إذا كان جمهوريو الولايات المتّحدة يتخبطون في كيفية حفظ ماء الوجه للخروج من الخيارات العبثية التي أوقعوا البلاد فيها عبر حجب الموازنة وتعطيل الحكومة، يزدهر محافظو بريطانيا حالياً في ظل إشارات التحسن الاقتصادي التي تسجلها البلاد. ففيما كان الرئيس باراك أوباما يستعد للقاء قادة الكونغرس لبحث الحلول الممكنة، حدد رئيس الوزراء دايفيد كاميرون في مؤتمر حزب المحافظين، الخطوط العريضة لمشروع يأمل أن يحقق له الشعبية اللازمة لتسجيل انتصار جديد في الانتخابات المقبلة. يقول كاميرون إن رؤيته تقضي بتحويل المملكة المتحدة إلى «أرض الفرص» (وبالتالي سرقة الصفة التي لطالما لازمت الولايات المتحدة)، معتمداً على رافعتين. الأولى تتمثل في حماية ودعم حرية الشركات الكبيرة في ظلّ الانتقادات الكثيفة التي تتعرض لها؛ يريد القول إن الشركات ليست العدو وبالتالي عليها القدوم إلى بريطانيا للاستفادة من خيراتها. الثانية، هي سياسة إصلاح النظام التعليمي عبر ما يُسمّيه «سلالم الفرص» لكل طفل ورعاية اجتماعية لمساعدة العاطلين من العمل على النهوض والانطلاق. وإذا كانت بريطانيا في هذه اللحظة تسرق بريقاً من الولايات المتّحدة التي تعيش إحدى أصعب اللحظات في نظامها السياسي منذ وقت طويل، لا يُمكن إجمالاً الحديث عن أزمة اميركية من دون الالتفات مباشرة إلى الضفة الأخرى من الأطلسي لرصد صداها الأوروبي. خلال الأزمة المالية عام 2008، بدا أن بنوك الولايات المتحدة واقتصادها هي المتضرر الأكبر، ولكن تدريجاً اتضح أن تأثير الركود كان أكثر دماراً على القارة العجوز، حيث تعاني اليوم بعض البلدان معدلات بطالة تفوق 50% في أوساط الشباب. اليوم، في ظلّ الشلل الحكومي الأميركي، تتصاعد التحذيرات على لسان رئيس البنك المركزي الأوروبي، ماريو دراغي. برأيه إنّ الشلل الذي تعيشه الحكومة الأميركية منذ يومين «سيشكل خطراً على الولايات المتّحدة وعلى العالم إذا ما استمر».
صحيح أن هذا المصرفي يعرب عن استبعاده استفحال الأزمة الأميركية وعدم التوصل إلى اتفاق لرفع سقف الدين العام بحلول منتصف الشهر الحالي، إلا أنها هناك إشارات قلق حقيقية في أوروبا التي لم تخرج فعلياً من الركود. ووفقاً لما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية عن وزير الاقتصاد الفرنسي، بيار موسكوفيسي، فإنّ الأزمة الأميركية يُمكن أن «تكبح الانتعاش الحالي». أما الحكومة الفرنسية مجتمعة، فقد أشارت إلى «الخسارة التي تتكبدها يومياً (الولايات المتّحدة) من جراء التعثر»، وبالتالي يجب توقع «عواقب على شركائها».