بانتخاب ممنون حسين رئيساً، يمكن الحديث عن دولة عميقة جديدة باتت في طور التشكّل في باكستان، البلد الواقع في جنوب آسيا، حيث تؤول الرئاسات الثلات الى حزب الرابطة الإسلامية ــ جناح نواز شريف (رئيس الحكومة)، بينما تبقى الكرة في ملعب الأخير للسيطرة على الوضع في إقليم وزيرستان المحاذي لأفغانستان، مع قدرته على اختراق الجيش بالضباط الإسلاميين الذين يرتبطون بشريف بعلاقات وطيدة، في بلد شهد ثلاثة انقلابات عسكرية منذ انفصاله عن الهند عام 1947.
فبعد خروج حزب الشعب الباكستاني الذي يتزعمه الرئيس الحالي آصف علي زرداري من المشهد لتراجعه في انتخابات أيار الماضي أمام حزب الرابطة الاسلامية، والذي تنتهي مدة رئاسته في أيلول المقبل، أصبح نواز شريف أكثر نفوذاً وسيطرة على مفاصل البلاد.
وكونه شغل منصب رئيس وزراء باكستان لولايتين غير متتاليتين، (1990ــ1993) و (1997ــ1999)، تمكن شريف من تشكيل ركيزة شعبية مهمة في صفوف المواطنين والجيش والقضاء، خصوصاً أنه ابن اقليم البنجاب الذي يستوعب أكثر من نصف سكان باكستان، وحيث تسود الحركات الإسلامية بشكل كبير، لهذا استطاع حزبه الذي يحمل عنواناً إسلامياً العودة بقوة الى البرلمان في انتخابات أيار 2013، ما مكّن الرجل من تشكيل حكومة في 4 حزيران الماضي، بعد أن نال 244 صوتاً في البرلمان.
فالحديث عن الرئيس الثاني عشر لباكستان ممنون حسين (73 عاماً) لا يمكن فصله عن دور شريف (64 عاماً) الذي أزاح زعيم حزب الشعب العريق، زرداري، زوج رئيسة الوزراء بنازير بوتو (اغتيلت في كانون الأول 2007)، بعدما انتشرت أخبار فساده الى حدّ وصفه في الصحافة بـ«السيد 10%». لكن المهم في الأمر أن حكومة زرداري هذه هي أول حكومة مدنية باكستانية تكمل فترة ولاية كاملة وتسلم إلى أخرى في صناديق الاقتراع.
أما حسين، فهو من إقليم السند، حيث العاصمة الاقتصادية للبلاد، كراتشي. جمع ثروته من عمله في قطاع النسيج، وتولى فترة وجيزة منصب حاكم إقليم السند الجنوبي في 1999، وشغل سابقاً منصب رئيس غرفة التجارة والصناعة في كراتشي.
انتُخب أمس رئيساً لباكستان في تصويت لأعضاء مجلس النواب وأعضاء مجالس الولايات الأربع (بلوشستان وخیبر والبنجاب والسند). وتقدم مرشح الرابطة الإسلامية من دون صعوبة على خصمه الوحيد في الاقتراع، قاضي المحكمة العليا المتقاعد وجيه الدين أحمد، الذي رشحه حزب حركة العدل (ثالث أكبر حزب في البرلمان). هذا الحزب يقوده لاعب الكريكت السابق عمران خان الذي تحوّل من رياضي الى سياسي. وبذلك تولى ممنون الرئاسة خلفاً لزرداري، صهر عائلة بوتو العريقة في حكم البلاد، والذي تنتهي ولايته الرئاسية في الثامن من أيلول. واللافت أن المحكمة العليا كانت قد قدّمت إلى 30 تموز موعد هذه الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في السادس من آب، الأمر الذي دفع حزب الشعب الى مقاطعتها. وبناءً على قرار المقاطعة هذا، سحب مرشّح حزب الشعب النافذ، عضو مجلس الشيوخ، رضا رباني، ترشيحه للانتخابات الرئاسية.
المراقبون وصفوا حسين بأنه من المقرّبين من شريف، وتوقّعوا أن يكون خير سند له في تعزيز نفوذ الحكومة وإقامة التوازن بين سلطة العسكر والمؤسسات السياسية.
ومعروف عن الرئيس الجديد أنه من أشد معارضي سياسات زرداري، وهو كان قبل ترشّحه للرئاسة أحد أهم اللاعبين السياسيين في كواليس المشهد.
وعشية الانتخابات، قال حسين أمام اجتماع لحزب الرابطة الاسلامية في العاصمة الباكستانية إسلام اباد، إن مقعد الرئاسة رمزٌ لفدرالية باكستان. وتعهد بخدمة البلاد وشعبها.
وصفه الرئيس الحالي لغرفة التجارة والصناعة في كراتشي، أزهر هارون، بأنه «لم يكن لديه انتماء سياسي حتى 1999، لكن حديثه المهذب وقدراته الاحترافية تركت انطباعاً لدى نواز شريف الذي عيّنه حاكماً للسند».
ويقول أنصار حسين إن انتخابه يمكن أن يحمل أهمية في الداخل بإعطاء الجنوب اهتماماً ما في الادارة الفدرالية التي تسيطر عليها البنجاب.
ورغم أن التعديلات الدستورية التي أقرّتها الحكومة الأخيرة لحزب الشعب الباكستاني تعني أن مقعد الرئاسة يصبح مرة أخرى مركزاً فخرياً، قد يغيّر احتلال حسين لهذا المركز الى جانب حليفه وزميله في حزب الرابطة شريف ورئيس مجلس النواب سردار اباز صادق، السياسة الداخلية والخارجية لإسلام آباد. ففي ظل هذه التطورات في كنف الدولة النووية الإسلامية، أصبح شريف الذي يلقبه أنصاره بـ«أسد البنجاب» مُطلق اليد في البلاد، لديه دعم رئيسي من الوسط حيث تتمركز القوى الاسلامية في إقليم البنجاب، والتي يحتاج إليها لتعزيز موقفه مع العدو التاريخي الهند، خصوصاً أن للإسلاميين في البنجاب نفوذاً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً كبيراً. كذلك يحتاج شريف في المرحلة المقبلة الى إعادة نسج علاقات سوية مع طالبان باكستان وضبط الوضع في منطقة وزيرستان (شمال غرب) تمهيداً لعودة نفوذ باكستان الى أفغانستان. لذلك كان واضحاً منذ تسلمه رئاسة الحكومة في نيته التفاوض مع هذه الحركة المتشددة التي صنعتها في الأساس الاستخبارات الباكستانية.
وتركيز السلطة بيد شريف لا يعني امتيازات ممنوحة له فحسب، بل سيتمكن من إجراء الإصلاحات التي تحتاج إليها بلاده على المستوى الاقتصادي، ومحاربة الفساد المُستشري في دوائر الدولة، وقد ينجح في تشكيل الدولة العميقة الأقرب إلى توجهات حزبه في فترة قياسية، ليصبح «أسد باكستان» بمجملها.



اقتحام سجن وإطلاق مئات النزلاء

اقتحم مقاتلون من طالبان متخفّين في زي الشرطة ومسلحين بقنابل وقذائف صاروخية سجناً في باكستان، وأطلقوا سراح 250 سجيناً، في هجوم وقع أول من أمس على السجن المركزي الذي يخضع لحراسة مشددة في مدينة ديرا إسماعيل خان، رغم تقارير عن أن مسؤولين محليين تلقّوا معلومات استخبارية قبل 14 يوماً تشير الى أن مثل هذ الهجوم وشيك.
وقالت طالبان الباكستانية إنها أرسلت فريقاً من 100 مقاتل وسبعة مهاجمين انتحاريين في مهمة للإفراج عن بعض كبار زعمائها، مضيفة أنهم أفرجوا عن 250 سجيناً، وهو عدد يساوي تقريباً العدد الذي تحدثت عنه السلطات الباكستانية المحلية.
واستمر القتال حتى الساعات الأولى من صباح أمس، حيث دوّت أصوات الانفجارات ونيران الأسلحة الآلية في المدينة التي تقع في إقليم خيبر بختون خوا، المتاخم لأفغانستان.
(رويترز)