بغداد | يدرك "التيار الصدري" الذي نال أكبر كتلة لتحالف واحد في البرلمان العراقي المنتخَب، صعوبة الانفراد بحكم العراق، ولكنه لا يجد مانعاً من تشكيل نقطة جذب يكون أساسها برنامجه، خصوصاً في القضايا التي تتعارض فيها برامج الشركاء المحتملين بشكل أساسي مع رؤية التيار. ولا ينكر "الصدريون" وجود تفاهمات مبطنة مع فائزين آخرين في الانتخابات، منهم رئيس لائحة "تقدّم" رئيس المجلس النواب المنتهية ولايته محمد الحلبوسي، ورئيس "الحزب الديمقراطي الكردستاني" مسعود بارزاني، وفق الآلية المشار إليها آنفاً. وعليه، يَتوقّع التيار سهولة تشكيل الحكومة المقبلة، نظراً إلى أن كتلته هي أكبر كتلة في البرلمان، ولن يكون ثمّة جدال، بحسبه، حول تحديد هذا الأمر، وبالتالي فإن "الصدري" هو مَن سيسمّي رئيس الوزراء. في المقابل، يبدو أن "تحالف الفتح"، الذي تراجع حجم كتلته، يحتاج إلى مزيد من الوقت لتحليل النتائج، لكنه يقرأ انخفاض نسبة الاقتراع على أنها انعكاس للإحباط بسبب تدنّي مستوى أداء السلطات المختلفة، خاصة الحكومة، وبقاء المشاكل الكبرى للعراق بلا حلّ.ويصف القيادي في "التيار الصدري"، أحمد الربيعي، في حديث إلى "الأخبار"، نتائج الانتخابات بأنها "جيدة ومطمئنة"، معتبراً "أننا نستحقّ أن نكون في مكان الصدارة في الانتخابات العراقية، أولاًَ لطبيعة الخطاب الوطني الذي تقدّم به التيار الصدري، إضافة إلى القاعدة الشعبية التي يتمتّع بها، وإلى المشروع الوطني الذي يحمله السيد مقتدى الصدر. هذا كلّه أدى إلى إعطاء الشعب العراقي ثقته للكتلة الصدرية ومشروعها الإصلاحي، وهذا مهمّ بالنسبة إلينا". ويعرب الربيعي عن اعتقاده بأن "تشكيل الحكومة سيكون سهلاً، لأنه سيستند إلى أغلبية واضحة ومهمّة"، مضيفاً أن "التعقيد في المشهد يَنتج من وجود كتل متقاربة في الأرقام، هذا يعقّد إعلان الكتلة الكُبرى وكيفية التحالفات، وما إلى ذلك. المشهد الآن مختلف، بوجود كتلة كبيرة ومهمة هي الكتلة الصدرية، التي لديها أريحية في مساحة الحركة ومساحة التصرّف السياسي ومساحة التحالفات".
وعن التحالفات، يقرّ الربيعي بأنه "كانت للتيار الصدري تفاهمات مع قوى سياسية عديدة ومنها بارزاني والحلبوسي، وغيرهم امن قوى الطيف السياسي"، مستدركاً بأنه "لحدّ الآن هي تفاهمات، ونحن لدينا برنامج وأهداف سياسية واضحة نريد أن تُطبَّق لإنقاذ العراق. يعني من يريد التحالف مع التيار الصدري عليه أن يتّفق معنا في الرؤى والأهداف الوطنية والوصول إلى تفاهمات جيدة تعطينا مساحة مهمة لبناء وطن واحد موحّد يؤمّن الحياة الكريمة والعيش الرغيد لأبناء الشعب العراقي. كلّ الاحتمالات واردة. ليست لدينا مشاكل ولا عدائية مع أحد. نريد بناء سلّم من السلام بيننا وبين إخواننا. نريد العيش الآمن للشعب العراقي والرفاهية والاطمئنان".
يقرّ «التيار الصدري» بوجود تفاهمات مبطنة مع برزاني والحلبوسي


من جهته، يتجنّب عضو "تحالف الفتح"، حافظ آل بشارة، الحديث عن تراجع ممثّلي "الحشد الشعبي" في الانتخابات، مفضّلاً تناول نسب الاقتراع المتدنّية بدلاً من ذلك. وفي هذا الإطار، يقول في حديث إلى "الأخبار"، إن "نسب المشاركة المتدنّية كانت متوقّعة، بسبب ما يمرّ به الشعب من شعور بالإحباط بسبب تدنّي مستوى أداء السلطات المختلفة، خاصة الحكومة، وبقاء المشاكل الكبرى للعراق بلا حلّ مثل: استمرار الاحتلال المباشر وغير المباشر، الفقر والبطالة، والفساد المتعدّد الأشكال، وأزمات الأمن والخدمات، واستمرار القوى السياسية نفسها المسؤولة عن الفشل في المشهد السياسي والانتخابي، وعدم وجود قوى جديدة يمكن التعويل عليها في إجراء تغيير حقيقي". ويلفت آل بشارة إلى أن "بعض الجهات حاولت استحداث قوى سياسية جديدة، لكنها فشلت، والمفروض أن تَظهر تيارات إصلاحية قوية تفرض وجودها وتحظى بتأييد الجمهور لإزاحة القوى التقليدية، لكن ذلك لم يحدث".
وردّاً على سؤال عما إذا كانت النتيجة انعكاساً لاحتجاج من قِبَل الناخبين على أداء "الحشد الشعبي"، يجيب آل بشارة: "لماذا يحتجّون على الحشد الشعبي، وهو الذي كان في مقدّمة القوى الأمنية التي أنقذت العراق من خطر عصابات داعش، وقدّم آلاف الشهداء والجرحى، ولم يكن له دور في إدارة البلد وسياسته، بل كان دوره عسكرياً وأمنياً؟ وكانت الجهات التي تعادي الحشد وتريد حلّه والتخلّص منه هي تلك الجهات نفسها التي وفّرت لداعش الغطاء السياسي والإعلامي. إذا كنتم تقصدون عدم مشاركة الحشد في التصويت الخاص بسبب مشكلة إدارية، فهو قد شارك في التصويت العام". لكن ألَم تكن الخلافات داخل "الحشد" سبباً في التراجع؟ يردّ القيادي بأنه "لا يمكن ربط الانتخابات بالحشد الشعبي، فالحشد قطاع عسكري مرتبط بالقائد العام للقوات المسلّحة، مثله مثل القطاعات الأخرى، كالجيش والشرطة ومكافحة الإرهاب والبيشمركة، وأعتقد ما تقصدونه أن الحشد لم يشترك في التصويت الخاص بالقوات المسلحة بسبب مشكلة لديه في تهيئة قاعدة بيانات بمنتسبيه. أمّا مشكلة فصل ألوية العتبات من الحشد فتعود إلى اجتهادات تخصّ بعض الأشخاص، وذلك لا يؤثر على قوة الحشد وجاهزيّته وتطوّره في التدريب والتسليح. وحالياً، يمسك الحشد بأهمّ نقاط التماس مع فلول داعش، ويحقّق انتصارات يومية بإشراف القائد العام للقوات المسلحة، وشارك الحشد بقوّة في خطّة حماية مراكز الاقتراع".
وبشأن ما إذا كانت قد جرت عمليات شراء أصوات بأموال خليجية، يلفت آل بشارة إلى أن "هناك كلاماً غير رسمي كثيراً بهذا الصدد. لكن لا توجد أيّ معلومات رسمية حول قضية المال السياسي. والحكومة والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات هما المسؤولتان عن رصد المخالفات إن حدثت وتسجيلها، ومحاسبة مَن يقف وراءها. والتمويل الأجنبي للانتخابات إذا حدث، فهو يشكل تدخّلاً في شؤون العراق، والطرف العراقي المستفيد يُعدّ خائناً، ويجب أن يحال إلى القضاء بتهمة التخابر مع الأجانب".