بول الأشقر خاص بالموقع- انكشف سرّ مقتل المحامي رودريغو روزنبيرغ في غواتيمالا، الذي كاد أن يفجّر حرباً أهلية قبل ثمانية أشهر، وذلك بعدما سلمت «اللجنة الدولية لمكافحة فقدان العدالة في غواتيمالا»، نتيجة التحقيق في هذه الجريمة. وكان الرئيس الغواتيمالي، ألفارو كولوم، أوكل إلى هذه اللجنة التابعة للأمم المتحدة، التي يترأسها الإسباني كارلوس كاستريزانا، إدارة التحقيقات في جريمة مقتل المحامي روزنبيرغ، لضمان صدقية عملها، لأنّ الرئيس هو المتهم الأساسي في هذه القضية.

وقبل ثمانية أشهر، اكتشف الغواتيماليون شريطاً من الفيديو بثته جميع المحطات التلفزيونية المحليّة، مدته نحو ربع ساعة، يبدأ بهذه الكلمات: «إذا رأيتم هذه الشريط، يكون قد قتلني رئيس الجمهورية ألفارو كولوم وزوجته ساندرا توريس ووزيره».

وبالفعل، كان المتكلم في الشريط المحامي روزنبيرغ، الذي اغتيل بخمس طلقات صباح اليوم نفسه، من بثّ هذا الشريط. وجرت عملية الاغتيال حين كان المحامي يتنزه على دراجته في جوار بيته.

وكان للشريط فعله الصاعق على الرأي العام، حيث تضخمت المطالبة بإقالة كولوم، أو على الأقل انسحابه حتى نهاية التحقيق. وانقسمت البلاد بين خصوم كولوم (وهم كثر لأنه من خارج الطقم التقليدي)، والمواطنين العاديين في العاصمة من جهة، وقاعدة كولوم الريفية (يُعَدّ حكمه الأكثر انفتاحاً وعملاً لمصلحة الهنود الذين يمثلون أكثرية البلد).

ونُظمت تظاهرات صاخبة من الطرفين، ما أدى بكولوم (الذي يكمل اليوم نصف عهده بقبول يفوق جميع أسلافه) إلى الطلب من اللجنة الدولية تسلم التحقيق، وهي مؤسسة معروفة بأدائها النقدي إزاء السلطة وليس تحديداً الرئيس كولوم.

تقرير «اللجنة الدولية» الشفاف ليس أقل غرابة من شريط الفيديو. لكن كما يقول كاستريزانا «أستطيع أن أتفهم تحفظ الناس أمام هذه الحقيقة وحتى التشكيك بها لغرابتها، ولكنها الحقيقة. وإذا استمر التشكيك فيها فالنتائج أكثر كارثية على البلد لأنها الحقيقة».

وفي أوج الأزمة، كان المعسكران المختلفان على كل شي متفقين على الأقل، على أن الجريمة سياسية؛ إما من صنع كولوم وإما من تفخيخ أخصامه.

غير أن تقرير اللجنة الدولية، يدحض هذه المقاربة أيضاً.

هو المحامي رودريغو روزنبيرغ الذي صمم وخطط لـ«اغتيال» نفسه لفتح «علبة باندورا» في البلاد، بعدما فقد لذة الحياة مع مقتل عشيقته مارجوري موسى، برفقة والدها رجل الأعمال المشهور خليل موسى. كان ذلك تقريباً قبل شهر من عملية «اغتياله».

وفي التفاصيل، أن روزنبيرغ، اشترى بعد أسبوع من مقتل عشيقته، مدفنين؛ أحدهما باسمه.

وفي اليوم التالي كتب وصيته. وبعد أسبوعين تسارعت خطواته، حيث اشترى خطّي هاتف، وروج حوله، أن محامي بيت موسى (أي هو نفسه) يحقق في الجريمة. وطلب من صديق، بأن يوصل الخبر إلى نائب رئيس الجمهورية.

ثم استعمل الخطين للاتصال ببيته، وكال التهديدات لنفسه الممزوجة أحياناً بالابتزاز.

بعد ذلك أبلغ أصدقاءه أنه يتلقى تهديدات، وأن الحكومة وراءه ووراء الجريمة المزدوجة «ولن أسكت». ثم طلب من ابني عمه (رجلا أعمال) مساعدته على قتل من يهدده ويريد ابتزازه.

وهؤلاء أوكلا إلى سائقهما تدبير الأمر، إذ وصل هذا الأخير روزنبيرغ بفرقة مجرمين وافقوا على القيام بالمهمة (أحدهم معتقل الآن).

أمّا اليوم الأخير، فهو تحفة فنية من حيث الإخراج والتمثيل: صباح الأحد السادسة والنصف، يسجّل تهديداً أخيراً على الهاتف. السابعة، يتصل به المجرمون ويبلغهم بأن المهمة ستنفذ الآن، وفي الثامنة يتصل هو بهم ليعطيهم آخر التفاصيل الدقيقة عن الحيّ وعن مواصفات الهدف والألبسة التي يرتديها وعن جدول عمله واستعداده للخروج للتنزه بعد لحظات على دراجته.

وفي الثامنة وعشر دقائق،يقع رودريغو روزنبيرغ عن دراجته بجوار بيته مصاباً بخمس طلقات، في مشهد كان من الممكن أن ينعت بـ«جنس وكذب وفيديو»، (نسبة إلأى الفيلم الذي فاز بجائزة مهرجان كان لعام 1989) على النمط الغواتيمالي.

كاستريزانا، أوضح من جهته، أن التهم الموجهة إلى أشخاص بالأسماء هي ضالة، ما جعل الرئيس كولوم يشكر اللجنة الدولية لـ«رفعها التهمة المشينة»، فيما أوضح كاستريزانا، مسترجعاً دوره الأصلي، أن «جريمة بيت موسى وآلافاً من الجرائم الأخرى باقية دون عدالة في غواتيمالا».