أفلت من كل هذه المصائر، وأصبح «باحثاً أكاديمياً» مهتماً بفهم الظاهرة الدينية في تاريخيٌتها لا أكثر، باحثاً يطرح أسئلة، ولا يقدم إجابات. عندما طرح أبو زيد أسئلته حول «نقد الخطاب الديني» التي قدّمها للترقّي في الجامعة عام 1993، وجد نفسه مطلوباً، وكان أمامه خياران: أن يذهب إلى المحكمة ويعلن تراجعه عن أبحاثه التي أثارت الجدل، لينعم بالتالي بحماية المؤسسة الدينية، أو أن يرمي بنفسه في أحضان المؤسسة السياسية التي تريد أن تستخدمه في معركتها ضدّ تيارات التأسلم. كلا الحلّين كانا سيضمنان له الحماية التي افتقدها، وكلاهما أيضاً كانا اعترافاً منه بالهزيمة أمام محتكري الحقيقة والسلطة. اختار نصر حلاً خاصاً به لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؛ حمل حقائبه واتجه إلى هولندا استجابة لدعوة من «جامعة ليدن»، واستمرت رحلته «المنفى الثقافي» أكثر من خمسة عشر عاماً. طوال سنوات الأزمة، رفض نصر أن يكون ضحية أو رمزاً للصراع بين التفكير والتكفير، إذ لم تكن لديه إجابات جاهزة ومعلّبة لكل شيء، بل «أسئلة» يعتبرها «لن تهدم الدين ولن تزعزع اليقين».
خلال أيام، سوف تصدر ترجمة فارسية لبعض نصوص أبو زيد تحت عنوان «الرؤيا في النص السردي العربي». كما تصدر ثلاثة كتب عن حياته وخطابه للباحث جمال عمر، الأوّل بعنوان «مدرسة القاهرة: دراسة في خطابات نصر أبو زيد وجابر عصفور وحسن حنفي وعلي مبروك» (دار الثقافة الجديدة)، والثاني يضم محاضرات نصر غير المنشورة، إضافة إلى طبعة إلكترونية جديدة من سيرته: «أنا نصر أبو زيد» (دار هنداوي). وهناك أيضاً أطروحتان للماجيستر ستناقشان عن مشروع أبو زيد الأول فى قسم اللغة الانكليزية بكلية الآداب في «جامعة القاهرة» للباحث محمد كمال، بعنوان «دراسة مقارنة بين مشروعي أبو زيد وشليرماخر»، والثانية بقسم الفلسفة في «جامعة عين شمس» للباحث صبحي عبد العليم عن مشروعي: أبو زيد ومحمد أركون. عودة نصر إلى الجامعة انتصار له ولأفكاره.