قدمت في مادة الأسبوع الماضي مقترحاً لحل مشكلة في الأصل التصويري لحرف اللام في الأبجديات السامية من خلال اللغة العربية، وتوصلت إلى أنّ صورة هذا الحرف في الأصل هي صورة حية متطوية. وفي هذه المادة أحاول أن أحلّ أمر حرف الطاء استناداً إلى اللغة العربية أيضاً. واسم هذا الحرف بالعبرية «طِيت، طيث» وباليونانية «ثيتا» وبالجعزية الحبشية «طَيْت» وبالعربية «طاء». ومن الواضح أن كل هذه الصيغ منبثقة من أصل واحد. ويتمثل حرف الطاء في الأبجدية السينائية، وفي الأبجديات التي أعقبتها، بدائرة بداخلها صليب. وأدناه صورة لهذا الحرف في نقش سينائي، وأخرى في نقش من عزبة سرطة قرب «كفر قاسم»، ثم في نقش على سهم من فلسطين أيضاً.

ويعتقد الباحثون أن علامة هذا الحرف مأخوذة من العلامة المخصصة المصرية الهيروغليفية O49 وهي تتكوّن من صليب مزودج الخط داخل دائرة.

وتشير العلامة المصرية هذه إلى مدينة أو قرية أو منطقة مأهولة. أما في أبجديات شمال الجزيرة العربية، فيبدو أن حرف الطاء في الخط التيماني على وجه الخصوص على علاقة بالدائرة والصليب. فهو يتكون من مستطيل بداخله صليب.

بذا، فقد تربّعت الدائرة بشكل ما، لكن الصليب ظلّ كما هو.
والاتجاه الأكثر شيوعاً أن الطاء مشكّلة من صورتين اثنتين: صورة حرف التاء التي تأخذ شكل صليب، وصورة العين التي تأخذ شكل دائرة. لكن هذا الاقتراح ضعيف وغير مقنع البتة، وهو يعكس في الواقع عدم قدرة الباحثين على اكتشاف الأصل التصويري لهذا الحرف. كما أنه اقتراح يخالف بشدة المبدأ «التصويري - الصوتي» الذي يقضي بوجود صلة بين صورة الحرف الأصلية وبين اسمه. فوق ذلك، فهل يعقل أنّ من ابتدع أسماء الأبجدية عجز عن العثور على شيء ملموس يبدأ اسمه بصوت الطاء، فاضطر إلى تركيب تاء وعين لكي يمثل صوت الطاء؟
وهناك من اقترح أنّ الاسم يعود إلى الكلمة الأكادية «طيطون» التي تعني: طين، وحل، طوب. كما أنّ هناك من اقترح أن الأصل التصويري قد يكون هو: المغزل.
أما أنا، فراغب في أن أتقدم باقتراح بسيط جداً، لكنه مع ذلك يبدو قادراً على كشف لغز الأصل التصويري لحرف الطاء. يقول الاقتراح بأنّ الأصل التصويري لهذا الحرف هو: زهرة القطن. فالقطن في العربية يسمى: الطوط. يقول أمية بن الصلت:
والطوط نزرعه فنلبسه
والصوف نجتزّه ما أردف الوبر.
ويفصل لسان العرب: «الطُّوطُ: القُطْن؛ قال [بن الصلت]: من المُدَمْقَسِ أَو مِن فاخِر الطُّوطِ. وقيل: الطُّوط قُطن البَرْدِيّ خاصّة؛ وأَنشد ابن خالويه لأُمية [بن الصلت]: والطُّوطُ نَزْرَعُه أَغَنّ جِراؤه،/ فيه اللِّباسُ لِكُلِّ حَوْلٍ يُعْضَدُ. أَغَنُّ: ناعِمٌ مُلْتَفّ، وجِراؤه: جَوْزُه، الواحد جِرْو. ويُعْضَدُ: يُوَشَّى» (لسان العرب).
يضيف الزبيدي: «والطوط: القطن، نقله الجوهري، وأنشد هو لرجل من جرم: صفراء مُلْحَمَة حيكت نمانمها/ من المدمقش أو من فاخر الطوط... وقال أبو حنيفة: وزعم بعض الرواة أن الطوط: قطن البردي خاصة، وأنشد ابن خالويه لأمية بن الصلت: والطوط نزرعه أغنّ جراؤه/ فيه اللباس لكل حول يعضد» (الزبيدي، تاج العروس).
ويقول القاموس المحيط: «طُوطُ: الحَيَّةُ، والقُطْنُ، والطويلُ، كالطاطِ والطِّيطِ، والباشِقُ، والخُفَّاشُ، والصغيرُ، والشديدُ الخُصُومَةِ، والشُّجاعُ» (القاموس المحيط). ويزيد: «والطيط، بالكسر: الأحمق، والطيطان، كتيجان، الكراث البري، الواحدة بهاء» (القاموس المحيط). يزيد الزبيدي: «وحكى الأزهري عن الليث في جمعه طاطون. وفحول طاطة، قال: ويجوز في الشعر قول طاطات وأطواط وفحل طاط، وقد طاط يطوط طووطا، والكلمة واوية ويائية» (الزبيدي، تاج العروس).
إذن، فالطوط هو القطن، أو هو في الحقيقة زهرة القطن. لكن الاسم يطلق في ما يبدو أيضاً على زهرة البردي وزهرة الكراث البري أيضاً. وإذا صح هذا، فهو اسم لزهور قطنية أو قريبة الشكل من الزهور القطنية. لكن الأهم أنّ جذر الكلمة يائي وواوي معاً في ما يبدو. وهو ما يتيح افتراض أننا مع «اطوط وطيط». يؤيد هذا أن تيجان الكراث البري تجمع على طيطان، وهو ما يشير إلى أن مفردها: «طيط». بذا، يمكن الافتراض أن اسم الحرف في الأبجدية مأخوذ عن الصيغة اليائية «طيط».
انطلاقاً من هذا، تبدو الصيغة الجعزية الحبشية طَيْط ţayţ هي الأقرب للصيغة الأصلية لاسم الحرف في الأبجدية. وهي صيغة مماثلة للصيغة العربية. وما دامت الكلمة لا تعني شيئاً في الجعزية، فيمكن الحكم بأنها مستوردة من الجزيرة العربية، بناء على ذلك. أما الصيغتان العبرية واليونانية، فيجب أن تكونا على علاقة بالصيغتين العربية والحبشية، سواء أخذت منهما، أو أخذت من لغة سامية أخرى تسمّي القطن من الجذر (طوط، طيط) ذاته لكن على طريقتها.
لكن الأهم أن زهرة القطن توحي بتشابه كبير مع صورة حرف الطاء (الطيط)، كما نرى في الصور والمرسومات أدناه.

وكما نرى في الصور، فزهرة القطن تبدو دائرة مقسومة بأربعة أو خمسة خطوط. وحين تكون بأربعة خطوط، فإن هذه الخطوط تتبدى كصليب في واقع في الأمر. وهذا يعني أن زهرة القطن تتكوّن عملياً من دائرة وصليب. ومن هذه الدائرة والصليب حصلنا على حرف الطاء في الأبجديات السامية.
وهكذا توافق اسم الحرف مع أصله التصويري توافقاً تاماً.
* شاعر فلسطيني