر مرات:
540×6= 3240. وهذا هو رقم سنة الحية القصيرة (324) لكن مع الصفر، أي مضروباً بعشرة.
540×7= 3780. وهذا الرقم من مضاعفات الرقم 63 الذي عرضنا له ولمضاعفاته في هذا الكتاب: 126، 189، 378. وهو يوصل إلى الرقم 283.5: 63×4.5= 283.5. وهذا الرقم هو رقم فترة البيات مضافاً إليها الشهر المشترك.
540×9= 4860. وقسمة الناتج على اثنين يعطينا الرقم: 2430 وهو مضاعف الرقم 243 الذي هو رقم فترة البيات.
بذا يمكن القول إنّ «السنة العظيمة» هي السنة التي تحوي بداخلها الأرقام المركزية لسنة الحية القصيرة وفتراتها. إنها لعب بالأرقام حتى الوصول إلى رقم يمكنه أن يكرر أرقام هذه السنة ويجمعها معاً.
أكثر من ذلك، يبدو أن دورة سوثيس، أي نجمة الشعرى، المفترضة (1460) على علاقة بدورة حياة الفينيق. فضرب الرقم 324 بالرقم 4.5 يعطينا رقماً قريباً جداً من ذلك: 324×4.5= 1458. ويبدو أنه جرى تدوير هذا الرقم ليصير 1460.
وفي كتابنا «سنة الحية: روزنامات العصور الحجرية» الذي سيكون في السوق خلال أيام، بينّا أن السنة المنحدرة إلينا من العصور الحجرية مكونة من فصلين: فصل بيات تمثله حية متطوية، وفصل نشاط تمثله حية منسابة متموجة. لكن في وقت ما من العصر الحجري الحديث، جرى تغيير محدّد حلّ فيه الطائر محل الحية المنسابة، وأصبحت الحية المنسابة المتموجة تعبر عن فترة البيت. يظهر هذا في الشجرة من هذا العصر التي عثر عليها في غوبكلي تبي في الأناضول بتركيا وتعود إلى سبعة آلاف سنة قبل الميلاد. ففي هذه الشجرة، نرى طائراً مندفعاً وحية منسابة. الطائر يمثل فترة النشاط والفيض التي تساوي 81 يوماً، والحية المنسابة تمثل فترة البيات التي تساوي 243 يوماً.



أما الفترة في الأعلى فتساوي 40.5 يوم، إن أضيفت إلى الرقمين السابقين نصير مع سنة الحية التامة المكونة من 364.5 يوم.


بناء عليه، يمكن القول إنّ طائر الفينيق هو ذاته الطائر الذي في شجرة غوبكلي. وقد انعكس التغيير الذي طرأ على أساطير العصور التاريخية. ففي الأساطير البابلية يجري الصراع دوماً بين الطائر والحية. الطائر في قمة الشجرة، والحية أسفلها، كما في شجرة إنانا التي هي صدى للأشجار التي نتحدث عنها.
على أي حال، يحل الحمار أحياناً مع الحية. فهما ميثولوجياً يتماهيان. لذا نرى أن الصراع في رواية «الحمار الذهبي» للوكيوي أبولينوس هو بين الطائر والحمار. لذا فالجملة المركزية في الرواية هي: «كنت غاضباً جداً على فوتيس التي أرادت أن تجعلني طائراً، فحولتني إلى حمار». فوجها الكون هما طائر وحمار، أو طائر وحية، أو حية منطوية وحية منسابة.

* شاعر فلسطيني