ما من تسوية للبرنامج النووي الايراني. الحديث عن تسوية او اتفاق، لا يتساوق مع الواقع. وأكثر ما يمكن للطرفين، الاميركي والايراني، ان يتوصلا اليه، في حال التوصل الى شيء، هو تفاهم ما يرتكز على اقرار اميركي، وتبعا له دولي، بما توصلت اليه ايران نوويا. والاقرار بالقدرة النووية الايرانية دفعت ثمنه طهران بالكامل، بعد صمودها في وجه العقوبات القاسية طويلا، وبعدما تعذر على الغرب اللجوء الى الخيارات العسكرية.
ولا يمكن، بداهة، ان يُردّ كل التحول الظاهر في مقاربة الغرب لبرنامج طهران النووي، لخطاب وابتسامة الرئيس الايراني، الشيخ حسن روحاني، رغم اهميته القصوى في هذه المرحلة. فالنتيجة التي انتزعتها طهران من الغرب، لا ترتبط بنتائج الانتخابات الرئاسية الاخيرة في ايران، بل هي نتيجة الصمود والصبر والتمسك بالثوابت طوال العقود الماضية، وتحديدا في العقد الاخير. وما يمكن تسميته «الانتصار الايراني»، وقع بالفعل قبل الانتخابات الرئاسية في ايران، وهو مسار طويل استغرق سنوات. اما الخطاب الايراني الجديد، البعيد عن التشنج، فكان هو من جهة السُلّم الذي مكَّن الغرب، والولايات المتحدة تحديدا، من النزول عن الشجرة العالية جدا التي تسلقاها، ومن جهة اخرى، فتح الباب امام امكان تقديم ضمانات ما، تطمئن الغرب حول المدى الذي ستبلغه ايران في مسارها النووي، بعدما باتت من الناحية التقنية قادرة على انتاج اسلحة نووية.. بطبيعة الحال، احد اهم الاسباب التي اوصلت ايران الى ما وصلت اليه من اقرار غربي بحقوقها النووية، يعود الى اسلوب ومضمون وطريقة اداء الرئيس الايراني السابق، محمود احمدي نجاد، والفريق المفاوض تحت ادارته، خلال السنوات الماضية. وسواء احب البعض ذلك ام لا، وسواء اراد نجاد ذلك ام لا، الا انه ساهم في تحقيق النتيجة وما آل اليه الواقع، لكن خطابه واسلوبه التفاوضي استنفدا نفسيهما بالفعل، بعدما وصل الى اقصى ما يمكن ان يصل اليه، وإن كان ملائما للمرحلة السابقة، مرحلة الكباش وعض الاصابع والاصرار والتهديدات، لكنه غير ملائم للمرحلة الحالية، مرحلة التفاوض الفعلي، ومرحلة قطف طهران ثمار جهودها وصبرها واصرارها.
اهم النتائج التي توصلت اليها ايران في مرحلة ما قبل التفاوض على برنامجها النووي، هي تفكيك المطالب الغربية، بل وربما، إنهاؤها. وهذا ما اتضح جليا في مضمون الكلمة التي القاها اخيرا الرئيس الاميركي، باراك اوباما. استطاعت طهران ان تفرض على الغرب الابتعاد عن مطالبه التقليدية، التي تمس بنظام الجمهورية الاسلامية وبثوابته، واقتصار المقاربة على برنامجها النووي، الذي بدوره فرضت وقائع فيه لا يمكن التراجع عنها، بل لا جدوى من المطالبة بالتراجع عنها.
استطاع البرنامج النووي الايراني ان يحقق النتيجة، حتى من دون امتلاك ايران القدرة النووية العسكرية، في الدفاع عن نظام الجمهورية الاسلامية. فرملة هذا البرنامج، طوعا وعلى حدود العتبة العسكرية، امن خطا دفاعيا حقيقيا، ودفع الغرب إلى تبني موقف مغاير، بعيدا عن مطالبه التقليدية وشروطه الهادفة الى اسقاط النظام. بالعودة قليلا الى الوراء، والى المطالب الغربية لما قيل إنها شروط للتسوية مع ايران، يتبين ان توجهات الغرب كانت ترتكز الى ثلاثة مطالب، استطاع النجاح الايراني نوويا، ان يبعدها عن التداول: حقوق الانسان، والارهاب، والموقف من اسرائيل. ثلاثة مطالب ـــ شروط، كانت عناوين لمطالب اوسع، ترتبط بوجود النظام الاسلامي في ايران، وكانت كفيلة بانهائه. اما ترجمة المطالب الثلاثة، فكانت على التوالي: ملف حقوق الانسان الذي قصد منه تغيير القوانين في ايران وتجريد النظام من صفاته وكينونته؛ ملف الارهاب، الذي يقصد منه قطع ايران لحلفها ولاتصالها ومساعداتها للمقاومة في فلسطين وفي لبنان؛ اما الموقف من اسرائيل، فكان يقصد به ان تقر طهران بحق دولة الاحتلال في الوجود، بل وايضا التسوية معها. ثلاثة شروط غابت عن السمع، حتى ما قبل التفاهم حول البرنامج النووي. وهو ما يُمكّن من القول إن ايران قد انتصرت، مع تجميد الاعلان عن انتصارها، الى ما بعد الاعلان عن التفاهم.