خطوة أولى على طريق تجنيب أوكرانيا حرباً أوروبية جرت أمس برعاية أوروبية، كان من أبرز نتائجها تصويت البرلمان على العودة إلى دستور عام 2004 مع انتخابات رئاسية مبكرة وإطلاق رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو. صيغة للحكم تحدّ من سلطات الرئيس وتمنح البرلمان الحق في تعيين وزراء رئيسيين في الحكومة وتلغي مادة في قانون العقوبات.
ويأتي تصويت البرلمان هذا بعد ساعات على التوقيع على اتفاق بين الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، وممثلين عن المعارضة الأوكرانية بعد أزمة سياسية حادة استمرت ثلاثة أشهر.
وهذا الحل المفاجئ للأزمة تم عرضه على البرلمان الأوكراني الذي أقره بأكثرية 310 أصوات من أصل 450. كما يتعين التوقيع على هذا الإجراء المتعلق بيوليا تيموشنكو من جانب الرئيس يانوكوفيتش ليصبح سارياً.
وكان حكم على رئيسة الوزراء السابقة تيموشنكو بالسجن سبع سنوات عام 2011 بعد إدانتها بسوء استخدام السلطة إثر وصول يانوكوفيتش، خصمها السياسي الرئيسي، الى السلطة.
وبعدما شكلت رمزاً للثورة البرتقالية المؤيدة للغرب في عام 2004، خسرت تيموشنكو أمام يانوكوفيتش في الانتخابات الرئاسية لعام 2010. وأثار اعتقالها الذي وصفته المعارضة بـ«الثأر السياسي»، أزمة خطيرة بين كييف والاتحاد الأوروبي، وشكل إطلاق سراحها شرطاً أساسياً للتوقيع على اتفاق شراكة.
ووافقت المعارضة الأوكرانية أمس على اتفاق لإنهاء الأزمة، التي تهز البلاد، بعد مفاوضات ماراثونية بين يانوكوفيتش وزعماء المعارضة برعاية مبعوثين من الاتحاد الأوروبي.
وقال زعيم المعارضة أوليه تيانيبوك، «تقررت المصادقة على قرار التوقيع على الاتفاق مع الرئيس بشرط أن لا يكون وزير الداخلية الحالي في الحكومة المقبلة، واستبدال النائب العام»، حسبما نقلت عنه وكالة «أنترفاكس» للأنباء.
بدوره، أعلن الرئيس الأوكراني، على الموقع الرسمي للرئاسة الأوكرانية: أنه «كان من الضروري اتخاذ عدد من الخطوات من أجل إرساء الاستقرار في البلاد وإيقاف نزف الدماء. وفي هذا الإطار سيتم إجراء انتخابات مبكرة وإعادة العمل بدستور عام 2004».
وأشار يانوكوفيتش إلى وقوع خسائر بين الطرفين؛ في الاشتباكات التي حدثت بين قوات الأمن والمتظاهرين المعارضين، ودعا إلى الانطلاق من المصالحة الوطنية للبدء بتشكيل حكومة جديدة.
ورحّب البيت الأبيض بالتوقيع على اتفاق بين السلطة والمعارضة في أوكرانيا لإخراج البلاد من أزمتها، معرباً عن أمله أن يتم تطبيقه فوراً.
ورأى المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني أن هذا الاتفاق الرامي الى إنهاء أعمال العنف التي حصدت عشرات القتلى هذا الأسبوع في كييف، «ينسجم مع ما كنا نطالب به، أي وقف تصعيد العنف، وإجراء تغييرات دستورية وتشكيل حكومة ائتلافية وإقامة انتخابات مبكرة».
وتابع كارني «ندعم جهود جميع الذين فاوضوا على هذا الاتفاق ونشيد بشجاعة قادة المعارضة الذين أقروا بضرورة القيام بتنازلات»، مشيراً الى أن واشنطن ستراقب «عن كثب» تطبيق الاتفاق.
وشدد كارني على «وجوب محاسبة المسؤولين عن أعمال العنف والضحايا منذ اندلاع الأزمة»، مضيفاً «لا نزال مستعدين لفرض عقوبات إضافية إذا لزم الأمر».
أما وزارة الخارجية الروسية فأفادت بأن لافروف، حث الاتحاد الأوروبي على إدانة «المتشددين» المسؤولين عن العنف. وأعلنت الخارجية الروسية أنه تم التوقيع على الاتفاق إثر «وساطة قام بها دبلوماسيون ألمان وبولنديون وفرنسيون»، مضيفة إن عدم توقيع الموفد الروسي على الاتفاق «لا يعني أن روسيا لا ترغب في التسوية».
كما أعلن بيان لوزارة الخارجية الروسية أن موسكو لم توقع على الاتفاق، الا أن هذا لا يعني أنها لا تدعم هذه التسوية.
وأوضح رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي هرمان فان رومبي، في بيان، أن توقيع الاتفاق يُعتبر فرصة لا تعوض لإخراج البلاد من الأزمة بحل ديموقراطي وسلمي (عبر الحوار السياسي) بعد معاناة الطرفين من الخسائر في الأرواح.
وقالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون، إن مستقبل أوكرانيا ينطوي على تحديات كبيرة ويتوقف على كيفية تطبيق الاتفاق لتسوية الأزمة السياسية. وقالت للصحافيين في لندن «التنفيذ سيكون أمراً مهماً وينطوي على تحديات كبيرة». وأضافت إنها تحدثت مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، واتفقا على ضرورة توقف العنف في أوكرانيا.
من ناحيته، حمّل الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، أمس، السلطات الأوكرانية مسؤولية العنف في البلاد، مؤكداً أنه يجب «السماح للشعب بأن يقول كلمته».
وعلى صعيد متصل، أفاد بيان نُشر على الموقع الإلكتروني لوزارة الداخلية الأوكرانية (بإطلاق سراح رجال الأمن الذين قام بعض المتظاهرين باحتجازهم) في ميدان الاستقلال في العاصمة كييف، كرهائن أمس. وقال البيان: «إن رجال الأمن الذين أطلق سراحهم بحالة صحية جيدة».
وقال بيان نُشر على موقع الخارجية «إن مجموعات متطرفة احتجزت 67 من رجال الأمن كرهائن».
في الوقت نفسه، اندلعت أعمال العنف مجدداً في العاصمة الأوكرانية أمس، حيث قالت الشرطة إن «متشددين» مناهضين للحكومة أطلقوا النار على قوات الأمن بالقرب من ميدان الاستقلال وسط كييف، الذي يشهد احتجاجاً منذ ثلاثة أشهر. وقالت الشرطة في بيان إن «المشاركين في اضطرابات حاشدة فتحوا النار على ضباط الشرطة وحاولوا الاندفاع في اتجاه مبنى البرلمان».
وقال زعيم أحد أحزاب المعارضة، آرسيني ياتسينيوك، إن قوات الشرطة المسلحة دخلت مبنى البرلمان بينما كان النواب يعقدون جلسة طارئة، لكن تم إجبارها على الخروج. وطالب ياتسينيوك سلطات بلاده بالإفراج فوراً عن رئيسة الوزراء السابقة، يوليا تيموشينكو، وعدم معاقبة المتظاهرين واعتقالهم، مشدداً في حديث أمام البرلمان، على ضرورة معاقبة المسؤولين الذين أمروا بإطلاق النار على المتظاهرين، والعودة إلى العمل بدستور عام 2004، من أجل تحقيق الاستقرار.
في المقابل، أوضحت وزارة الداخلية أن قوات الأمن أطلقت النار على متظاهرين «أخلّوا باتفاقية» وقف إطلاق النار، فيما وصل 50 شرطياً برفقة وزير الداخلية السابق، يوري لوتسينكو، إلى ساحة الاستقلال، للانضمام إلى المتظاهرين المناهضين للحكومة، آتين من مدينة «لفيف» غرب أوكرانيا.
وقال لوتسينكو، خلال كلمة ألقاها أمام حشود المتظاهرين في ساحة الاستقلال، إنه «كان يتحرق شوقاً من أجل الالتحام بجماهير الشعب، إلا أن الظروف لم تكن مؤاتية في الأيام السابقة»، مشيراً الى أن قدومه إلى العاصمة جاء من أجل مواصلة «مسيرة النضال جنباً إلى جنب مع الشعب».
من ناحيته، أشار رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الأقاليم الحاكم في البرلمان الأوكراني، أوليكساندر يفرموف، في لقاء مع وكالة أنباء «انترفاكس»، الى أن الاتفاقية التي توصلت إليها قوى المعارضة مع الرئيس تضمنت إجراء تعديلات دستورية في شهر أيلول، وانتخابات رئاسية في كانون الأول.
ولفت رئيس البرلمان الأوكراني، فولودمير ريباك، إلى أنه صادق على القانون الذي يتيح لقوات الأمن التعامل مع المتظاهرين كالتعامل مع الإرهابيين، بعدما فقد 75 شخصاً حياتهم، وجرح مئات من المتظاهرين.
(أ ف ب، رويترز، الأناضول)