هذه افتتاحيّة لملحق «إنّما» الذي سيطلّ أسبوعيّاً في جريدة «الأخبار» اللبنانية.إن الإجابات مبعثرة، والأسئلة غائبة والتشتّت عصب الرأس الأوحد. كيف يمكن للهارب من هذيانات اللسان أن يطمح إلى القبض على كلمة؟
ليس هناك أفصح من كلمة «إنّما» لمجابهة حيرة المرحلة، وللتحايل على وجهة الطريق.
واصلين المعنى بنقيضه، سنجيء كلّ سبت لنقطع جملة الأيّام المكرّرة. وجب التذكير: تقطع «إنما» الجملة إلى نصفين، كلّ ما يأتي قبلها هراء، تنسفه إنما وتمهّد للمغزى الدلالي الذي يأتي بعدها، كتصريح قائم يبلوره النفي أو التوكيد. يسعى ملحق «إنما» إلى التماهي مع ما تعنيه «إنما» كأداة، أن يكون المسمّى مطابقاً للاسم.

انقر على الصورة لتكبيرها

تؤدّي «إنما» وظيفة الحصر بجمعها «إن» كأداة توكيد، و«ما» الكافّة، ما يجعلها كعبارة مركّبة أداة توكيد. ثم تعني «إنما» أيضاً، بل ولكن أو بيد أن، ملتحقة بذلك بسلالة أدوات النفي.
قد يكون ملحق «إنما» مساحة مكتوبة للتفريغ، إنما هو بؤرة لمناورات كتابيّة أسبوعية ترصد الظواهر العيّانية، وتكشف تلك اللامرئية، لتزعزع مركّباتها، هذا ما ستكون عليه الحال في قسم «إشارات». إذاً، ليست «إشاراتنا» ممارسة سيميولوجيّة خالصة، إنما هي تمرين شاقّ ومتواصل عليها.
ليس «إنما» طريقاً بأفق شديد الوضوح، إنما نتخذ منه سبيلاً للتفتيش والحفر والنقد، وورشة لمزج المراجع والمصادر البصرية والسينمائية والأدبية، بغية تقريب الخيالي من الواقعي كما في قسم «تفكيك». على هذا النحو، ومثلما تكتنز «إنما» انعطافاً، وتدلّ على التفاتة، فإن «تفكيك» يخلخل المسار الآمن لـ«من ___ > إلى»، بهدف خلق مقاربة مختلفة للموضوع؛ لن يعود العمل الفني مفهوماً مجرّداً، محشوراً في أروقة مغلقة، أو ساكناً في لغة المعاجم العصيّة. إنه نقر مروّس في أحشاء المومياءات الفنية، وقراءتها بعين متيقّظة للتقاطعات ما بين الكلاسيكي والمعاصر، وتوظيفها لفهم أحوال العيش المُقلقة.
أما قسم «تدوين» فهو مكبّر صوت لكلام لا يبتغي الصراخ، إنما يتّسع للصوت وصداه. ومن هنا، يُرجى الابتعاد عن اللغو الطامح إلى ما لا يقدر على حمله، وحذارِ من تقمّص دور الضحيّة الأبدي في القضايا الراهنة.
وفي «حكاية عين»، هناك كتابة بصريّة، تُنشر في الصفحة الأخيرة المخصّصة للقصص المصوّرة. الصورة في «إنما» تحتلّ أهميّة توازي أهميّة النصوص، وعليه كلّ الصور المرفقة بالمقالات هي، بمعظمها، أعمال فنية لرسامين ومصوّرين أُنجزت خصيصاً للملحق.
صفحات أخرى مثل «بيوغرافيا»؛ ترتبط بثيمة ما، تتم معالجتها من خلال الأخبار الموجزة المشتقّة منها، والتعليقات السريعة على صورة فوتوغرافيّة مرفقة، كما تتسع لأنساق كتابيّة أخرى مثل البورتريه، والمقابلة كوسيط للتطرّق إلى وجوه وأماكن وزوايا غير رائجة بالضرورة.
ننشغل في «إنّما» بالسرديات الصغرى بدلاً من السرديات المهيمنة، لأن الالتفات إلى المطرود والمطموس يُحيي الكتابة، ويكسر بلادة اللغة ومصطلحاتها التي باتت معجماً لتوليد المعاني الأحاديّة. الرأس متيقّظ والملحق كوّة: سنطلّ صباح كلّ سبت.
بينما نكتب هذا النصّ في بيروت، تبدو صورة المدينة مطابقة لحقيقتها. جلبة طفيفة في الجوار، إنما عاجزة عن خدش الركود. الأشياء تتداعى، ولا صوت يخرج لدى ارتطامها. حتى وقع المقالات لا يرنّ. إن الكتابة اليوم، بالنسبة إلينا، هي الفعل الأخير الذي نقوى على فعله وهي...

(أقلّ عادات اليد سوءاً).