لم يتعب نوام تشومسكي بعد. حلّ ضيفاً على تركيا التي يتابع شؤونها بالتفصيل، ففتح الباب لانتقاداته ضد الأوروبيين والدولة التركية وإسرائيل... ودولته، الولايات المتحدة
أرنست خوري
حمل عالم الألسنيات، الكاتب والناشط السياسي اليساري الأميركي نوام تشومسكي، سنواته الـ82 وذهب بها إلى تركيا للمشاركة في مؤتمر دولي عن حرية التعبير. هناك، أطلق، كعادته، مجموعة من المواقف في عدد من الندوات والمقابلات التي أجراها من إسطنبول، صوّب خلالها نيرانه على العنصرية الأوروبية الغربية الموجَّهة ضد المسلمين، وهي التي تحول دون قبول تركيا في الاتحاد الأوروبي.
وتشومسكي، صاحب عشرات المؤلفات التي تعالج قضايا متعددة في العلوم الاجتماعية والسياسات الدولية، أحد المهتمين عن كثب بالملف التركي والكردي، لذلك كان عليه ملاحظة الجديد الذي طرأ على أحوال البلاد منذ زيارته الأخيرة إليها في العام الذي وصل فيه حزب «العدالة والتنمية» إلى الحكم، أي منذ 2002، من دون أن يوفّر، كعادته أيضاً، إسرائيل من انتقاداته واتهاماته.
وقال الأستاذ المتقاعد من التعليم في جامعة ماساشوستس، في مقابلة مع صحيفة «توداي زمان»، إنّ الذريعة الأوروبية التي تبرّر تباطؤ مفاوضات العضوية مع تركيا بعدم تلبية أنقرة شروط احترام حقوق الإنسان، هي كاذبة، لأنّ السبب الحقيقي الذي يمنع تركيا من أن تصبح عضواً في «الاتحاد» هو العنصرية الأوروبية. وذكّر بأحد تصريحات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي قالت فيه إنّ «الثقافة الألمانية مبنية على القيم المسيحية واليهودية، داعيةً المسلمين إلى تقبُّل هذا الواقع. ووصف تشومسكي هذا التصريح بأنه «عنصرية صرفة، تصدر عن مسؤول أوروبي رئيسي».
وفيما وافق تشومسكي، الذي وصل إلى تركيا يوم الجمعة الماضي، على أن سجل حقوق الإنسان في تركيا سلبي، عاد ليرى أنّ بعض الدول الأوروبية سجلّها أسوأ من تركيا على هذا الصعيد، كبريطانيا مثلاً التي شاركت في غزو العراق، حيث ارتكبت أفظع الجرائم. ومن هذا الباب، أثنى على موقف تركيا التي رفضت المشاركة في الاحتلال عام 2003.
أما بالنسبة إلى الدور الدولي الجديد الذي تحاول أنقرة تأديته، فرأى تشومسكي أنّ تركيا تسعى إلى أن تكون وسيطاً بين الغرب والشرق الأوسط، وهو ما تجهد الولايات المتحدة لإجهاضه. وفيما أعرب عن سروره بهذا الدور التركي المستجد، أوضح أنّ هذه المهمة ستكون صعبة لكن غير مستحيلة. ولم يتردّد في الإعراب عن سعادته بأن النفوذ الأميركي في حكم العالم يتضاءل، بدليل ظهور قوى إقليمية كتركيا والبرازيل والصين قادرة إمّا على رفض العقوبات المفروضة على إيران (كبرازيليا أو أنقرة)، وإما على تجاهل هذه العقوبات عملياً، كبكين.

الولايات المتحدة تحاول إعاقة دور الوساطة الذي تؤديه تركيا بين الشرق والغرب
وكما هو متوقَّع، توقف تشومسكي طويلاً عند الاعتداء الإسرائيلي على طاقم «أسطول الحرية» في 31 أيار الماضي، ليصفه بأنه جريمة حقيقية متواصلة بالسلوك الإسرائيلي منذ عقود، «ولا يُرَجَّح أن يتوقف مسلسل هذه الجرائم بما أن إسرائيل لا تزال تحظى بالدعم والحماية الأميركيين».
وبالحديث عن القضية الكردية التي نالت اهتماماً استثنائياً عند المفكر الأميركي اليساري في تسعينيات القرن الماضي، لاحظ تشومسكي تحسُّناً ملحوظاً من ناحية الحريات والحقوق الممنوحة للأكراد، علماً بأن الرجل زار تركيا عام 2002 للتضامن مع ناشر تركي كان يخضع للمحاكمة بسبب نشره كتاباً لتشومسكي نفسه.
وكان تشومسكي قد افتتح مؤتمر حرية التعبير في جامعة بيلجي في إسطنبول، كاشفاً أنّ تطوراً مهماً حصل على هذا الصعيد منذ 10 سنوات، لا بسبب قرارات حكومية، «بل نتيجة لنضال المثقفين والكتاب والفنانين والناشرين والصحافيين الأتراك الذي أوصلهم إلى هذه المرحلة عبر رفضهم الخضوع لجرائم الدولة، رغم يقينهم بأنّ هذا قد يكلفهم حياتهم».