يفترش السواد باحات مستشفيات الرسول الأعظم، بهمن والساحل في الضاحية الجنوبية. الاقتراب من الناس هنا مخيف. لا مكان لفضول الصحافي. أن تسأل أكثر، يعني أن تؤلمهم أكثر، وأن «تقلّب عليهم المواجع». سواد حالك.. وهدوء، تخترقه حركة الأطباء والممرضين، والصحافيين. لدى السؤال عن جثث الشهداء، تأتي الإجابة بأنها أخرجت فور إعطاء القاضي صقر صقر تعليماته بتسليمها إلى ذويهم الذين كانوا ينتظرون منذ ساعات الصباح الاولى على ابواب المستشفيات.





لا شهداء هنا. أخليت الساحة للشهداء الأحياء، أولئك الذين شهدوا على هول ما عشنا ليلة أمس.
يقول بعض الممرضين في مستشفى الرسول الأعظم لـ«الأخبار»، إن الهدوء النسبي الذي يعم المكان الآن هو حصيلة ما بعد «العاصفة» التي حلّت أمس. الجميع منهمك هنا، إما بالعمل، أو بالدعاء والبكاء، ولكن بهدوء. في مستشفى بهمن، الحال واحد؛ والمصيبة واحدة. لا تشعر بالغربة، حتى وإن كنت لا تعرف أحداً. الكلّ مصاب، والكل صاحب عزاء. العيون تتضامن.
بعض من الهدوء الحذر في هذا المستشفى. ثمة قصص لم تكتمل بعد. فجنات طليس، التي لم تبلغ الحلم بعد، لا تعلم أن والدتها قد استشهدت. تبادر الممرضة إلى التنبيه: «لا تقولي لها شيئاً»، ثم تستقبلك إحدى قريباتها بابتسامة مزيفة، وتهمس: «دخيلك ما تبينيلها ولا تسأليها عن إمها». جرح جنات بليغ. جرح الجسد، وجرح الرحيل المؤجل.
ومن القصص غير المكتملة، حيدر حسين مصطفى. الطفل الذي حلّ به اليتم فجأة. توفي أبواه، حسين وليلى، في مستشفى بهمن، فيما يقبع هو في أروقة الرسول الأعظم، وحيداً.
يُجمع الجرحى على أنهم أصيبوا في الانفجار الثاني. «سمعنا صوتاً ضخماً فهرعنا لنرَى ما حدث». لطالما أهمل الناس التنبيهات الأمنية بعدم الاقتراب من مكان الانفجار، خشية وقوع آخر. وها هم وقعوا في فخ «الدهاء» الإرهابي.
ينقل لنا بعض الجرحى ما سمعوه قبل الانفجار الثاني: «الله أكبر». أعلن الانتحاري الثاني لحظة النهاية بتلك الكلمات. كلمات الحق التي لطالما أريد بها باطل.
يتكلم الجميع هنا عن الشهيد عادل ترمس، الذي اكتشف أمر الانتحاري الأول وضمه منعاً من توجهه نحو المسجد. يقول أحد الممرضين، وهو من جيران الشهيد، إن «بعض وسائل الاعلام نقلت عن ترمس أخباراً غير صحيحة، كالادعاء بأنه قيادي في حزب الله، أو أن ابنته كانت معه». يضيف بانفعال: «كان عيد زواجه من كم يوم. اتصل قبل ما يستشهد بأخيه وقال له جايي»، ولم يعُد.