القاهرة | «هذا كاتب لا يستعير أصابع أحد» بهذه العبارة قدم يوسف ادريس المجموعة القصصية الاولى لبهاء طاهر (الخطوبة ــ 1972). أكثر من أربعين عاماً مرت على صدورها، تحوّل طاهر (مواليد الكرنك، الأقصر ــ 1935) خلالها من كاتب إلى حالة عنوانها «نقطة النور». نال جوائز محلية وعربية، ووصل في بلاده إلى قمة التكريس. مع ذلك، لا يمكن أن تلمس في جلسته الا الزهد، كأن أناقته التي لا تخفى على أحد، تعكس أناقة داخلية وروحاً صافية لا يصعب الاستدلال عليها عبر لغته الناصعة التي تزداد شاعرية كلما تقشفت. وبامكانك أن تعتبره مريضاً بالعدل وبالأمل في الثورة. في رائعته «قالت ضحى» (1985) يصعب على القارئ ــ بعد نحو 30 عاماً على صدورها ــ إلا التوقف عند قلق أبطالها ورغبتهم في مراجعة تجربة ثورة ناصر. وفي «واحة الغروب» التي نالت أول جائزة لـ «بوكر» العربية عام 2008، تتجدد أسئلة الحلم بالثورة وأسباب الإخفاق بطريقة يبدو منها أنّ هذا السؤال عن «خريف الثورة» تحول هاجساً في أعمال بهاء طاهر الذي نال قبل شهرين جائزة «ملتقى الرواية العربية» في القاهرة بعدما تجاوز عامه الثمانين بأيام. وفي مقهاه المفضل في حي الزمالك قريباً من بيته، يجلس صاحب «أنا الملك جئت» كل مساء يتأمل في وجوه المارة بحثاً عن «نقطة النور». يكتب بهاء في «قالت ضحى» مراجعاً تجربة الثورة: «نعم تحدث تلك الثورة. يغضب الناس، فيقودهم ثوار يعدون الناس بالعدل وبالعصر الذهبي، ويبدؤون كما قال سيد: يقطعون رأس الحية.
ولكن سواء كان هذا الرأس اسمه لويس السادس عشر أو فاروق الأول أو نوري السعيد، فإن جسم الحية، على عكس الشائع، لا يموت، يظل هناك، تحت الأرض، يتخفى، يلد عشرين رأساً بدلاً من الرأس الذي ضاع، ثم يطلع من جديد. واحد من هذه الرؤوس اسمه حماية الثورة من أعدائها، وسواء كان اسم هذا الرأس روبسيير أو بيريا، فهو لا يقضي، بالضبط، إلا على أصدقاء الثورة، ورأس آخر اسمه الاستقرار، وباسم الاستقرار يجب أن يعود كل شيء كما كان قبل الثورة ذاتها. تلد الحية رأساً جديداً. وسواء كان اسم هذا الرمز نابليون بونابرت أو ستالين، فهو يتوج الظلم من جديد باسم مصلحة الشعب. يصبح لذلك اسم جديد، الضرورة المرحلية. الظلم المؤقت إلى حين تحقيق رسالة الثورة. وفي هذه الظروف، يصبح لطالب العدل اسم جديد يصبح يسارياً أو يمينياً أو كافراً أو عدواً للشعب بحسب الظروف».
وبسبب عشرات الجمل الشبيهة، كان من الصعب ان تغيب السياسة عن الحوار، وخصوصاً أنّ دعم بهاء طاهر لخطوات التحول في مصر كان واضحاً، وانتقل من دعم الثورة الى دعم الرئيس. تحوّل يبرره طاهر في هذا الحوار:




■ نبدأ مما يمكن تسميته «أجواء التكريم»، فقبل الفوز بجائزة «ملتقى الرواية العربية»، جرى تكريمك في عيد ميلادك الثمانين وخلفك العديد من الجوائز المحلية والدولية على رأسها أوّل «بوكر» عربية؟
لم أهتم في حياتي بالجوائز. أديت مهمتي ككاتب، وما يسعدني حقاً هو اهتمام جمهوري، فأنا كاتب محظوظ جداً لأنّ علاقتي بجمهوري متواصلة وممتدة على أجيال عدة. وهذا أهم من أي تكريم. لكن لا بأس أن تأتي الجوائز لتقول لك شكراً على ما أنجزت. الجوائز التي نلتها جزء من الحظ الذي تحدثت عنه، هناك الكثير من الكتّاب في جيلي أو الأجيال التي جاءت بعده جديرون بتكريمات فاتتهم، ومن هؤلاء الراحلان محمد البساطي ومحمد ناجي

■ برغم ما تقوله بشأن العلاقة مع القارئ، الا أنّ ردود أفعال سلبية كثيرة رافقت فوزك بجائزة «ملتقى الرواية» وكان مصدرها بعض شباب الكتاب؟
أوافقهم 100%. لا ألوم المحتجين على ذلك أبداً، فقد قلت كان من الأفضل ألا تذهب الجائزة إلى كاتب مكرّس، والأفضل أن تذهب لكاتب شاب.

■ من هو الكاتب الذي يستحقها من وجهة نظرك؟
إجمالاً، أنا منزعج من تسليط الأضواء على كتّاب وسط البلد فقط، في حين أنّ أفضل رواية قرأتها السنة الماضية كانت لكاتب صعيدي من الأقصر يدعى أدهم العبودي. للأسف هو وأمثاله من الكتّاب لا تسلط عليهم الأضواء لأنّهم من خارج العاصمة، فالنقد يفتقر إلى حسّ المغامرة في اكتشاف الكتّاب غير المكرسين.

■ جزء كبير من التحفظ على فوزك بالجوائز لا يرتبط بخلاف حول القيمة الأدبية بقدر الارتباط بمواقف سياسية. يرى بعضهم أنّ دعمك للرئيس السيسي ادى دوراً في ذلك باعتبارك كاتباً مرضياً عنه؟
أنا أسجّل رأيي الشخصي في ما يجري حولي. لا أعتبر نفسي كاتباً سياسياً بأي حال من الأحوال. وبالنسبة إلى نظام السيسي، أتصوّر أنّ إنجازه يدافع عنه. يكفي أنّه ما زال محافظاً على وحدة البلاد برغم نزعات التفتيت العرقي والطائفي في دول الاقليم وكذلك وحدة المؤسسات. ونحمد الله أنّه محافظ على المبادىء العامة للوطنية المصرية. أما أنا وغيري من الكتّاب، فنستثمر كل المناسبات لطرح فكرة الإفراج عن الشباب المحبوسين بسبب خرق قانون التظاهر بالتأكيد على صدق نواياهم الوطنية ورغبتهم في تحسين شروط العمل السياسي وتحقيق أهداف الثورة.

يكفي أنّ السيسي ما زال محافظاً على وحدة البلاد برغم نزعات التفتيت العرقي والطائفي في دول الاقليم


■ هل يقلقك وجود ما يعتبره بعضهم «حملات تشوية منظمة لبعض الرموز الإبداعية» التي تنتمي في غالبيتها إلى جيل الستينيات وتدعم الرئيس السيسي؟
يا ليتها كانت آراء رافضة لمواقفنا، لكنّها شتائم، وبعضها بالغ البذاءة لا يطرح حتى وجهة نظر يمكن أن تناقشها وأنا شخصياً وجدت من يشتمني ويقول «تعودتم على بيادة العسكر بسبب هوسكم بعبد الناصر».

■ نعرف إعجابك بشخصية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، هل أنت ممن يقبلون مقارنة الرئيس السيسي وعبد الناصر؟
أنا رجل درست التاريخ وأول درس تعلمته في الجامعة أنّ التاريخ لا يعيد نفسه، وكل شخصية سياسية لها ظروفها التي نشأت فيها والمواقف التي اتخذتها هي استجابة أو تفاعل مع هذه الظروف ويحكم عليها التاريخ، وحتى الآن «مفيش حاجه تخليك تقول أن السيسى نموذج لعبد الناصر ولكن هو ابن عصره بامتياز».

■ وكيف تصف هذه اللحظة؟
لا يوجد تاريخ أمة ينفصل عن محيطه الاقليمي، والظروف العربية والاقليمية ملتبسة جداً الآن، ولا أتصوّر أنّ هناك حاكماً يستطيع أن يسلخ نفسه عن هذه التفاصيل، والظروف الحالية تكاد تكون غير مسبوقة.

■ هل جزء من تعقد الظروف يفسر مواقف رموز جيلك الأدبي من حيث تأييده المطلق للسيسي على قاعدة التمسك بالثوابت الوطنية المصرية على رأسها وحدة الدولة والجيش كمفهوم للدولة المركزية؟
أعتبر هذا التأييد دليل نضج، واستشرافاً للمستقبل لأنّنا نرى يومياً مخاطر انهيار الدولة في المناطق المحيطة وما أسفر عنه


■ هل تعتقد أنّ أولويات الناس تغيرت بعدما كانت تحلم بالثورة والتغيير عقب «25 يناير»، واليوم لا تحلم إلا باستقرار الدولة وتماسكها بغض النظر عن جوهر ممارسات هذه الدولة؟
برأيي الشخصي، فإنّ الحفاظ على الدولة أولوية والموقف المصري من المنطقة محكوم بالحفاظ على هذه الدولة وأهمية أن تبقى قائمة وقوية.

■ من يتابع أعمالك، يرَ فيها شغفاً بفكرة الدولة المصرية. فكرة تتكرّر عبر الانشغال بنماذج ملهمة في حياتك وتعتبرها نماذج فاعلة منها محمد عبيد (بطل ثورة عرابي 1882) وحتى رفاعة الطهطاوي وهو أيضاً مثقف دولتي بمعنى ما. بالتالي، هل ترى أنّ اللحظة الآن ينبغي فيها الحفاظ على ميراثك الشخصي وقناعتك بحيث لا ينقطع الأمل عبر الإيمان بظهور البطل؟ وهل نحن الآن فى حاجة لمثل هذا البطل؟
أفتكر نعم.

■ كنت دائماً تنقل انشغالاتك بالتاريخ عبر حوارات كانت تجمعك بالمفكر القومي الراحل محمد عودة، لو تخيلت أنّكما معاً الآن وتديران هذا الحوار المنشغل بالتاريخ، فما هو الموضوع الذي يمكن أن يشغلكما معاً؟
سؤال مهم جداً يدفعني لاسترجاع محاوراتي الأخيرة مع الأستاذ محمد عودة رحمة الله عليه. في آخر أيامه، كان مشغولاً بفكرة مصر والحفاظ عليها. أعتقد أنّ تفكيره لن يخرج عما نقوله الآن بحيث نؤكد أنّه لا بد لهذه الدولة من الحفاظ على كيانها لأجل هذه المنطقة كلها.

■ طيب عربياً، كيف نواجه هذا التفتت الطائفي والذهاب إلى الحروب؟ أغلب ما يشغلنا الآن فيه طابع طائفي أكثر منه خلافاً على أولويات وطنية؟
برأيي الشخصي، فإنّ سبب هذا الاقتتال هو اختفاء الدور المركزي الذي كانت مصر تلعبه في الماضي، دورها الذي فهمه محمد علي وعبد الناصر يعني حتى أيام مصطفى النحاس باشا في أربعينيات القرن الماضي عندما رفض الأحلاف وسعى لتأسيس الجامعة العربية. علينا ألا ننسى أنّ الدور المركزي لأي بلد ليس خياراً لهذا البلد نفسه، بل هو استجابة لخيارات مطروحة في المنطقة نفسها وهي حكمة أدركها عبد الناصر بوضوح.

انتكس مفهوم مدينية الدولة بسبب القوى المحافظة التي تكالبت عليه داخل مصر وخارجها



■ هل يمكن القول إنّك أنت الذي تربى في إذاعة «صوت العرب»، تشعر بالاحباط من واقع العالم العربي على نحو يجعلك تعيد النظر في إيمانك بالعروبة؟
يكفي أن أشعر أنّ الفكرة باتت «منزوية» لأشعر بالألم. المؤسف أنّ المنطقة فرض عليها التفتت.

■ ضمن هاجس العدل الموجود دائماً في كتاباتك، نلمح نفساً خاصاً في تعاملك مع القضية الفلسطينية كقضية مصيرية اعتباراً من عملك الروائي الأول «شرق النخيل» حتى رائعتك «الحب في المنفى»؟
أظنّ أن أي كاتب لديه درجة من الوعي، لا بد من أن يدرك أن القضية الفلسطينية محور القضية المصرية. من يعرف التاريخ جيداً، يدرك ذلك. يؤسفني أنّ قضية فلسطين تراجعت على كل المستويات. لم أعد أرى مظاهرة في مصر تخرج لأجل فلسطين، وزاد على هذا الالم الانقسام بين «حماس» والسلطة الفلسطينية، وهو بحد ذاته مؤلم جداً.

■ كيف تتأمل حالة الانكسار التي أعقبت الحلم بثورة في «25 يناير»2011 ؟
ظني أنّ هذه الثورة النبيلة تكالب عليها كل الأعداء من الفلول الكذبة وصولاً إلى عناصر كثيرة من أعوان الاستعمار.
■ لو عدنا إلى الأدب، نشعر أنك من الكتّاب الذين يكتسبون قراء جدداً كل يوم ومبيعاتك دليل على ذلك، ما يعني أنّ الواقع يهديك كل يوم قراء جدداً؟
عندما أقابل كتاباً شباناً، أكثر ما يسعدني أنّهم قرأوا أعمالي وكونوا آراء سلبية أو إيجابية. هذا يعني أنّني موجود. ومن أكثر الأشياء التي أسعدتني في الحياة خلال «ثورة 25 يناير» ومسيراتها التي لم أستطع المشي فيها لمسافات طويلة، أنني وقفت ذات مرة لأستريح، فوجدت أحد المتظاهرين يحضنني ويقول لي كلمة لن أنساها أبداً لأنها جعلتني أبكي فرحاً، فقد قال «مفيش حاجة بتضيع، كل كلمة كتبتها انت وغيرك وصلتنا لحد هنا واحنا هنا جايين نكمل». وهذا معناه أنّ كل نبتة سليمة تزدهر وهذا شيء مطمئن.

■ في نصوصك، يخيّم هاجس «البحث عن العدل»، هل هذا الهاجس يرجع إلى اللحظة التاريخية التي ولدت فيها أو سنوات شبابك التي أمضيتها مع مجتمع كانت لديه تطلعات من هذا النوع؟
هذا تفسير سليم جداً. أعتقد أنني فعلاً عشت عصراً في شبابي كان هاجسه البحث عن العدل. عندما أتذكّر أول مظاهرة سرت فيها، وأنا طالب، كانت تنادي بإلغاء معاهدة 1936 لأنّنا شعرنا أنّ فيها ظلماً شديداً لمصر وانتقاماً منها ومن ثم كان البحث عن العدل فكرة تأسيسية لجيلي كله.

■ لكن هذه الفكرة موجودة في نصوصك في تنوعها وعلاقاتها المختلفة سواء كانت علاقات عاطفية أو على مستوى أكبر، ففي «الحب في المنفى»، تطرح أفكاراً حتى على مفهوم العدالة الدولية وتعامله مع القضية الفلسطينية؟
هذا حكمك النقدي وأوافق عليه جداً

■ ملفت هو شغفك بفكرة الالتزام السياسي داخل أدبك رغم أنك ككاتب لم تكن منخرطاً في حزب أو تنظيم سياسي؟
لا خالص

■ لكن كيف صنعت هذه المسافة الآمنة المحترمة بين عدم التورط سياسياً بالمعنى التنظيمي والتمسك بمفهوم نبيل للالتزام، وربما هي أيضاً ميزة تمتع بها محمد البساطي وإبراهيم أصلان وخيري شلبي؟
أنت سميتها الاحترام، لكن كل هؤلاء اتهموا دائماً. خلال سنوات الاشتراكية، اتهمنا بأنّنا وجوديون. وفي عصر السادات اتهمنا بالالتزام. وكان تصنيفنا صعباً. أتذكر أنّه خلال الأيام التي كان التنظيم الطليعي يحكم كل شيء في مصر وكنت أعمل في الإذاعة، جاءني صديق ومعه تقرير أمني مكتوب عني بـ «أنّ فلان الفلاني من العناصر السلبية التي ترى أن النظام ديكتاتوري». هذه جملة كانت كفيلة وقتها بضياعي، لكن ما يهمني اليوم أنني حرصت دوماً على اتخاذ مواقف مستقلة، وأعرف أنّ لها ضريبة. مع ذلك، دفعت الثمن وسُجنتُ في عصر السادات على يد مجموعة معادية له. وبالتالي جرى تسريحي من عملي. الغريب أنّ عدم انخراطي في تنظيمات عبد الناصر، لم يضمن لي النجاة من بطش السادات. (ويستكمل) فكرتني بأيام عربية خالص، عاشها جيلي

■ ما هو وجه غرابتها؟
أظن أنني شرحت هذه المفارقة في المقدمة التي كتبتها لرواية «خالتي صفية والدير» وشرحت المسافة بيننا وبين النظام.

■ ونحن نتحدث عن الأثمان، هل يمكن القول إنّ وجودك في جنيف لفترة طويلة ضمن لك النجاة من التورط في أثمان دفعها كتاب آخرون عاشوا قسوة الظرف السياسي في مصر؟
أعتقد أنني لو كنت في مصر لاتخذت المواقف نفسها، لأن مواقفي كانت معلنة ووجودي خارج مصر لم يكن خياراً، بل ثمناً أراد السادات لجيلي أن يدفعه.

■ في مقالاتك دائماً تأكيد على مفهوم الاستنارة، وفي كتابك الذائع الصيت «أبناء رفاعة» ربطت صعود الدولة المصرية وتأسيسها بالمعنى الحديث بوجود رموز للاستنارة ضمن دولاب الدولة. كما أنك تستدل دائماً على النموذج المستنير بالعودة لصورة والدك الازهري الذي خلق لديك هذا التوجه، فلماذا تراجع حضور هذا النموذج في مصر اليوم؟
انتكس مفهوم مدينية الدولة بسبب القوى المحافظة التي تكالبت عليه داخل مصر وخارجها.

■ مع انسحاب المشروع الديني بالمعنى السياسي بعد فشل تجربة الإخوان في الحكم، وإزاحتهم في 30 يونيو، أصبح هناك فراغ اعتقد بعضهم أنّ المثقف يمكن أن يتقدم ويملأه؟
أنا مختلف مع هذا التفسير لأنّ مشروع الإخوان لم ينسحب لو أردت الحديث عن مشروع إسلام سياسي. هو موجود وراسخ بقوة وتجاهل وجوده نوع من العمى السياسي.

■ هل تعتقد أنّ اللحظة يمكن أن تحقق مكاسب للمثقفين على حساب مشروع الإسلام السياسي؟
أتصور أن المثقفين ما زالوا هامشيين، وهم أيضاً اختاروا أن يكونوا هامشيين من دون رغبة في الانخراط داخل الصراعات الاجتماعية والسياسية بشكل مؤثر. وأظن أن الفترة الوحيدة التي كان فيها المثقفون مؤثرين حين كان طه حسين فاعلاً في حكومة «الوفد»، تحديداً أيام الطليعة الوفدية (1944 /1952)، حين كان اليسار الوفدي ذا تأثير بفضل محمد مندور. وقتها كان المثقفون راغبين فعلاً في التفاعل ضمن حراك اجتماعي وسياسي حقيقي.

■ هل لديك حنين لليبرالية حزب الوفد؟
يا سلام، وأي حنين؟

■ هل حالة الشغف المستمرة لقراءة «قالت ضحى» يأتي من كونها نصاً أدبياً عن خريف الثورة؟
ما لاحظته أن هذه الرواية لا تنتهي، بمعنى أنها مفتوحة على العديد من التأويلات وبالتالي فرص القراءة.

■ إنها بالفعل رواية قاسية جداً في الأسئلة التي تطرحها على نفسها، حتى إن جملاً داخل النص تشير إلى أي مدى كان أبطالها مؤرقين بمرض العدل والثورة كأمل لا شفاء منه، لكن عند العودة إلى رواية مثل «واحة الغروب» نجد أن هناك اسئلة تعيد طرحها كأنما انشغالك بها لم ينته. لذلك يبدو الرجوع إلى اللحظات المعلقة في التاريخ سمة في ادبك كما فعلت مثلاً في «انا الملك جئت» ما يؤكد انشغالك بلحظات التحول المفصلية، فمن الانتقال من مأزق اخناتون حتى مأزق عرابي وصولاً إلى مراجعة مأزق جمال عبد الناصر، تعيد طرح السؤال كل مرة.
عندي دائماً ولع بالقراءة في التاريخ.

■ وماذا عن لغتك التي تتسم بعناية فائقة؟ تبدو لغتك من دون مطبات ليس فيها فجوات رغم تنوعها الشديد وحسها الدرامي البالغ؟
اهتمامي الأول باللغة. وأكثر ما يحزنني في تطور الأدب المصري الحالي هو انهيار مستوى اللغة، وبالتالي انهيار مستوى الفكر. ينبغي للكتّاب أن يعيدوا النظر في موقفهم من الأدب نفسه وليس اللغة فقط لأنه لا أدب من غير لغة.

■ أخيراً، ثمة مفارقة في مسيرتك مع الكتابة. كنت آخر من نشر أعماله في جيله، ومع ذلك أنت أكثرهم تكريساً ونيلًا للجوائز؟
في أيامي كان النشر صعباً جداً، وضع لنا الكاتب الكبير عبد الفتاح الجمل معايير صارمة كي نمر من تحت يده. هذا يفسر مسألة مهمة هي أنّ جزءاً من الضعف الحالي في الكتّاب الجدد سببه غياب المعمار. إلى جانبه كان يحيى حقي، وكانا معاً كاتبين كبيرين،. عندما يحضران يستشعر الشخص بمسؤولية، لذا لم يكن في جيلي الا التنافس لاثبات الذات.