بغداد | يتزايد الغضب الشعبي في «إقليم كردستان» نتيجة فشل حكومتَي المركز و«الإقليم» في حلّ الأزمة المالية المستفحلة، ومكافحة الفساد المستشري هناك. التظاهرات الحاشدة في السليمانية لموظّفي القطاع العام ومحدودي الدخل رفعت، هذه المرّة، شعارات تطالب بحلّ حكومة أربيل، محمّلة «الثنائي» الحاكم، «الحزب الديمقراطي الكردستاني» و«الاتحاد الوطني الكردستاني» إضافةً إلى «حركة التغيير»، مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية، وهدر المال العام، وحرمان المواطن/ الموظّف من أدنى حقوقه. أحد المتظاهرين في حراك السليمانية، المستمرّ منذ الأول من شهر كانون الأول/ ديسمبر الجاري، يعتبر، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «حكومة أربيل تعزف على الوتر القومي والقضية الكردية؛ فهي تتحدّث عن صيانة حقوق الأكراد وعدم التنازل عن حقهم في موازنة العراق المالية، والحصة من الاقتراض، لكنها - في الوقت عينه - تهيمن على مقاليد القرار والأموال، سواءً تلك التي ترسلها بغداد أو العائدات المالية مقابل بيع النفط وواردات المعابر الحدودية والمطارات»، آسفاً لـ«ممارسة الحكومة سياسات التقشّف والاستقطاعات المستمرّة، من دون أي مبرّر أو مسوّغ».
على أن ما يجري حالياً لا يبدو بعيداً من «حركات التسخين السياسي»، قبيل إجراء الانتخابات التشريعية المبكرة (حزيران/ يونيو 2021). وفي هذا الإطار، تتّهم أحزاب السلطة في «الإقليم»، بعض الأحزاب المعارضة، بتحريك الشارع، باستغلال الدوافع الموجودة أصلاً لاندلاع الاحتجاجات. لكن المكتب السياسي لـ«حراك الجيل الجديد» (بقيادة شاسوار عبد الواحد) المعارض يردّ على تلك الاتهامات بأن «الحراك أصاب السلطة بالذعر، حتى من التظاهرات السلمية»، فيما يؤكد رئيس كتلة «الحراك»، في البرلمان العراقي كاظم فاروق، في حديثه إلى «الأخبار»، أن العمل جارٍ على الإطاحة بـ«حكم العائلات»، مشيراً إلى أن «السلطة لديها مافيات، وتسعى جاهدةً لإسكات صوتنا من أجل التستّر على فضائح الفساد والسرقات اليومية».
في المقابل، وفي خطوة دفاعية، تُروّج الماكينات الإعلامية المحسوبة على «الثنائي الحاكم» لكون الحكومة المركزية هي المقصّرة. وتلقي أربيل والسليمانية، على حدٍّ سواء، باللوم على بغداد للخروج من دائرة الاتهام والمساءلة. ولم يعد هذا الخطاب مقتصراً على الإعلام، بل أصبح «درعاً» تقف خلفه الطبقة الحاكمة، وهو ما عبّر عنه صراحة النائب عن «الحزب الديمقراطي»، شيرزاد حسن، بالقول إن «التظاهرات يجب أن تكون ضد الحكومة الاتحادية، فهي الجهة المقصّرة»، معتبراً في حديثه إلى «الأخبار» أن «رفع شعارات سياسية في التظاهرات، مثل إسقاط حكومة الإقليم وغيرها، هو أمرٌ مدفوعٌ من جهات حزبية وسياسية تريد الصعود على معاناة المواطنين... فهؤلاء يتلاعبون بمشاعر الناس». ويضيف أن «هذه الأحزاب لها نوّاب في برلمان الإقليم، ومطّلعة على وضعه المالي، وتعرف حجم الأزمة، نتيجة انخفاض أسعار النفط وقلة العائدات المالية، ولكنها تحاول إحداث أزمة ورفع شعارات انتخابية».
تتّهم أحزاب السلطة في «الإقليم»، بعض الأحزاب المعارضة، بتحريك الشارع


بدوره، يلقي النائب عن «الاتحاد الوطني»، حسن آلي، باللوم على الحكومة الاتحادية أيضاً؛ إذ يقول إن أربيل، وبعد جمع العائدات المالية المتوفرة لديها، إضافةً إلى قروض داخلية حصلت عليها من الشركات والبنوك في الشمال، ستؤمّن الرواتب بنسبة استقطاع تصل إلى 21 بالمائة، بيد أن الحكومة الاتحادية برئاسة مصطفى الكاظمي أرسلت لـ«الإقليم» تطمينات وتعهدات بإرسال المبالغ المخصّصة والبالغة 320 مليار دينار، لكنها في طور البحث عن مسوّغ قانوني لذلك، لتجنّب الوقوع في حرج مع البرلمان والكتل السياسية التي صَوّتت على قانون تمويل العجز المالي.
وفيما يحتدم الصراع السياسي شمالاً قبيل إجراء الانتخابات المبكرة، يرى مراقبون أن المواطن هناك يعيش حالة مأساوية بين مطرقة السلطة وسندان المعارضة، وسط صمت الحكومة الاتحادية عن الأحداث الجارية، معتبرين أن بغداد مستفيدة من هذا التناحر، على اعتبار أنه قد يدفع أربيل إلى الخضوع لمطالبها بالإيذان بتسليم واردات النفط والمنافذ الحدودية، والتي فشل رؤساء الحكومات السابقة في تحصيلها.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا