بعد أربعة أيام على لزومه الصمت عقب إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية التي نتج منها نكسة موجعة له ولحزب «العدالة والتنمية»، خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم أمس، ليدعو علناً إلى تأليف حكومة ائتلافية «في أسرع وقت ممكن في إطار العملية الدستورية»، و»إلى وضع المصلحة الشخصية جانباً» لتحقيق هذا الغرض.
وبعدما نُقل عنه في الايام القليلة الماضية إشارات تفيد بانفتاحه على مسألة تأليف حكومة ائتلافية وتركه لخيار اللجوء إلى انتخابات مبكرة، بدا أردوغان وكأنه استسلم للواقع الذي فرضته النتائج الانتخابية، إذ قال إن تلك النتائج «لا تعني بالطبع أن تركيا ستبقى بلا حكومة»، آملاً أن تفضل الأحزاب «الحلّ بدلاً من الأزمة».
كلام أردوغان يشي بعودته إلى أسلوب النبرة العالية، بعدما كان قد نقل عنه أيضاً عقب الانتخابات تصريحٌ مفاده بأن «رأي الشعب التركي فوق كل شيء»، ليبدو كأنه استعاد عزيمته بعد «الصدمة»، متسلّماً زمام المبادرة مجدداً، وكأنه يقول لأحزاب المعارضة «أنا هنا»، وإن شروطه وسياسته تعلوان فوق أي شروط ومطالب أخرى، ولا سيما بعدما رشحت عن الاحزاب الثلاثة معلومات عن وضعها شروطا للمشاركة في أي حكومة مع حزب أردوغان؛ وجدد حزب «الشعوب الديموقراطي» يوم أمس، رفضه للمشاركة في حكومة مع حزب «العدالة والتنمية».
وخلال حفل تسليم الشهادات لمتخرجين أجانب في مقر غرفة التجارة في العاصمة أنقرة، قال أردوغان إن نتائج الانتخابات «هي مشيئة الله»، وإنّ «على الجميع احترام رغبة الأمة... وعلى الأحزاب السياسية أن تقرأ المشهد جيداً». وأضاف: «لا يمكننا أن نترك تركيا من دون حكومة، من دون رأس»، متوعداً خصومه بالقول: «من يحرمون تركيا حكومة فسيدفعون ثمن ذلك». وتابع داعياً كل التشكيلات السياسية إلى التحرك بهدوء وتحمّل مسؤولياتها «لكي تتمكن بلادنا من تجاوز هذه الفترة بأقل الأضرار الممكنة».
من جهة أخرى، وبالتزامن مع تقدم الوحدات الكردية في معاركها مع تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) في مناطق من محافظة الرقة السورية، اتهم أردوغان الغرب بـ «قصف العرب والتركمان في سوريا ودعم جماعات كردية إرهابية، لتحل محلّهم». أما رئيس الحكومة المستقيل دستورياً أحمد داوود أوغلو، فحملت تصريحاته تناقضاً مع خطاب أردوغان، إذ قال إن التاريخ أظهر «عدم ملاءمة الحكومات الائتلافية لتركيا»، مؤكداً في الوقت نفسه أن حزب «العدالة والتنمية» مستعدٌ لجميع الاحتمالات «تستند إلى التطورات الأخيرة». وشرح داوود أوغلو خلال اجتماع للمسؤولين المحليين في الحزب من جميع الولايات التركية، يوم أمس، وجهة نظره إزاء الحكومات الائتلافية، قائلاً «لقد استخدمنا نماذج الحكومات الائتلافية في السبعينيات والتسعينيات كأمثلة لنبرهن أن الائتلافات ليست مناسبة لتركيا وسنتمسك بهذا الموقف».
وأكد داوود أوغلو، أن نتائج الإنتخابات الأخيرة، أظهرت استحالة تصور المشهد السياسي التركي من دون «العدالة والتنمية»، مشيراً إلى أن حزبه سيواصل إدارة وتوجيه السياسة التركية، اليوم وغداً. وأشار داوود أوغلو إلى أن حزبه لم يتمكن من الفوز بمقاعد نيابية عن 5 ولايات فقط، فيما لم يتمكن حزب «الشعب الجمهوري» المعارض، بالفوز بأي مقعد في 37 ولاية (من أصل 81 ولاية)، داعياً رئيس «الشعب الجمهوري»، كمال كليتشدار أوغلو، إلى «التمعن في مستوى التمثيل الذي ناله حزبه على مستوى البلاد».
وذكر داوود أوغلو، أن الحزب «الذي لا يحظى بتمثيل 37 ولاية، غير جدير بإدارة البلاد مهما ادعى ذلك»، مطالباً أعضاء «العدالة والتنمية» بالمحافظة على الثقة بالنفس، وعدم الاكتراث للحملات الرامية لبث التشاؤم والاحباط في صفوف الحزب. وجدد رئيس الوزراء تأكيده على أن الحزب لم يغلق أبوابه أبدًا، وأنه منفتح على الحوار السياسي.
كما أكد داوود أوغلو أنه «لا يمكن السماح لأحد بأن يفرض أجندته على البلاد من الخارج، وأنهم يرفضون تدخل أي شخص جالس بعواصم العالم»، لفرض صيغة معينة لشكل الحكومة الائتلافية المنتظرة. من جهته، جدد حزب «الشعوب الديموقراطي» أمس تأكيده الاستعداد لقبول جميع الخيارات المتعلقة بتأليف حكومة ائتلافية بشرط ألا تضم حزب «العدالة والتنمية». وقال صلاح الدين دميرتاش «إن إدخال تركيا في نقاشات عن انتخابات مبكرة لن يُجدي نفعاً... نعتقد أنه يتعين على تركيا أن تمضي في طريقها بإنشاء ائتلاف»، داعياً أردوغان إلى عدم تخطي صلاحياته الدستورية. وشدد دميرتاش على أن باب حزبه مفتوح أمام كل أحزاب المعارضة. ومن جهة أخرى، أشار دميرتاش إلى أن زعيم حزب «العمال الكردستاني»، عبد الله أوجلان، مستعد لإطلاق دعوة لإلقاء السلاح، وأن عملية السلام مع جماعته يجب أن تسير بخطىً أسرع، مضيفاً أنه سيطلب زيارة ثانية في الأيام المقبلة إلى أوجلان في سجنه في جزيرة إيمرلي.
(الأخبار، أ ف ب، الأناضول)