الاستراتيجية الأميركية الجديدة في أفغانستان. هذا هو عنوان النقاش في واشنطن منذ وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض. لكنه نقاش إلى الآن من دون نتائج، ولا سيما أن الرئيس الأميركي يبدو متردّداً في ضوء الآراء المتناقضة لمن حوله. آراء قد تدفعه إلى تهجين صيغة من المقترحات. لكن هل ستضمن الصيغة الجديدة النصر في «مقبرة الإمبراطوريات»؟
مي الصايغ
«إني أفكر... أنا أريد... ربما نعم... ربما لا... تلزم إعادة التفكير...». هذا هو واقع حال الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي عقد حتى الآن 8 اجتماعات مع مجلسه الحربي للتباحث في مسألة زيادة عدد قواته في أفغانستان. حال من الحيرة تتملّك أوباما بشأن الطريق الذي سيسلكه قدماً في الحرب التي مرّ عليها ثمانية أعوام.
وعلى الرغم من كثافة الاجتماعات التي عقدها الرئيس الأميركي مع كبار القادة العسكريين والسياسيين، لا تزال قضية الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان عالقة بين أخذ ورد، وبات الوضع أشبه بعملية شدّ حبال بين من ينادي بزيادة عديد الجنود الأميركيين، ورافض لها. عملية يسعى خلالها أوباما إلى التوفيق بين جنرالاته، وفي مقدّمهم قائد القوات الأميركية في أفغانستان الجنرال ستانلي ماكريستال الذي يطالب بزيادة أربعين ألف جندي إضافي لتعزيز 68 ألفاً منتشرين حالياً، ومستشاريه السياسيين من جهة أخرى، وأبرزهم نائبه جوزف بايدن الذي يعارض استراتيجية ماكريستال لمكافحة التمرّد، داعياً إلى الاستعاضة عنها باستراتيجية لمكافحة الإرهاب.
في الإمكان إرسال 200 ألف جندي وستبتلعهم صحراء أفغانستان وجبالها
ويرى بايدن أنّ هدف الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها يتمثّل في إلحاق الهزيمة بتنظيم «القاعدة» والقضاء عليه. ووفقاً لبايدن، في الإمكان تحقيق ذلك من خلال الاستخدام الأفضل لأجهزة الاستخبارات والطائرات من دون طيار.
إلى جانب بايدن، يقف مستشار الأمن القومي الأميركي جيمس جونز، الذي لا يرى في إرسال المزيد من القوات حلاً لمشاكل حلف شمالي الأطلسي في أفغانستان. ويقول جونز إنّ الجنرالات دائماً يطلبون المزيد من القوات، لكنّ القوات وحدها لن تحلّ المشكلة، مشيراً إلى أنه «في الإمكان زيادة القوات باستمرار وفي الإمكان إرسال 200 ألف جندي، وستبتلعهم صحراء أفغانستان وجبالها كما حدث في الماضي». موقف يبدو مشابهاً لما حذّر منه السفير الأميركي لدى كابول، كارل ايكنبيري، ناصحاً أوباما بعدم إرسال تعزيزات عسكرية أميركية قبل إثبات الحكومة الأفغانية قدرتها على احتواء الفساد الذي أسهم في تصاعد تمرّد حركة «طالبان».
أمام هذا الشرخ في «مجلس الحرب الأميركي» وتزايد معارضة الرأي العام الأميركي لهذه الحرب مع تزايد الخسائر البشرية في صفوف الجيش، تبدو إدارة أوباما متردّدة في اتخاذ قرار بشأن الوضع في أفغانستان، ما دفع بسيّد البيت الأبيض إلى طلب مراجعة كل الخيارات والخطط المقترحة التي سبق أن تلقّاها لتوضيح متى ستسلّم القوات الأميركية المسؤولية إلى الحكومة الأفغانية وكيف.
تردّدٌ دفع قسماً كبيراً إلى اتهام أوباما «بالخوف» من تبنّي استراتيجية واضحة تجاه أفغانستان، إذ رأى مؤيّدو استراتيجية ماكريستال أنّ تأخير إرسال تعزيزات يعرّض المهمة للخطر، فيما امتدح المتشكّكون في فعالية الحسم العسكري نهج أوباما الذي قد يحول دون تحوّل أفغانستان إلى فييتنام أخرى.
غير أن الخبراء العسكريين يرون أنه لو اتُّخذ قرار زيادة القوات سريعاً، لكان ذلك قد خلق قوة دفع خاصة نحو النجاح، فيما التمهّل والانتظار يجعلان القوات، والحلفاء والكونغرس والرأي العام الأميركي، يتشكّكون في عزيمة الولايات المتحدة. هذا ما ذهب إليه الخبير العسكري في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أنطوني كوردسمان، مشدداً على أنّ «كلّ يوم يمرّ يقوّض الدعم المحلّي والأجنبي للحرب».
ويرى أحد أبرز الخبراء في مجال مكافحة الحركات المسلّحة، ديفيد كيلكولين، الذي يعمل مستشاراً للحكومتين الأميركية والبريطانية، أنّ تأخر أوباما في التوصل إلى قرار بشأن إرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان «إنما ينمّ عن وجود فوضى» داخل إدارته. ويرى أن تردّد أوباما لم يسبّب فقط إقلاق حلفاء الولايات المتحدة، بل خلق جواً من الشك وعدم اليقين حيال قدرة قوات التحالف على ضبط الوضع في أفغانستان، «الأمر الذي قد يؤدي إلى إمكان أن تلجأ حركة طالبان إلى استغلال مثل هذا الوضع المرتبك وتعزيز موقعها».
بدوره، حذّر الباحث في معهد «بروكينغز»، بروس ريدل، من عواقب التأخير في إرسال قوات أجنبية إلى أفغانستان. ونصح إدارة أوباما بتجنّب التأخير في تقرير مسار العمل في تخطيطها للحرب الدائرة على المسرح الأفغاني. ولفت ريدل إلى أنّ هناك ثمناً لأي تأخير، «وهذا الثمن يجنيه حلفاؤنا وأعداؤنا في الوقت عينه. أعداؤنا وصلوا إلى نتيجة مفادها أنّ النصر بات قريباً. وهو أمر يمكن استشفافه من تصريحات زعيم طالبان الملا عمر الذي قال إنّ النصر يلوح في الأفق، ومن توجّه أسامة بن لادن إلى الشعوب الأوروبية بالقول إنّ الأميركيين على وشك المغادرة».
رسالتان تتداخلان في نظر ريدل إلى حدّ بعيد. فهما تظهران أنّ هناك مستوى من التنسيق في الدعاية، وهو أمر ازداد ازدياداً كبيراً عمّا كان عليه في الماضي.
وعن إمكان ربح الحرب ضد «القاعدة» عبر الاكتفاء بتفجير معاقل هذا التنظيم في باكستان، قال ريدل «إنه أمر خرافي. إننا نقوم بأمر مذهل في باكستان اليوم. أمر يعتمد اعتماداً كبيراً على شبكة مصادر استخبارية يمكن أن تنضب في أي وقت. وفي أي وقت يمكن أن تغيّر القاعدة إجراءاتها التنفيذية، عندها ستصعب الأمور». ويضيف «ألم يكن خيار ما بعد الغزو متمثّلاً في التخلّص من أسامة بن لادن؟ لقد شابت مثل هذه الاستراتيجية نقطة ضعف تجسّدت في التقارير الاستخبارية، حيث لم يعد ممكناً جمع المعلومات عن مخابئ قادة القاعدة وزعماء حركة طالبان عبر التنصّت على الهواتف الخلوية، وتلك المرتبطة بالأقمار الصناعية. لذا، لم يبق والحالة هذه سوى وسيلة واحدة لتتبّع أخبارهم وذلك عبر المصادر المحلية من خلال تجنيد عدد من الرجال والنساء، الذين لن نكون قادرين على حمايتهم بسبب عدم وجودنا في الأماكن المستهدفة. وبناءً على ذلك، فهي استراتيجية غير قابلة للتطبيق».
على مدار الأشهر الـ18 الماضية، زاد عدد القوات داخل أفغانستان ثلاثة أضعاف
على المقلب الآخر، رأى رئيس تحرير «نيوزويك إنترناشونال»، فريد زكريا، أنه «ليس من التردّد أن يحاول المرء فهم السبب الذي جعل الزيادات السابقة في عدد القوات لا تؤتي ثمارها والسبب الذي يجعلنا نعتقد أن زيادات أخرى يمكن أن تحقق المراد». وردّ على اتهام نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني لأوباما بـ«التردد» بخصوص أفغانستان، قائلاً «هل يبرهن الرئيس على شجاعته وحزمه في رأي تشيني عندما يقوم بغزو سريع لدولة ما اعتماداً على معلومات استخبارية غير كاملة؟».
السؤال الحقيقي الذي يجب أن نسأل عنه بخصوص أفغانستان، في رأي زكريا، هل «نحن في حاجة إلى زيادة في عدد القوات للمرة الثالثة؟». ففي كانون الثاني 2008 كان عدد القوات الأميركية في أفغانستان يبلغ 26607. وخلال الأشهر الستة التي تلت، ارتفع العدد في المجمل ليصل إلى 48250. بعدها، توجه 3000 جندي، بناءً على أوامر من جورج بوش، إلى أفغانستان في الأيام الأولى من تولّي أوباما منصب الرئيس. وفي شباط، بناءً على طلب من القائد الميداني، أمر أوباما بإرسال 17000 جندي إضافي إلى البلاد. وفي صيغة أخرى، فإنه على مدار الأشهر الثمانية عشر الماضية، زاد عدد القوات داخل أفغانستان بمقدار ثلاثة أضعاف. ويعني إرسال 40000 جندي إضافي زيادة تبلغ نسبتها أكثر من 300 في المئة في عدد القوات الأميركية منذ 2008. انطلاقاً من ذلك، يجد زكريا أنه «ليس شيئاً سيّئاً أن يأخذ أوباما وقته ويدرس كل الخيارات» قبل الاندفاع لإثبات أنه قوي الشكيمة.
أمّا الآن، وبما أنّ النقاش تخطّى مسألة مدى الحاجة إلى إرسال هذه التعزيزات لينتقل إلى عددها واستخدامها، يبدو أنّ مستشاري الرئيس الأميركي بدأوا يتحركون في اتجاه استراتيجية مهجّنة تشمل مكافحة التمرّد بالتركيز على حماية المراكز السكانية الأفغانية الكبيرة مع تكثيف حملة ضد الإرهاب في المناطق الريفية وعلى امتداد الحدود الأفغانية الباكستانية.
غير أنّ سيّد البيت الأبيض لن يعلن قراره بشأن استراتيجية الحرب في أفغانستان قبل عيد الشكر، نهاية الشهر الجاري، ويبدو أنّ الأمور تتجه نحو اعتماد ما وصف في واشنطن بـ«خيار ماكريستال لايت»، أي الموافقة على زيادة عدد القوات، لكن ليس بالعديد الذي طلبه الجنرال قبل أكثر من شهرين، وبالتالي لن تزيد التعزيزات على 30 ألف جندي، على أن ينتشروا على مراحل خلال العام المقبل في «مقبرة الإمبراطوريات». خيار لاقى تأييد وزيري الدفاع روبرت غيتس والخارجية هيلاري كلينتون وكذلك قائد أركان الجيوش الأميركية الأميرال مايكل مولن.


مقتل أربعة جنود أميركيين ومن بروكسل، أعلن المتحدث باسم الأمين العام لحلف شمالي الأطلسي اندرس فوغ راسموسن، جيمس اباتوراي، أن الحلف يريد أن تلتزم الدول الأعضاء بإرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان. هذا فيما من المقرر أن يصدر قرار الإدارة الأميركية بشأن إرسال المزيد من القوات الأميركية إلى أفغانستان خلال الأيام المقبلة.
(يو بي آي، أ ب)