تشهد أروقة الأمم المتحدة للمواقف الحازمة لرئيس الجمعية العامة وتمسّكه بالدفاع عن العدالة الدولية، والآن قبل رحيله ها هو يدفع باتجاه إصلاح مجلس الأمن الدولي
نيويورك ـ نزار عبود
مثّل الرهان على إصلاح مجلس الأمن الدولي لجعله أكثر ديموقراطية ضرباً من الأحلام الأفلاطونية والتمارين الذهنية على مدى عقود، غير أن رئيس الجمعية العامة، ميغيل ديسكوتو بروكمان، الذي تنتهي ولايته في آب المقبل، مصمم على إحداث تغيير ما، حتى وإن كان غير ثوري. لذلك كلّف مندوب أفغانستان الدائم لدى المنظمة، ظاهر تانين، مهمة منح المفاوضات المتعثرة، التي بدأت قبل 16 عاماً، دفعة قوية إلى الأمام.
وكان تانين، الذي يترأس مجموعة العمل الحكومية المكلفة إعادة تنظيم مجلس الأمن، قد قال في أول مؤتمر صحافي عقده نهاية الأسبوع الماضي، «إننا أخيراً متجهون نحو مفاوضات جادة». وأشار إلى أن المنافسة حول طروحات الإصلاح المختلفة قد اكتملت، ومن بعدها «جاء دور التفاوض بين أعضاء الجمعية العامة نحو بلوغ تسويات».
وأضاف تانين إن «الغالبية الساحقة من أعضاء الأمم المتحدة سئموا التفاوض من أجل التفاوض»، وإنّهم يرغبون في تطبيق ما ورد في ورقة القمة العالمية التي صدرت في عام 2005. وقال «يتعين على الدول الخمس الكبرى خصوصاً المساعدة من أجل بلوغ النتيجة المتوخّاة».
ودعا البعض الدول الخمس إلى استخدام نفوذها لدى الدول الصغرى من أجل تضييق الهوات والتوافق على صيغ براغماتية، لذلك من المتوقع أن تشهد الجمعية العامة انقسامات عميقة في المرحلة التي تسبق أي اتفاق على صيغة ما قبل طرح الموضوع على التصويت. وستتولى مجموعة العمل الدولية أولاً إعداد خطة للجمعية العامة لمناقشة كيفية التفاوض من أجل إصلاح المجلس وموعد المفاوضات.
ويتمحور الخلاف الرئيس حول مسألة حق النقض، الذي تحتكره خمس دول (الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين). وهناك عشر دول غير دائمة العضوية، تتبدل خمس منها كل عام بالتصويت في الجمعية العامة، لكنها لا تتمتع بحق النقض. عدا عن ذلك فإن قرارات مجلس الأمن ملزمة، بينما قرارات الجمعية العامة المؤلفة من 192 دولة استنسابية، وغالباً ما توصف بأنّها «تصلح فقط للخطابات الحماسية وجمعيات حقوق الإنسان ورجال الإعلام والأكاديميين».
والواقعية التي يتحدّث عنها مندوب أفغانستان تعني أن على العالم أن يقبل باحتساب أصوات الدول حسب الأوزان السياسية والعسكرية والاقتصادية لا على قاعدة عدد السكان أو العدالة الدولية. فمن غير الطبيعي مثلاً أن يكون صوت الصين أو الهند يعادل صوت تيمور ليشته أو جزر القمر. كذلك ليس من العدل أن تكون اليابان وألمانيا والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا خارج مجلس الأمن.
وتدعم الولايات المتحدة انضمام اليابان وألمانيا إلى المجلس بعضويّة دائمة لأنّهما تدوران في فلكها السياسي. لكن هاتين الدولتين تدركان أنّهما لا يمكن أن تحصلا على العضوية الدائمة، إذا كان التوازن سيختل في المجلس. وبالتالي يجري تغليب الجانب الجغرافي، أي إعادة توزيع الأصوات على أسس قارية، وتدخل هنا الحزازات الإقليمية، فباكستان تعارض انضمام جارتها اللدود الهند إلى المجلس، والمكسيك تعارض نيل البرازيل مقعد أميركا الجنوبية، كذلك لا ترتاح إيطاليا لعضوية ألمانيا الدائمة.
أما في أفريقيا، فإن المسائل معقدة للغاية. هناك جنوب أفريقيا الأوفر حظاً نظراً لقدرتها الدبلوماسية الخارقة على جمع الأضداد، لكن هناك أيضاً مصر الأفريقية ـــــ العربية، ونيجيريا، الأكبر من حيث تعداد السكان، التي تعاني الاهتراء السياسي والأمني ما يحرمها فرصة التفكير في الفوز بمقعد.
في شرق آسيا، تعارض كوريا الجنوبية عودة غريمتها، اليابان، لتحتل مركزاً يحدّد مصير العالم. أما الدول العربية، بتشتّتها وانقساماتها الجسيمة، فلا تبدو في موقع يسمح لها بنيل مكاسب في معمعة التسويات المرتقبة.
ومن شأن هذه الخلافات أن تجعل التفاهم داخل الجمعية العامة شديد الصعوبة، بالرغم من كل التفاؤل الذي يبديه تانين. مع ذلك يرى كثيرون أنّ من الأفضل مواصلة محاولات الإصلاح في هذا الظرف الدولي المتأزم اقتصادياً وأمنياً من أن تترك الأمور مكرّسة للمنتصرين في الحرب العالمية السابقة.
يبقى أن زيادة الأعضاء الدائمين لا تعني مشاركة أكثر ديموقراطية، فتوسيع المجلس إلى عشرين دولة أو خمس وعشرين من شأنه زيادة تعطيل القرارات بقدر ما يوسّع قاعدة القرارات. فالإصلاح الحقيقي يبقى خارج التسويات لأنه ينبغي أن يبطل حق النقض، وهذا ما ترفضه الدول الخمس الكبرى.