استفاق نواب «المعارضة» الـ33 من سبات دام أكثر من شهرين، فاجتمعوا أمس، للمرة الأولى منذ انعقاد «لقاء معراب» في 27 نيسان الفائت، وأصدروا بياناً، لزوم تثبيت الحضور، مستنسخاً عن مضامين البيانات التي أطلقوها على مدار تسعة أشهر من الحرب الدائرة جنوباً. الاجتماع الخالي من أي جديد على صعيد موقف «السياديين» من الحرب، تكمُنُ دلالاته في توقيت إعادة تشغيل المحرّكات المحكوم بأسبابٍ داخلية وخارجية.فمع سيطرة الملف الجنوبي على المشهد السياسي، ومحاولات الضغط الأميركي لإنجاز حلّ سياسي يُبعد احتمال الحرب الشاملة عن لبنان، يعيش «السياديون» حالاً من التخبّط حول ماهية الخطوة التالية، بعد فشل كل من رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع - كلّ على حدة - في إنشاء جبهة معارضة واسعة تشمل كل الأحزاب والقوى والشخصيات المسيحية المُعارضة مطعّمة بنواب وشخصيات سُنّية، لتوجيه رسالة اعتراض جدّية إلى الخارج حول أداء حزب الله، ولتكون مرجعية تحجز لنفسها مكاناً على الطاولة. وتنقل أوساط مطّلعة أن الجميل «مستاء ليس فقط من عدم قدرته على إطلاق الجبهة الموعودة، وإنما أيضاً من الوضع الذي آلت إليه الأمور، وسط انقطاع اجتماعات نواب المعارضة الـ 33 على مدى شهرين، بسبب الحسابات الداخلية لجعجع، وعدم حماسة النواب السنّة للتموضع في خندق معادٍ للمقاومة»، الأمر الذي ولّد شعوراً بـ«هوة» كبيرة بين أطراف المعارضة.
الإحباط مردّه أيضاً إلى «الرهانات الخاطئة» للجميّل وأصدقائه. فبحسب مصادر متابعة، «أول الرهانات كان على عدم قدرة حماس في غزة وحزب الله في لبنان على الصمود طوال هذه الفترة، وهو كلام قاله الجميل صراحة في أحد مجالسه». وثاني الرهانات كان على الأميركيين، إذ إن «هناك استياء كبيراً في أوساط المعارضين من حوار الأميركيين مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، ومن حصر الموفد الأميركي عاموس هوكشتين اهتمامه بعين التينة والتعامل معها كوجهة رئيسية لعقد أيّ اتفاق». كما «يشكون من أن خطاباتهم وهجومهم العالي والمكثّف على المقاومة، كل ذلك لم يُقرّش بأيّ شكل من الأشكال»، حتى «باتت تخرج أصوات داخلية تدعو إلى إيجاد طرق مختلفة للمواجهة بدلاً من الخطابات التي تكرّر نفسها بشكل لم يعد مستحسناً».
كذلك تنقل المصادر أن «التقارب المستجدّ بين حزب الله والجماعة الإسلامية على خلفية المعركة الدائرة جنوباً إسناداً لغزة، يشكّل تحدّياً كبيراً للمعارضين». ففيما كان هؤلاء يسعون إلى «مواجهة مسيحية - شيعية، واستمالة السنّة، وتصوير أن المكوّن الشيعي ممثّلاً بحزب الله وحده خارج منطق الدولة، جاء انخراط قوات الفجر في الأعمال القتالية ليخلط الأوراق».
ولذلك، لا يغيب عن مجالس «السياديين» انتقاد نواب سنّة أمثال حليمة القعقور وإبراهيم منيمنة وياسين ياسين على خلفيّة مواقفهم غير العدائية للمقاومة و«مهادنتهم» للحزب، انطلاقاً من اقتناع المعارضين بأن «اللحظة مؤاتية، وهناك فرصة لا ينبغي تفويتها لضرب حزب الله تحت عنوان أخذ لبنان إلى حرب عبثية». في «خانة اليكّ» هذه، يعلق «صقور» المعارضة، وفي مقدّمهم الجميل «الذي لا يملك جواباً أو تصوّراً لأسئلة زوّاره عن الخطوة التالية؟». فيما يروّج أنه لا يمانع حواراً برئاسة بري، شرط أن يؤدي إلى انتخاب رئيس للجمهورية، مع استبعاد اسم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.
انزعاج من النواب السنّة ومن تركيز هوكشتين على عين التينة


وفي محاولةٍ للملمة هذا التشتت، تقرّر اجتماع النواب الـ33 («الكتائب» و«القوات» و«تجدد» والنواب مارك ضو ووضاح الصادق وميشال الدويهي) من باب ضرورة الظهور ومعاودة النشاط ككتلة واحدة بعد غياب. وهم ينوون، وفق مصادر، «بدء محاولةٍ جديدة لتقريب وجهات النظر مع النواب إبراهيم منيمنة وياسين ياسين وفراس حمدان وبولا يعقوبيان». ورغم أنّ توقّعاتهم بنجاح المسعى ليست كبيرة، إلا أنّ الشعور بوجود ما يصفونه بـ«الهوّة» في ما بينهم يفرض عليهم المحاولة، سيّما أنّ القلق بدأ يكبر من إمكانية تركيب تسوية سياسية لا تكون المعارضة جزءاً أساسياً من المفاوضات بشأنها.
أما تزامن تفعيل النشاط - وإن كان بمثابة مجرد الدوران في الحلقة المفرغة نفسها، من دون رؤية جديدة للمواجهة - فلا تفصله الأوساط نفسها عن إعلان الجامعة العربية التراجع عن تصنيف حزب الله منظمة إرهابية، «وهو ما لم يستسغه السياديون، ورأوا فيه مؤشّراً إلى تهدئة ما يحصل كمدخل للتسوية السياسية». كما تلفت المصادر إلى تعويل المعارضين على «فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية»، الذي برأيهم «سيزيد من حصار إيران وحلفائها في المنطقة، وعلى رأسهم حزب الله، وسيحجّم دور قطر»، متناسين في كل مرة «الحقيقة المرّة»، بتوهّمهم حجماً فضفاضاً وصعوبة تقبّلهم حقيقة أنّ التحولات أكبر منهم، وبأن أحداً، خارج جدران قاعة اجتماعاتهم، لا يسمع صوتهم مهما علا ولا تصله أصداء مواقفهم.