موسكو | لم تنل الاحتجاجات المتواصلة في العاصمة الأرمينية، يريفان، على رفع تعريفة الطاقة الكهربائية، اهتماماً كافياً في وسائل الإعلام العالمية، ولا سيما أن عدد سكان هذه الدولة غير الغنية لا يتجاوز ثلاثة ملايين نسمة، وأن هذه الاحتجاجات أتت في الوقت الذي تركز فيه الاهتمام على ما يجري في اليونان.وقد بدأت هذه الاحتجاجات في 19 حزيران الماضي، عندما طلبت شركة «شبكات الطاقة الأرمينية» من الحكومة رفع تعريفة الكهرباء ــ التي تبلغ في المتوسط ما يعادل 50 دولاراً ــ بنسبة 40.8%، في حين أن متوسط الرواتب يتراوح بين 200 و300 دولار.

وبرّرت الشركة طلبها بخسائر تكبدتها، ودفعتها إلى استدانة 250 مليون دولار من المصارف المحلية في أرمينيا.
في البداية، رفضت السلطات ذلك، مؤكدة أن الشركة كانت تدفع للموردين الروس أكثر من اللازم، أي أنها اتهمتها بالفساد، ثم وافقت في 17 حزيران على زيادة بنسبة 16%.
يجب القول إن رأسمال «شبكات الطاقة الأرمينية» روسي بالكامل، وتملكها شركة الطاقة الروسية «إنتر راو يه إس»، التي يرأس مجلس إدارتها إيغور سيتشين، صديق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
«ميدان» كييف بدأ بالطريقة نفسها: تذمر هادئ وتجمعات وجوقات غناء

هذا الأمر دفع نشطاء على موقع «فايسبوك»، بعد يومين، إلى تنظيم إضراب صغير تمثّل في الجلوس في وسط يريفان، ثم أخذ عدد المحتجين يرتفع بوتيرة كبيرة. بعد ذلك، عندما فضّت الشرطة الاعتصام في 23 من الشهر نفسه، بمدافع المياه والهراوات واعتقلت 250 من المعتصمين، استؤنفت الاحتجاجات في اليوم التالي بتصاعد لا يصدَّق. فقد خرج في البداية 10 آلاف متظاهر إلى الشوارع، ثم وصل عددهم إلى ثلاثين ألفاً أقفلوا شارعين رئيسيين في يريفان، ما أثار قلق موسكو على حليفتها الوحيدة في جنوب القوقاز، وخصوصاً أن «ميدان» كييف كان قد بدأ بالطريقة نفسها: تذمر هادئ وتجمعات غير كبيرة وجوقات غناء، وعندما استخدمت الشرطة الأوكرانية القوة بعد فوات الأوان، تفاقمت الاحتجاجات والتهمت النيران وسط كييف. وانتهى الأمر بعد شهرين بفرار الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش إلى روسيا، رغم حصوله على قرض روسي بثلاثة مليارات دولار لدعمه.
المحلّل السياسي سيرغي ماركوف أكد أن الاضطرابات في يريفان، هي رد فعل الغرب على رفض أرمينيا في عام 2013 توقيع اتفاقية حول التجارة والشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وانضمامها بدلاً من ذلك إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
ولكن على أي حال، فإن روسيا ــ كما يقول الخبراء ــ لا تملك استراتيجية محدّدة للتعامل مع دول رابطة الدول المستقلة، رغم إنفاقها مليارات الدولارات عليها، فهي تعتمد على نخب فاسدة فيها، كما كان الأمر في أوكرانيا.
علاوة على ذلك، فقد انتشر رجال الأعمال الروس في هذه الدول، حيث اشتروا كل ما أمكن شراؤه ونقلوا الفساد المستشري من روسيا إليها. في أرمينيا، مثلاً، أصبحت شركة توريد الغاز الروسي الأرمينية ملكاً خالصاً للروس، وبالنتيجة أصبح ثمن الغاز الروسي هناك من أغلى الأثمان في رابطة الدول المستقلة.
وفي حين يعتمد بقاء الدولة الأرمينية نفسها على روسيا، فقد ساهم ذلك في امتلاك روسيا قاعدة عسكرية في مدينة غومري ثاني أكبر مدن أرمينيا، حيث يرابط نحو 3500 جندي لحمايتها من تركيا وأذربيجان.
وبالعودة إلى تعريفة الكهرباء، فقد قرّرت السلطات الأرمينية، في 27 من الشهر الماضي، تجميد أسعار الطاقة الكهربائية إلى حين فحص الأمور في «شبكات الطاقة الكهربائية». وسرعان ما غمرت الحشود مشاعر النصر وانطلقوا يهزجون ويغنون ويرقصون، ولكن لم تكد تمضي عشر دقائق، حتى تغيّر مزاجهم المرِح بسحر ساحر، وقرروا «متابعة النضال».
غير أن رجال الشرطة فككوا، منتصف نهار الاثنين، المتاريس المعدّة من حاويات القمامة في أوتوستراد «الماريشال باغراميان»، من دون أي مقاومة تذكر من قبل المحتجين، واستؤنفت حركة المرور في هذا الشارع الرئيسي، بعد منح موسكو يريفان قرضاً ميسراً بـ40 مليون دولار، لمدة عشرين عاماً، لكن بعضهم انتقل مساء إلى «شارع الحرية».
«توتر عالٍ» يخيّم على يريفان، التي تسير بخطى وئيدة على نهج كييف، وهي لا تزال تأخذ دروساً في «الثورة البرتقالية»، بانتظار بوروشينكو أرميني، يخرجه محركو الدمى من وراء المحيط في اللحظة المناسبة.