في «فضائيات للطغيان»، ينظر إلى الأداء الإعلامي الطائفي الذي تنفثه بعض المحطات الفضائية بجرعات مركّزة للتطرّف، ثم يعرّج على الأغنية في زمن الطغيان، سواء في التحريض على زمنٍ آخر، أو لجهة الانحطاط والإسفاف في المحتوى، مستعرضاً مجموعة من الأغاني التي تمّ تداولها واستثمارها في سنوات الزلزال العربي، خصوصاً تلك التي نسجت كلماتها على ألحان أغانٍ شعبية متوارثة. ولكن هل للغة حصتها من الاستبداد؟ يجيب بأن الاستبداد يعمل على تزييف الكلمات والعبارات بمنحها مدلولات جديدة، خصوصاً في السنوات الدامية (شهيد هنا، وقتيل هناك أو العكس) وفقاً لاصطفاف هذه الجهة الإعلامية أو تلك، كما ستنتقل كلمة «معلّم» من الاستبداد التربوي إلى الاستبداد السياسي والاجتماعي والعسكري. وهناك لغة تتستّر بالدين تأخذ العبارة من فضاء لغوي إلى آخر (الكفاح/ الجهاد). ويرصد صورة المثقف «بين مطرقة الحرب وسندان الطغيان» بحشر المثقفين في سلّة واحدة، ويتساءل: «هل يستوي المثقفون المكبلون بالخوف والعجز مع المكبلين بالأنانية؟»، مستنكراً تحميل المثقفين أوزار القامعين وعجز المعارضين، منذ أن لُفظ السياسي المثقف خارجاً، وتُرك في العراء والهامش.
قاموس الطغيان سوف يستدعي مصطلح «البلطجي» أو «الشبّيح»: البلطجي حامل البلطة، والشبيح: المتسلبط والمتنمّر، في استعارة من ممدوح عدوان في كتابه «حيونة الإنسان». إذ تشتبك مدونة نبيل سليمان وتتقاطع مع هذا الكتاب في مطارح كثيرة، قبل أن تتوغّل في تشريح مصطلحات أخرى مثل «الشبّيح المعارض»، و«الشبّيح المثقّف»، و«الشبّيح غير المثقّف»، وسيجمعها في عبارة واحدة من عبد الرحمن الكواكبي هي «أُسراء الاستبداد». هكذا يمزج نبيل سليمان بين ما هو سوسيولوجي وفكري وأدبي بنظرة خاطفة ومكثّفة لمفردات مثل «عنف»، و«قصل»، و«لذّة الصورة»، فيما يتناول في الفصل الثاني من كتابه «أخيولات الطغاة» مفتتحاً بـ «المبرراتي ويليه التيس» بناءً على قراءات نقدية في الروايات التي رصدت صورة الديكتاتور، كما في أعمال ماريو بارغاس يوسا «حفلة التيس»، وواسيني الأعرج «أصابع لوليتا»، وبوعلي ياسين «خير الزاد من حكايات شهرزاد».
ينظر إلى الأداء الإعلامي الطائفي الذي تنفثه بعض الفضائيات بجرعات مركّزة للتطرّف
كما سيقيم محكمة للطاغية باستدعاء شخصيات من روايات (أبو بكر العيادي، وعبد الستّار ناصر، وهاني الراهب، وبنسالم حميش وآخرين)، بالإضافة إلى مقاطع سردية للمؤلف مجتزأة من عمله الذي لم يكتمل «مرآة الأحوال»، مما يشحن مدوّنته بما هو ذاتي في توصيف وقائع الدم والخراب والعنف. لاحقاً، سيستدرك ما كان غائباً، فيستعيد «أصناف الطغاة»، شرقاً وغرباً، بدءاً من طغاة أثينا وإسبرطة وحتى اليوم، مستنجداً بما قاله محمد الماغوط يوماً «الطغاة كالأرقام القياسية، لا بد أن تتحطّم في يومٍ من الأيام». وفي «ألوان من الطغيان»، يتوقّف عند الصراع بين الشاعر والطاغية في نماذج شعرية، ثمّ بين الكاتب والرقيب أو «الرابوق» وفقاً لتسمية بوعلي ياسين في «الثالوث المحرّم» وما تلاه من عناوين تؤسس لهذه العلاقة الكابوسية. هكذا فضح الجزائري رشيد ميموني في روايته «النهر المحوّل» صورة الرقيب وخياراته المطروحة على الكاتب «الارتداد، أو السكوت، أو المنفى». كما سيهجو الروائي الليبي محمد الأصفر الرقيب علناً في روايته «عسل الناس» بقوله: «يقوم بإحراق الكتب والمجلات شخصيّاً، فهو العين الساهرة على سلامة الناس كما يسميه أصحابه». الرقيب أو «المكتوبجي» مهنة راسخة في الموروث الشرقي على نحوٍ خاص. لذلك فهو يحضر كشخصية روائية في أعمالٍ عربية كثيرة، وفي هموم الكتّاب. يقول أدونيس: «الرقابة لا تخنق الكاتب وحده، وإنما تخنق اللغة أيضاً. ففي الرقابة تضيق حدود اللغة وتنكمش إمكانياتها وحركيتها وطاقاتها». ويضيف: «تبدو الرقابة كأنها نوع من المحو: محو اللغة، ومحو الفكر، ومحو الإنسان بوصفه كائناً مبدعاً». ويذكر صاحب «سمر الليالي» حادثة شخصية تتعلّق بمصادرة كتاب كان يحمله في حقيبته، على أيدي مباحث أحد المطارات العربية، واحتجازه لليلة واحدة انتهت بدفع «برطيل» أو رشوة لإطلاق سراحه.