«غزوة باريس المباركة»، هكذا سمّى تنظيم «داعش» عملياته الإرهابية في العاصمة الفرنسية، مستنداً إلى أدبياته «الجهادية». تبنى العمل ببيانٍ مكتوب، ثم بتسجيل صوتي. وبرغم «الطلاق» بين قطبي «الجهاد العالمي»، تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، فإن الحدث أكّد أن الخلاف بين الطرفين يقتصر على «أحقيّة البيعة»، لـ«الظواهري»، زعيم الأول، أو لـ«البغدادي»، زعيم الأخير. وعكست شبكة «تويتر»، وتحديداً حسابات «منظّري» التيار السلفي «الجهادي»، المقرّبين من «القاعدة»، تأييد هؤلاء لما حدث في العاصمة الأوروبية.
فقد أشار المنظر «الجهادي»، «أبو قتادة الفلسطيني»،
في تغريدة له على حسابه، إلى «الغزوة»، قائلا إنه «حين يستيقظ ﺍﻟﺨﺼم ﻋﻠﻰ صوﺕ ﺍﻟﺒﺎﺭﻭﺩ ﻭﺭﺅية ﺩماﺀ ﺃﻫﻠﻪ... حينها تعلم ﺃﻥ ﺍﻟﻘدر بدأ يكتب ﻟﻐﺔ ﺍﻟﻨﺼﺮ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ». وأضاف: «ﻟﻢ نعد نبكي وحدنا... ﻟﻢ ﻧﻌﺪ ﻧﺤﺲّ ﺑﺄﻟﻢ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺣﻴﻦ ﻧﺮﺍﻛﻢ ﺗﺼﺮﺧﻮﻥ، ﻷﻧﻜﻢ ﻟﻢ ﺗﻌﻮﺩﻭﺍ ﺑﺸﺮﺍً ﻋﻨﺪﻧﺎ».
التأييد «القاعدي» لأعمال «داعش»، ليس بالأمر الجديد. ففي حزيران من العام الجاري، أشاد أمير «جبهة النصرة»، أبو محمد الجولاني، في مقابلته على قناة «الجزيرة القطرية» بقتال «داعش الحكومة الرافضية في العراق». وأمل آنذاك عودة عناصر «الدولة» إلى حضن التنظيم الأم، ومبايعة زعيمهم السابق، أيمن الظواهري.
المديح «القاعدي لغزوة إخوة الجهاد»، عبّر عنه أبرز شرعيي «جبهة النصرة»، مظهر الويس، بأسلوب مبطّن، مهاجماً «المشايخ» الذين سيستنكرون «غزوة باريس». وقال الويس إن هؤلاء «ﻧﺴوا ﺟﺮﺍﺋﻢ ﺍﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ ﻭﺃﺫﻧﺎﺑﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺎﻡ ﺑﺤﻖ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ».
في المقابل، تساءل القيادي ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﻓﻲ «ﺍﻟﻨﺼﺮﺓ»، ﺻﺎﻟﺢ ﺍﻟﺤﻤﻮﻱ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ على «تويتر»، بـ«ﺃﺱ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺎﻡ»، «ﻣﺘﻰ ﺳﻴﻘﺘﻨﻊ ﺍﻟﻐﺮﺏ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻠﻌﺐ ﺑﺎﻟﻨﺎﺭ ﺳﻴﺤﺮﻕ ﺃﺻﺎﺑﻌﻪ؟».
ورأى الحموي أن الغرب أراد «استغلال داعش لمحاربة الجهاد السني والثورات ضد الطغيان وأيّد تمدده حتى وصلت لهم». وأضاف: «هل ستقتنع أميركا والغرب بأن سياسة لا غالب ولا مغلوب في سوريا بدعم النظام والمعارضة ليفنوا بعضهم، مفاسدها على الغرب وإسرائيل أكثر من نفعها».
تغريدات «أس الصراع» صبّت في إطار «الحياد»، على قاعدة «طابخ السم آكله»، والشماتة بالجرح الفرنسي. كما وضع «القاعدي» معادلة «ليأمن الغرب على نفسه»، وهي «الوقوف مع الشعوب ضد الطواغيت المستبدين»، و«ترك المسلمين يحكمون أنفسهم بالطريقة التي يريدونها».
وبتحليله الشخصي، ذهب «أس الصراع» إلى أن العملية لم يكن توقيتها أو طريقة تنفيذها، وحتى أهدافها مبنية على تخطيط دقيق، كما فسّرها «المحللون المساكين»، بل هي نتيجة «فرصة صحّت»، ونفّذت، «لا تخطيط ولا توقيت ولا شيء»، كما عبّر.
القنوات «الإخبارية» الخاصة بـ«المنظّرين» أو «الفصائل الجهادية» على تطبيق «التلغرام» تغنّت بما حدث.
وتناقلت صوراً «مسرّبة» من داخل مسرح باتكلان الباريسي، وفيديوات للحظات الأولى للعملية. مجّد «مجاهدو» الفصائل، وخصوصاً «الجهادية»، وتلك «المعارضة السورية»، «داعش» كما «البغدادي». عظّموا ما أنجزوه، مستذكرين أحداث «11 أيلول» عام 2001، ومجزرة سبايكر في العراق. لكن قيادة بعض «الفصائل» فضّلت «الاستنكار والشجب»، لحساباتٍ خاصة بها، كـ«أحرار الشام»، و«جيش الإسلام»، اللذين يخوضان «حرب إلغاء» ضد «داعش»، إلى جانب «النصرة».
في المقابل، لم يبيّن المنظّر «أبو محمد المقدسي» «الأب الروحي» لمؤسس «داعش» «أبو مصعب الزرقاوي»، ﻣﻮﻗﻔاً حاسماً ﻣﻦ ﺍﻟﻬﺠﻤﺎﺕ. واكتفى بأن أورد «بعض اﻧﺘﻬﺎﻛﺎﺕ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻴﻦ ﺑﺤﻖ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ»، في قبولٍ ضمني لـ«غزوة باريس». وأضاف: «ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺑﻠﺪ ﺍﻟﺘﺤﺮﺭ ﺣﺘﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﺜﻴﺎﺏ، ﻟﻜﻦ ﺣﺮﻳﺘﻬﺎ ﺗﺴﺘﺜﻨﻲ ﺣﺠﺎﺏ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﺎﺕ... ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺑﻠﺪ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ، ﻟﺬﻟﻚ ﺍﺣﺘﻠﺖ ﺍﻟﺠﺰﺍﺋﺮ ﻭﻣﻨﻌﺖ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻭﺃﺑﺎﺩﺕ ﻣﻠﻴﻮناً ﻭﻧﺼﻒ ﻤﻠﻴﻮﻥ ﻣﺴﻠﻢ».
التضامن «القاعدي» الصريح، جاء على لسان أمير «ﺟﻴﺶ ﺍﻷﻣﺔ» ﻓﻲ ﻗﻄﺎﻉ ﻏﺰﺓ، «ﺃﺑﻮ ﺣﻔﺺ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﻲ»، والمبايع لتنظيم «القاعدة»، الذي رأى أن «ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﺘﺒﺎﻛﻰ ﻋﻠﻰ ﻗﺘﻠﻰ ﺑﺎﺭﻳﺲ ﻭﻻ ﺑﻮﺍﻛﻲ ﻟﻘﺘﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺎﻡ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﺑﻼﺩ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ». وعاد ليهاجم «الغرب»، ويتضامن مع «انغماسيي (انتحاريي) داعش»، قائلاً: «ﻓﻠﺘﺘﺴﻊ ﺻﺪﻭﺭﻛﻢ، ﻓﺪﻣﺎﺅﻛﻢ ﻟﻴﺴﺖ ﺃﻏﻠﻰ ﻣﻦ ﺩﻣﺎﺀ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻔﻜﻮﻧﻬﺎ في سوريا، العراق... ﻓﻌﻠﻰ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﺍﻷﻭﺭﻭﺑﻴﺔ، والأميركية، ﻭﺍﻟﺮﻭﺳﻴﺔ، ﻭﺍﻟﺼﻴﻨﻴﺔ ﺃﻥ ﺗﺘﻌﻆ ﻣﻦ ﻫﺠﻤﺎﺕ ﺑﺎﺭﻳﺲ».
وفي مقابل كل «التضامن الضمني أو الصريح مع داعش»، غرّد المنظّر «القاعدي»، ﻫﺎﻧﻲ ﺍﻟﺴﺒﺎﻋﻲ، خارج سرب «القاعديين»، مؤكداً أن «ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻺﺳﻼﻡ ﺑﻘﺘﻞ ﺍﻻﺳﺘﻌﺮﺍﺽ ﻭﺍﻟﺘﻤﺤﻚ ﺑﺎﻟﺠﻬﺎﺩ، ﻭﺍﻹﺳﻼﻡ ﺑﺮﺍﺀ ﻣﻦ ﻗﺘﻞ ﺧﺒﻂ ﻋﺸﻮﺍﺀ، فهذا ﻋﺒﺚ ﻭﺗﺸﻮﻳﻪ ﻟﻠﺠﻬﺎﺩ».