شهد شمال العراق، في اليومين الماضيين، حدثاً تاريخياً، تجسّد في أول زيارة رسمية لوزير تركي إلى كردستان العراق لافتتاح مقرّ القنصلية التركية في الإقليم، الذي كان اعتراف أنقرة بحكمه الذاتي أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع. حدث دبلوماسي غير مسبوق لم يعنِ حكّام بغداد كثيراً، إذ بقيت هموم قانون الانتخابات وتداعيات مسلسل التفجيرات الدامية تتصدّر جداول أعمالهم. إلا أن الدبلوماسية لم تغب عن نشاطهم، لكن من باب التأزيم والتصعيد ضدّ سوريا، عكس ما كان يحصل في أربيل. وحقّقت الدبلوماسية التركية قفزة نوعية عندما افتتح وزيرا الخارجية أحمد داوود أوغلو والتجارة ظافر شغليان مقرّ قنصلية بلادهما في أربيل. صحيح أنّ لقاءات داوود أوغلو، المعروف بأنه هندس مسيرة المصالحة مع أكراد دول الجوار، لم تكن الأولى بين قيادات كردية وعراقية من جهة، وتركية في كردستان العراق، بما أنه سبقتها مفاوضات خاضها المبعوث التركي الخاص إلى العراق، مراد أوزجيليك، إلّا أنها اكتسبت طابعاً مميزاً. طابع أراده رئيس الدبلوماسية التركية احتفالياً، وهو ما بادله إياه الرئيس مسعود البرزاني الذي التقى ضيفه التركي، رغم أنّه بقي فترة طويلة يشبه «خطر» الزعيم عبد الله أوجلان بالنسبة إلى حكام أنقرة.
وعلى وقع الرقصات الكردية الشعبية والأغاني التركمانية باللغة التركية، افتتح الضيف قنصلية أربيل، التي سبقها مقرّ مشابه في البصرة، وقنصلية ثالثة في الموصل. حتى إنه شعر بأنه في «منزله» كما صارح مضيفيه. ويُرَجَّح أن يشعر الخلفاء المستقبليون لداوود أوغلو بأنهم في منزلهم في كردستان العراق، بما أن هناك 10 مدارس تركية في الإقليم، وعشرات الشركات التركية الكبرى العاملة فيه. ولمقتضيات الظروف، لم يجد «البروفيسور أحمد» حرجاً في اعتبار البرزاني «القائد الثاقب الذكاء»، وهو «صديق عتيق لتركيا». وانتهز داوود أوغلو المناسبة لدعوة «العرب والأتراك والأكراد والسنّة والشيعة إلى اتخاذ خطوات شجاعة بهدف إعادة بناء الشرق الأوسط ليصبح مركز جذب العالم كلّه». كلام ردّ عليه البرزاني بأحسن منه، عندما أوضح أنّ «دور تركيا مهم جداً لمستقبل المنطقة، سياسياً واقتصادياً»، كذلك قدّم دعم أكراد العراق الكامل للمبادرة التركية لـ«الانفتاح الديموقراطي»، أي خطة حل القضية الكردية في تركيا.
وقال البرزاني للوزير التركي «أهنّئ رئيس حكومتكم على سياساتكم الهادفة إلى الانفتاح الديموقراطي، ونحن ندعمها بالكامل»، آملاً «ألّا يشهد الشباب الأكراد والأتراك المزيد من الدماء التي عشناها».
في هذا الوقت، كشفت وزارة الداخلية العراقية أن المتهم الرئيسي بتفجيرات يوم «الأحد الدامي» قتل ضابطاً خلال التحقيق معه. وبحسب المعلومات، فإنّ المتّهم طلب كوباً من الماء خلال جلسة التحقيق مع الضابط العراقي المسؤول عن التحقيق في جريمة يوم الأحد الماضي الرائد أركان حاجم، ثم استغل الموقوف الوضع ليسحب سلاح عنصر أمن ويقتل فيه حاجم.
ووسط الفشل المستمر في إقرار قانون للانتخابات في جلستي السبت والأحد، حذّر رئيس الوزراء نوري المالكي من «تسلّل عناصر من حزب البعث المنحل إلى مجلس النواب العراقي» في الانتخابات المقبلة.
وفي السياق، طالبت حكومة بغداد المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى العراق أوسكار فيرنانديز تارانكو، الذي وصل إلى بغداد، ضمّ ملف مجزرة الأحد إلى قضية التحقيق الدولية في تورّط دول مجاورة (في إشارة إلى سوريا) في الشؤون العراقية. وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قد كشف أن زيارة تارانكو، وهو نائبه للشؤون السياسية، تهدف إلى إجراء مشاورات مع الحكومة بشأن طلبها تأليف محكمة دولية لمقاضاة مخطّطي ومنفّذي هجمات الأربعاء 19 آب الماضي.
(الأخبار، أ ب، أ ف ب، رويترز)