جاءت المناظرة التي جمعت، الخميس، بين الرئيس الأميركي الحالي، جو بايدن، والسابق دونالد ترامب، مختلفة عن سابقاتها على مختلف الأصعدة. فالمناظرة المشار إليها، وهي الأولى بين الرجلَين منذ عام 2020، جمعت، للمرة الأولى، بين رئيس أميركي حالي ورئيس سابق، هما الأكبر سناً، فيما بدا أنّ هنالك إجماعاً بين المراقبين، في أعقاب المنافسة، على أنّ أداء بايدن، الذي كان من المفترض أن يستغل الفرصة لإثبات أنّ «عمره» لا يشكّل عائقاً فعلياً أمام ترشحه لولاية جديدة، كان «مخيباً للآمال»، إلى درجة أنّه أثار حالة من الهلع في أوساط أعضاء حزبه «الديموقراطي»، ما قد يجعل الرئيس البالغ من العمر 81 عاماً يواجه، طبقاً لمراقبين، موجة من دعوات «التنحّي» عن السباق الرئاسي. كما كان لشق السياسة الخارجية حيّز واسع، وربما غير مسبوق، في المناظرة الأخيرة، بعدما كانت القضايا الداخلية تطغى على نظيراتها في السابق. ويمكن فهم ذلك بالنظر إلى أنّ واشنطن لا تزال «متورّطة» في حربَي غزة وأوكرانيا، اللتين تسعران الانتقادات الموجهة إليها، ما دفع بترامب وبايدن إلى «تراشق» الاتهامات، في ما يتعلق تحديداً بـ«تراجع مكانة» الولايات المتحدة على الساحة العالمية.ومرة جديدة، كرّر ترامب مزاعمه حول أنّ روسيا ما كانت لتهاجم أوكرانيا، لو كان هو في البيت الأبيض، وأنّ الانسحاب الكارثي «والمثير للحرج» للقوات الأميركية من أفغانستان عام 2021، شجع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على بدء الحرب، معتبراً أنّ الأمر نفسه ينسحب على «حماس» وعملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر، باعتبار أنّ إدارته السابقة «جففت» كل الإيرادات لطهران، «ما جعلها غير قادرة على دعم (حماس) أو أي جماعات أخرى في المنطقة»، على حدّ زعمه. على الضفة نفسها، وإذ عبّر كلا المرشحين عن دعمهما لإسرائيل، فقد بدا أنّ هنالك تفاوتاً واضحاً إزاء هذا الدعم؛ إذ قال بايدن إن رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، يؤيد خطته لإيجاد حل للحرب، مندداً، مجدداً، باتهامات الأخير بأن واشنطن لم تدعم تل أبيب بما فيه الكفاية، عبر التأكيد أن الأسلحة الوحيدة التي رفض بايدن إرسالها إلى إسرائيل هي القنابل التي تزن 2000 رطل، والتي «لا تعمل بشكل جيد في المناطق المأهولة بالسكان»، «وتتسبّب بمقتل الكثير من الناس». كما زعم ساكن البيت الأبيض أنّ الطرف الوحيد الذي يريد استمرار الحرب هو «حماس»، التي يجب «القضاء عليها بعدما ضعفت إلى حدّ كبير»، على حدّ زعمه، إنما مع تنبيه إسرائيل إلى ضرورة أخذ الاحتياطات اللازمة في المناطق المأهولة بالسكان. على أنّ ترامب، في المقابل، نفى أي صحة لكلا النقطتين اللتين أثارهما بايدن، مؤكداً أنّ «إسرائيل هي من تريد الاستمرار في الحرب»، وأنّه «يجب أن ندعها تستمر وتنهي المهمة». كما رأى المرشح الجمهوري أنّ دعم بايدن لإسرائيل غير كافٍ، مشيراً إلى أنّ الأخير «أصبح كالفلسطيني»، إلا أنّه لا يلقى قبولاً لأنّه «فلسطيني ضعيف». ورداً على سؤال طرحته المذيعة دانا باش، التي كانت تدير المناظرة، حول ما إذا كان سيدعم إقامة دولة فلسطينية في حال انتخابه، اكتفى ترامب بالقول إنّه «سيتعين عليه بحث ذلك» لاحقاً، قبل أن ينتقل بسرعة إلى الحديث عن علاقة بايدن بـ«الناتو». في المقابل، قال بايدن إنه في عهد ترامب «هاجمت إيران مئات الجنود الأميركيين وتسبّبت في إصاباتهم».
ناقش الديموقراطيون، خلف الأبواب المغلقة، ما إذا كان لايزال هناك مجال لتنحّي بايدن


وفيما يتعلق بحرب أوكرانيا، تعهّد ترامب، مرة جديدة، في حال انتخابه، بإرساء تسوية بين موسكو وكييف قبل توليه منصبه رسمياً حتى. كما هاجم حلف «الناتو»، لافتاً إلى أنّ واشنطن «تدفع فواتير الجميع». وطبقاً لترامب، فإنّ موقف إدارة بايدن من الحرب الأوكرانية سيدفع الولايات المتحدة إلى حرب عالمية ثالثة، «باتت أقرب ممّا يتخيله أحد». على أنّ الخلاف حول أوكرانيا لم يعكس تغيّراً كبيراً في موقف المرشحين، إذ تبنّى الرئيس السابق لسنوات عقيدة «أميركا أولاً» الأكثر ميلاً إلى «العزلة»، وكان قد أثار الجدل بعدما رأى سابقاً أنّ على روسيا أن «تفعل ما تريد» بأعضاء «الناتو» الذين يفشلون في تحقيق أهداف الإنفاق الدفاعي، فيما يسعى بايدن، منذ توليه منصبه، إلى تحسين العلاقة مع حلفاء واشنطن التقليديين، واستعادة مكانتها. وبالحديث عن الأخيرة، كان لافتاً تبادل الاتهامات بين الطرفين حول أسباب تضرر «صورة» واشنطن على الساحة العالمية، إذ حمّل كلا المرشحين بعضهما البعض مسؤولية ذلك. وفي السياق، وصف ترامب انسحاب بايدن من أفغانستان بأنّه «عرض رُعب»، فيما اتهم الأخير، الأول، بالسعي إلى الانسحاب من «الناتو»، ودعم اليمينيين المتطرفين وأدولف هتلر حتى.
في المقابل، اعتبرت مجلة «فورين بوليسي» أنّ أكبر «مفاجأة» في المناظرة كانت على الأغلب عدم التطرق إلى الصين بشكل كبير، لمصلحة التركيز على الحربين في أوكرانيا وغزة، فضلاً عن علاقة الولايات المتحدة بأوروبا و«حلف شمال الأطلسي». وطبقاً للمجلة، فإنّ ذلك يعود جزئياً إلى أنّ ترامب وبايدن ينتهجان سياسة متقاربة جزئياً تجاه بكين، مقارنة بأي قضية أخرى مرتبطة بالسياسة الخارجية، إذ حافظ الأخير على عدد من الرسوم الجمركية التي فرضها الأول على الواردات الصينية، واستمر في تشديد القيود على أشباه الموصلات والسيارات الكهربائية، مطالباً حتى، في بعض المحطات، بتشديدها.

دعوات إلى التنحي
وإذ شملت المناظرة قضايا أخرى، من مثل الاقتصاد والإجهاض والهجرة، فقد تركزت الأنظار، في اليومين الماضيين، على أداء بايدن وانعكاساته السلبية على حزبه ومناصريه. وفي الواقع، في المناظرة التي استمرت لتسعين دقيقة، تعثّر بايدن في الحديث أكثر من مرة، وبدا غير قادر على إيصال فكرته بشكل متماسك وكامل، ما جعل ترامب ينتهز الفرصة لمهاجمته، قائلاً: «أنا حقاً لا أعرف ما الذي قاله في نهاية تلك الجملة، ولا أعتقد أنه يعرف ما الذي قاله»، داعياً إياه إلى الخضوع لـ«اختبار إدراكي». وعليه، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية تقريراً جاء فيه أنّ عدداً من الديموقراطيين الذين كانوا يدافعون عن الرئيس، في الأشهر الماضية، بدؤوا بتبادل المكالمات الهاتفية والرسائل النصية بعد دقائق من بدء النقاش، إذ اتضح أن الرجل لم يكن في «أفضل حالاته». ووسط حالة من «اليأس»، لجأ البعض من هؤلاء إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن صدمتهم، بينما ناقش آخرون، خلف الأبواب المغلقة، ما إذا كان لا يزال هناك مجال للرئيس كي يتنحى لمصلحة مرشح أصغر سناً، بحسب الصحيفة. كما نقلت الأخيرة عن محلل إستراتيجي ديموقراطي مخضرم وداعم علني لبايدن قوله إنّ الرئيس «على وشك مواجهة موجة متصاعدة من الدعوات إلى التنحي»، وإنّه «كان لدى جو بئر عميقة من المودة بين الديموقراطيين، إلا أنّها جفت». وتابع المسؤول الديموقراطي أنّ «الأحزاب وجدت لتفوز»، إلا أنّ «الرجل الذي كان على المسرح مع ترامب لا يقدر على الفوز». ومن جهتها، قال عدد من أعضاء مجلس النواب الديموقراطيين إنهم كانوا يتابعون المناظرة معاً، واعترف أحدهم بأنها كانت «كارثية» بالنسبة إلى بايدن، وإنهم كانوا يناقشون الحاجة إلى «مرشح رئاسي جديد».
ورداً على انتقادات وجّهت إلى بايدن حول «أدائه السيئ» في المناظرة، أقرّ، أمام تجمع لأنصاره في ولاية كارولاينا الشمالية، بأن قدرته على المناظرة «لم تعد كما كانت عليه، لكنني أعلم كيفية قول الحقيقة». وأضاف: «يعلم ملايين الأميركيين، أنك حين تسقط فإنك تنهض مجدداً»، وتعهّد، في الوقت نفسه، الفوز في الانتخابات، معتبراً أن «ترامب خطر على ديموقراطية بلدنا وسيدمرها وأنا من سيدافع عنها (...) ترامب كان يكذب خلال المناظرة وهو من دمر الاقتصاد وارتفع العجز خلال رئاسته إلى تريليوني دولار».