مع اقتراب طالبان باكستان من العاصمة إسلام آباد، أصبحت مسألة التفاوض مع إيران مدفوعة بسياق سباق بين اتساع قدرة المتطرفين شرقاً و«فقدان صبر» إسرائيل غرباً
باريس ــ بسّام الطيارة
لم يتراجع الملف النووي الإيراني إلى خلف واجهة الاهتمام العالمي، في ظل أجواء تشير إلى «مجموعة مبادرات لتبريد الوضع»، وخصوصاً مع «وجود خوف كبير من ضربة إسرائيلية تقلب طاولة التفاوض»، حسبما ترى مصادر فرنسية مسؤولة. هذه المصادر ترى أن «خطر قيام إسرائيل بعملية عسكرية، قائم» بجدية إذا فشلت الدبلوماسية في إيجاد حل لـ«النووي الإيراني». وتتخوف من أن «تطول فترة إعادة تقويم واشنطن لسياستها تجاه طهران»، ما يمكن أن يدفع الحكومة الإسرائيلية إلى اللجوء للقوة.
وتشير المصادر إلى أن باريس تعارض الحل العسكري «لأنه سيجلب الخراب». وتلفت أيضاً إلى أن «طهران تتلاعب بالوقت» وتحاول كسبه عبر «مماطلة خطابية». وأعطت المصادر أمثلة كيف يأتي المفاوض الإيراني ليتحدث «عن الحضارة الفارسية» قبل أن ينتقل للحديث عن «الإسلام والأئمة».
وأكدت هذه المصادر أن «العرض الوحيد» المطروح حالياً هو «التجميد المزدوج» والانطلاق بمفاوضات قصيرة. إلا أن مصادر أخرى أشارت لـ«الأخبار» إلى وجود عدة تفسيرات لهذا العرض. ففيما يرى الإيرانيون أن العرض يعني «تجميد العقوبات» في مقابل «تجميد زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي»، يرى مفاوضو مجموعة الدول الست أن التجميد يتعلق بعدم فرض عقوبات جديدة خلال فترة ستة أسابيع، «توضع خلالها أسس التفاوض مع إيران»، على ألا تزيد إيران خلال هذه الفترة وتيرة نشاط التخصيب ولا عدد أجهزة الطرد. إلا أن هذه التفسيرات لا تزال، حسب أكثر من مصدر، «محط تداول عن بعد» بين الممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية، خافيير سولانا، والإيرانيين، والسعي الآن هو لترتيب لقاء مقبل «خلال أسابيع».
وبحسب تسريبات عديدة من مصادر مقربة من الملف، فإن الاهتمام الفرنسي منصب أيضاً على «مراقبة ما يفعله وما يفكّر به الأميركيون». فواشنطن أعلنت مباشرة أو من خلال مصادر مسؤولة أنها بصدد «مراجعة شاملة لسياستها تجاه طهران». ويرى الفرنسيون أن الأميركيين «حذرون جداً» في هذا الشأن لأنهم «يدركون ترابط علاقتهم بإيران بالسياسة الداخلية في الجمهورية الإسلامية».
وحسب هذه المصادر، فإن مفاوضات «المحيط القريب» بين طهران وواشنطن بشأن أفغانستان وباكستان والعراق قد بدأت بشكل «منفصل عن الملف النووي» وهو ما يرى فيه البعض «استراتيجية اليد الممدودة لواشنطن» بسبب تخلي طهران عن «أوراق ضغط» إذا «فُسخ الملف النووي عن ملفات ساخنة». إلا أن آخرين يرون في ذلك تنفيذاً لـ«مسار تفاوضي مع إيران» وضعه فريق أوباما حال وصوله إلى البيت الأبيض ويقضي باعتماد «الحوار المتبادل من دون شروط مسبقة»، مع تأكيده أن «تغيير النظام الإيراني ليس في وارد الإدارة الجديدة». إضافة إلى «ضمان عدم شن عمل عسكري خلال المفاوضات» إذا أظهرت طهران مرونة في القضايا الإقليمية الأخرى. إلا أن الأوروبيين يودون معرفة ما إذا كانت هذه «المرونة المطلوبة لتعليق خطر الهجوم العسكري تشمل الملف النووي». وهذا التساؤل يفسّر «الخوف من هجوم إسرائيلي» يطيح المفاوضات إذا طالت، ما يمكن أن تعدّه الدولة العبرية «تسويفاً بهدف الوصول إلى القنبلة».
ويقول دبلوماسي أوروبي إن قبول طهران بفسخ الملفات الإقليمية عن الملف النووي لا يسعى فقط لإظهار حسن النية لـ«أميركا التي تحتل بلدين مجاورين لإيران»، بل هو لكسر محاولات تطويقها إقليمياً عبر محاولات «حشد موقف عربي موحد» ضدها من جهة ولإجبار واشنطن على «لجم أي محاولة إسرائيلية» للاعتداء عليها. ويرى مصدر موثوق في باريس أنّ «على العالم أن يتجاوز الحاجز النفسي» ويقبل بواقع «إيران التي تمتلك قنبلة واحدة». إلا أن السؤال الذي يقلق الفرنسيين اليوم هو: «هل تقبل إسرائيل بالأمر الواقع هذا؟».