تمّ تجاوز الخلاف، في نهاية المطاف، في شأن إشراك إيران في مؤتمر جنيف، الخاص بالأزمة السورية. مع التشديد على تعبير «تجاوز»، بمعنى انه لم يخضع لأي تسوية بين موسكو وواشنطن. فقد وقف كل طرف حيال هذه القضية عند رأيه بثبات. ويروي دبلوماسي عربي جوانب من الوقائع، التي جرت في الكواليس الدولية خلال الاسبوعين الماضيين، المتصلة بمسألة البحث عن حلّ لمسألة إشراك ايران في مؤمر جنيف، وسط تضارب موقفي واشنطن المعارض بجزم لإشراكها، وموقف موسكو الداعي بحماسة إلى حضورها. لقد تمسكت واشنطن برفض حضور طهران مؤتمر جنيف، وقدمت تبريرها لذلك، بالقول إن اشراكها فيه سيعدّ بمثابة مكافأة لها على دورها الميداني المؤيد للنظام السوري ضد المعارضة. بالمقابل، ردّت موسكو بابراز أمرين اثنين على هذا الصعيد، أنّه أولاً، يجب صياغة لائحة المشاركين في مؤتمر جنيف بشكل عادل، ولذلك يجب ضم ايران. ثانياً، رأت موسكو أنّ التبرير الذي تقدمه واشنطن لعدم اشراك ايران، لا يتناسب مع طرق سابقة قامت بها دبلوماسيتها لحلّ أزمات ساخنة، «فمثلاً، عندما احتاج الاميركيون إلى توفير اجراءات أمنية إضافية لقواتهم في العراق وأفغانستان، قاموا من دون تلكؤ بالاتصال بالايرانيين، واتفقوا معهم على معالجات محددة، اثر محادثات مغلقة عقدت بين الطرفين».
وخلال الايام الاخيرة، وصل النقاش حول هذا الموضوع إلى ذروته، سواء في كواليس مجلس الأمن، أو عبر اتصالات مكوكية بين عواصم فاعلة، أدارها المبعوث الدولي إلى سوريا كوفي انان. وبنتيجته، أعلنت واشنطن موقفها النهائي والحاسم، ومفاده «بأنه في حال حضرت إيران مؤتمر جنيف، فإنها لن تشارك في المؤتمر».
وبالمقابل، صاغت موسكو موقفها النهائي، وهو أن عقد المؤتمر من دون ايران سيجعلها تبحث خلاله عن آليات العمل الفعالة لحل الأزمة السورية، وليس عن جوهر مقتضيات التوصل الى حل. ويعتبر توجّه روسيا هذا، لخفض مستوى عمق الحوار داخل المؤتمر، بمثابة موقف عملي منها يحفظ لإيران دورها في مساعي الحلّ الجدي للأزمة السورية، عبر إظهار أن لغيابها أثراً سلبياً وضاراً لفرص التوصل إلى خريطة اهداف عملية نحو الحل.
وعلى خط آخر، لا يزال أنان يحاول جسر الهوة الاميركية ــ الروسية حول مسألة إشراك ايران في مؤتمر جنيف، وتأمين إخراج له يحول دون أن يؤثر هذا الخلاف على نوعية ونتائج اجتماع جنيف وجدية النقاش فيه. ومن الصيغ التي ارتآها انان لانجاز هدفه، اعلانه، يوم أمس، الالتزام باطلاع ايران على نتائج مؤتمر جنيف لضمان استمرار جهودها في المساعي المستقبلية الهادفة لإنتاج تسوية للازمة السورية. والمقصود بهذا الاعلان تقديم اعتراف دولي، بلسان أنان، بأن الدور الإيراني في الجهد الدولي محفوظ.
ولم يصدر عن موسكو ما يوحي بأنهم سيكتفون بالتعويض الذي قدمه انان لتجاوز عقدة تمثيل ايران. لكن موسكو، بحسب الدبلوماسي عينه، حددت منذ الآن رؤيتها لعناوين جدول أعمال المؤتمر:
أولاً: موضوع عدم التدخل الخارجي. ثانياً: النقاش حول فكرة جعل السوريين يجلسون حول طاولة حوار. ثالثاً: الإقرار بعدم جدوى الوصول الى أي اتفاقية بخصوص حل الأزمة السورية بمعزل عن السوريين انفسهم.
ويكشف الدبلوماسي العربي، أن العناوين الثلاثة توضّح أن موسكو لن تسمح بتظهير اتفاق تفصيلي لحلّ الأزمة في مؤتمر جنيف، طالما أن الطرف المعني بها (أي الدولة السورية) ليست موجودة فيه.
ومقابل ذلك، يطرح الأميركيون أن يكون للمؤتمر بند واحد فقط، وهو البحث في تفاصيل عملية انتقال السلطة في سوريا. لكن الدبلوماسي، عينه، يتساءل هل واشنطن تسير فعلاً باتجاه جعل مؤتمر جنيف محكوماً بنقاش هذا البند لا غير؟ ويجيب، أنه بالاستناد الى مسارات النقاشات الدولية التي جرت مؤخراً على أعلى المستويات بين مسؤولي دول القرار، فإنه يتّضح التالي: في المدى المنظور، أقله حتى اجراء الانتخابات الرئاسية الاميركية، يظل اللقاء، الذي جرى في المكسيك بين الرئيسين الاميركي والروسي، هو سقف النقاش الدولي حول الازمة السورية، وكل ما يتفاعل حوله هو نوع من شراء وقت، وبأحسن الأحوال هو نوع من جسّ نبض امكانية إنشاء أفكار جديدة للحلّ.
ولقد توفرت مؤخراً وقائع جديدة عن لقاء بوتين ــ أوباما، يمكن تلخيصها من حيث الشكل والمضمون، بالوقائع التالية:
- ثلاثون بالمئة من وقت اللقاء استهلكه الموضوع السوري، علماً أن الاجتماع استمر لساعتين، متجاوزاً الوقت المحدد له مسبقاً، وهو ساعة و15 دقيقة.
- شرح بوتين، خلال اللقاء، رؤيته للاحداث في سوريا ولدور بلده فيها. وكان دبلوماسي في الخارجية الروسية قد لخصها على النحو التالي: تعتبر موسكو أن موقفها من الأزمة السورية عادل وشفاف، فما يحدث في ذلك البلد سيؤثر على النظام الدولي الجديد، لأنه يعبّر عن أزمة جيو - سياسية جدية، ومن الضروري حلها بشكل مرن. وتتوجس روسيا من أن نهج الغرب المسهل لمجيء متطرفين إسلاميين الى السلطة في المنطقة، سيقضي في حال تطبيقه على سوريا، على التعددية في هذا البلد.
- شدد بوتين، خلال اللقاء، على أنه يجب على اللاعبين من الخارج فوق المسرح السوري، أن يعملوا بجدية مع القوى السورية المتصارعة لجعلها تجلس جميعها على طاولة المفاوضات، لكي تتخذ هي بنفسها القرار حول شكل النظام القادم. - لم يتم خلال اللقاء استعراض خطة محددة وواضحة لتسوية شاملة للوضع السوري، بل طرح بوتين اقتراحاً لقيَ «اهتماماً» من أوباما، مفاده ضرورة «تعزيز العمل المشترك مع الرئيس الاسد ومع المعارضة» لإنضاج حل مقبول. كذلك خرج اللقاء بانطباع آخر مشترك، وهو أنّ مجلس الامن لن يصادق على تدخل خارجي، وأنّه ليس جائزاً فرض التغيير على السوريين من الخارج. وبحسب الدبلوماسي عينه، فإنه بعد اللقاء، أطلعت موسكو النظام السوري على نتائجه، وخلال جلسات تقويم روسية ــ سورية مشتركة له، وجد الطرفان أن «اهتمام» أوباما باقتراح بوتين بتعزيز العمل المشترك مع الاسد والمعارضة، يفتح كوة في الجدار الدولي الموصد. وبدا أن المداولات الروسية ــ السورية الاخيرة، بخصوص «تعزيز التعاون الروسي ــ الأميركي المشترك مع الاسد والمعارضة»، خلصت الى عدم وضع موانع بوجه امكانية أن يضطلع فاروق الشرع، أو غيره، مفوضاً من الحكومة السورية، بإجراء اتصالات من أي نوع مع المعارضة. وبرأي المصدر ذاته، فإن إدانة أوباما للهجوم الذي نفذته المعارضة ضد «الإخبارية السورية»، أول من أمس، يعطي تلميحاً يترجم ما يمكن تسميته بالروحية الجديدة للموقف الأميركية تجاه الأزمة السورية، بعد قمة الرئيسين الأميركي والروسي في المكسيك، مع التشديد على أن هذه القمة لم تخرج بنتائج، بل بروحية عبّر عنها «مفهوم التعاون المشترك» بين واشنطن وموسكو.
ضمن هذا السياق، ليس منتظراً أن يكون لقاء جنيف أكثر من محطة، تمهّد الطريق لاجتماع، في موسكو، سيكون استتباعاً للقاء المكسيك، تحضّر روسيا لأن تدعو اليه، في أوائل شهر آب المقبل، جميع أطراف الأزمة السورية والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، بالاضافة الى دول الجوار لسوريا. وينتظر انضاج الدعوة لهذا المؤتمر مدى حقيقة التزام أوباما بمفهوم روحية العمل المشترك مع الرئيس الاسد والمعارضة لحلّ الأزمة، فوق طاولة حوار سورية من دون شروط مسبقة.