«غالباً ما يتم شحن الأسلحة والذخائر وغيرها من المعدات العسكرية عبر ميناء بلباو... لكنها كانت المرة الأولى التي كنت على وشك أنّ أشارك في نقل الأسلحة إلى دولة تنتهك حقوق الإنسان... وترتكب جرائم حرب وتقتل المدنيين الأبرياء في اليمن». هكذا شرح رجل الإطفاء الإسباني إينازيو روبلز، الشهر الماضي، سبب رفضه الإشراف على شحن 4 آلاف طن من الأسلحة والذخائر الإسبانية إلى السعودية في آذار من العام الجاري.
وفي حين يواجه فيه روبلز خطر تعليقه من عمله لمدّة أربع سنوات، ألقت قضيته الضوء على صفقات التسليح بين الرياض ومدريد، التي شهدت في السنوات الماضية ازدهاراً في تجارة الأسلحة، ولا سيما إلى الشرق الأوسط.
تشير دراسة أجراها «معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام» (SIPRI) إلى أن تجارة الأسلحة العالمية وصلت إلى أعلى مستوياتها خلال السنوات الخمس الماضية (2012-2016)، وأن واردات الأسلحة من قبل دول الشرق الأوسط ارتفعت بنسبة 86 في المئة، متوقعة ارتفاعاً أكثر في ظل استمرار العمليات العسكرية والاقتتال في سوريا والعراق واليمن، وزيادة حدّة التوتر بين دول المنطقة، ولا سيما بين السعودية وإيران.

تعدّ السعودية اليوم
ثاني أكبر زبون
للأسلحة الإسبانية

ووفق الدراسة، سجلّت السعودية بين 2012 و2016 ارتفاعاً قياسياً في وارداتها من السلاح بلغ 212 في المئة، مقارنة مع الفترة الممتدة ما بين 2007 و2011، لتصبح المملكة اليوم ثاني أكبر مستورد للأسلحة في العالم بعد الهند، ومن بعدها الإمارات في المركز الثالث. كذلك احتلت السعودية المركز الرابع عالمياً في حجم الإنفاق العسكري في 2016، بعدما كانت في المركز الثالث من حيث الإنفاق، والأول من حيث الاستيراد في 2015. ووفق بيان موازنة السعودية 2017، خصصت الرياض نحو ثلث موازنتها (76.7 مليار دولار)، للقطاعين «العسكري والأمني»، في وقت تواصل فيه عدوانها على اليمن للعام الثالث على التوالي.
ونظراً إلى كونها دولة لا تصنّع الأسلحة، تستورد الرياض أسلحتها بدرجة أولى من الولايات المتحدة (52%)، البلد الذي يبيع ثلث السلاح في العالم، تليها بريطانيا (27%)، ثمّ إسبانيا (4.2%)، البلد الذي يحتل المركز السابع عالمياً والرابع أوروبياً في سباق تصدير الأسلحة. ووفق (SIPRI)، استحوذت فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا على خُمس تجارة السلاح العالمية بين 2011 و2016، أي بعد بداية ما يعرف بـ«الربيع العربي»، في حين ارتفعت صادرات الأسلحة الإسبانية بنسبة 55 في المئة في الفترة نفسها.

صفقات «غير شرعية»

تهاجم المنظمات الحقوقية العالمية الدول التي لم تعلّق صفقات التسليح مع السعودية، وتتهمها بالتواطؤ مع تحالف العدوان في اليمن، الذي تحمّله مسؤولية سقوط أعداد كبيرة من المدنيين (يشكلون غالبية الضحايا وفق الأمم المتحدة).
وسبق أن نددت كل من «منظمة العفو الدولية»، «مؤسسة السلام»، «منظمة السلام الأخضر» و«أوكسفام» بقرار مدريد تصدير معدات عسكرية إلى السعودية، على الرغم من «إمكانية استخدامها في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان». من جهتها، طالبت «منظمة العفو الدولية» إسبانيا بشكل خاص بإعادة النظر بصفقات الأسلحة، التي وصفها خبير الأسلحة في فرع المنظمة في إسبانيا بـ«غير الشرعية».
ففي 2013، أظهر تقرير للحكومة الإسبانية أن صادرات بلادها من المواد العسكرية والأسلحة ارتفعت إلى الضعف، وذلك بفضل صفقات التسليح مع دول خليجية مثل السعودية والإمارات. وبعد عامين، وتزامناً مع بدء العدوان السعودي على اليمن، تعمّقت العلاقات العسكرية بين مدريد والرياض، التي اشترت في ذلك العام أسلحة إسبانية بأكثر من 500 مليون يورو. ووفق الأرقام، تعتبر السعودية اليوم ثاني أكبر زبون للأسلحة الإسبانية، مع استحواذها على 12 في المئة من إجمالي صادرات الأسلحة، التي لا تزال تُستخدم حتى اليوم في عمليات القصف التي ذهب ضحيتها الآلاف من المدنيين في «البلد العربي الأشد فقراً».
ففي 8 كانون الثاني، عرض موقع «Yemen Fights Back»، صوراً لقاذفة قنابل من طراز «C90» من بين البنادق الآلية والذخائر والوثائق الشخصية التي تركها المرتزقة السعوديون في محافظة الطوال على الحدود اليمنية ــ السعودية. وبعد أسبوع، كشف الموقع ذاته قاذفتين من الطراز ذاته في المنطقة الحدودية. ويذكر أنّ الشركة المصنعة لهذه الأسلحة هي «إنستالازا» الإسبانية. وبعد أكثر من شهر، تمّ تداول فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيه الحوثيون في مديرية ميدي اليمنية، بالقرب من البحر الأحمر، وهم يحتفلون باستيلائهم على سيارة BMR-600، وهي مركبة عسكرية من تصنيع شركة «إناسا» الإسبانية.
وكانت الصحف الإسبانية، مع بداية العام الجاري، قد ربطت زيارة الملك الإسباني فيليب السادس، إلى السعودية بتوقيع اتفاق عسكري لبيع سفن حربية بقيمة 2.1 مليار دولار إلى الرياض. وفي حين لم يعلن رسمياً عن الصفقة، أكّد المتحدث باسم شركة «نافانتيا»، وهي شركة إسبانية خاصة لصناعة الأسلحة، آنذاك «أن المفاوضات متقدمة جدّاً لبناء خمس سفن حربية من طراز أفانتى 2200 سيتم بيعها» إلى المملكة التي تتصدّر قائمة الدول الأكثر إنفاقاً على التجهيز العسكري نسبة إلى عدد السكان.

تراهن الشركات الإسبانية
على المشاركة في تحقيق «رؤية 2030»

ويبدو أن المفاوضات وصلت إلى مراحلها النهائية، إذ كشفت الصحف السعودية مطلع الشهر الجاري عن زيارة الرئيس الجديد لـ«نافنتيا» إستيبان غارسيا، الرياض، حيث عقد عدّة اجتماعات على مدى يومين لـ«التباحث حول إتمام الصفقة». وتعتبر «نافانتيا» البالغة من العمر 270 عاماً مصدراً رئيسياً لآلات الحرب العسكرية للسعودية ومجلس التعاون الخليجي. واتضح أثر تعاملاتها وأهميتها عندما رفضت الرياض عرض وزارة الخارجية الأميركية لشراء أربع سفن قتالية تابعة لشركة «لوكهيد مارتن» بقيمة 11.25 مليار دولار، وذلك بسبب التكلفة. فتوجهت السعودية إلى القطاع الخاص؛ وحلّت «نافانتيا» محل اقتراح الولايات المتحدة بعقد يقدر بـ 2 مليار يورو (2.1 مليار دولار).
ووفق التقارير الصحافية، فإن فيليب السادس يريد إحياء العلاقات الإسبانية السعودية، وخاصةً على المستويين الاقتصادي والعسكري، بعدما وصلت العلاقات بين البلدين إلى أوجها في فترة حكم والده خوان كارلوس، الذي زار الرياض ست مرات على الأقل في السنوات العشر الأخيرة، كان آخرها في 25 الشهر الماضي، حين أقام الملك السعودي مأدبة غداء «تكريماً» له. وفي حين لم يتضح سبب الزيارة، يشير المراقبون إلى العلاقة التاريخية الوثيقة بين آل سعود وخوان كارلوس، الذي كانت إسبانيا في عهده رابع مصدر للأسلحة إلى السعودية، والذي لعب دوراً حاسماً في فوز إحدى الشركات الإسبانية بعقد بقيمة 6.7 مليارات يورو لبناء خط سكة حديد يربط مكة المكرمة بالمدينة المنورة.


ويعتبر المجال العسكري واحداً من المجالات الكثيرة التي توثّق «الشراكة الاستراتيجية» بين البلدين، اللذين يجمعهما العديد من الاتفاقيات الثنائية، وخاصةً الاقتصادية، والمواقف متشابهة إزاء قضايا المنطقة والعالم. وكان فيليب السادس قد شدّد في كانون الثاني على «حرص بلاده على تطوير علاقاتها الاقتصادية التجارية والاستثمارية مع الرياض... ومراهنة الشركات الإسبانية على المشاركة في تحقيق رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني»، ولا سيما في مجال الطاقة الذرية والطاقة المتجددة، مذكّراً بأن إسبانيا تحتل المركز الثالث بين الدول الأوروبية المستوردة من المملكة.