رام الله | قد يكون من المبكر ربْط العملية التي وقعت، فجر أمس، في مدينة كفر قاسم في الداخل الفلسطيني المحتلّ، بمرحلة جديدة من العمل الفدائي المقاوِم، لكنها، على رغم ذلك، تحمِل مؤشرات مهمّة لِمَا يمكن أن يَحدث في أراضي الـ48 في المرحلة المقبلة. ونفت عائلة الشهيد نعيم بدير (23 سنة) الذي أرْدته قوات الاحتلال في كفر قاسم، أن يكون ابنها قد نفّذ أيّ عملية، بل إن الشرطة الإسرائيلية قتلتْه بدم بارد، و«الحديث لا يدور عن عملية، ورواية الشرطة كاذبة... اقتحموا البيت ودمرّوه أمام الأطفال الذين صرخوا وبكوا وارتعبوا من تصرّفاتهم». من جهتها، أفادت مصادر عبرية بأن المهاجِم في العشرينيات من عمره، وأنه هو الذي أطلق النار أوّلاً، قبل أن ينفّذ عملية دهس استهدفت عناصر شرطة الاحتلال، ما أدّى إلى إصابة اثنين منهم بجروح طفيفة، لافتةً إلى أن الشرطة، وخلال البحث في المبنى الذي خرج منه المنفّذ، عَثَرت على سلاح من نوع «كارلو» وذخائر وزجاجات حارقة وسكّين في السيارة. وادّعت قناة «كان» العبرية، بدورها، أن المنفّذ اتّصل بالشرطة، وطلب منها الحضور بسبب «حادث عنف»، وعندما وصلت أطلق النار عليها، بينما أشار مفوّض الشرطة، كوبي شبتاي، إلى أن «ضباط الشرطة مَنعوا وقوع عملية كبيرة وواسعة».ولا يزال الفلسطينيون في الداخل المحتلّ يتقدّمون خطّ المواجهة مع المشروع الصهيوني، كونهم مستهدَفين بأخطر مشاريع التهجير والتصفية، ويتعرّضون للقتل والاعتقال والأحكام القاسية، كما أنهم كانوا سبباً رئيساً في إشعال موجة العمليات الفدائية منذ بداية 2022، إذ استشهد، خلال العام الجاري، ستة فلسطينيين من الـ48 برصاص الاحتلال، من بينهم: سند الهربد من النقب المحتلّ، محمد أبو القيعان من حورة النقب، إبراهيم وأيمن اغبارية، والطفل عيسى الطلقات. من هنا، لا يمكن استبعاد انتقال نموذج العمليات الفدائية، خاصّة الفردية منها، التي تشهدها الضفة الغربية، إلى الداخل المحتلّ، وهو السيناريو الذي لطالما كانت إسرائيل تخشاه، نظراً إلى توافر السلاح بكثرة في الـ48، والقادر على إحداث إرباك كبير في صفوف القوات الإسرائيلية. ومع بداية العام الجاري، وظهور مجموعات المقاوَمة في جنين، والذي تزامَن مع تنفيذ عدّة عمليات فدائية في «الداخل»، من بينها عملية تل أبيب و«بني براك»، شكّل انتقال هذا النموذج من جنين إلى بقيّة المدن هاجس إسرائيل الأوّل. وعلى خلفيّة ذلك، أطلق العدو عمليّة «كاسر الأمواج» لاقتلاع المقاومة، لكن النموذج المذكور استطاع أن ينتقل إلى كل الضفة الغربية تقريباً، فيما يُخشى انتقاله إلى «الداخل».
ستغيّر الحكومة اليمينية الجديدة طبيعة المعادلة في الداخل المحتلّ


وإلى العمليات الفدائية، كان ملاحَظاً مدى الاستهداف الإسرائيلي لمنطقة النقب، والتي تشهد مواجهات دائمة بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال. ويبدو أن هذا الاستهداف سيتحوّل إلى مواجهة مفتوحة تهدف سلطات العدو من ورائها إلى طرد العرب من أرضهم والاستيلاء عليها لمصلحة الاستيطان، وهو ما يُتوقّع أن يُفتح على مصراعيه خلال الفترة المقبلة مع تشكيل حكومة الاحتلال اليمينية، نظراً إلى الأهمية التي يوليها اليمين المتطرّف، وتحديداً بتسلئيل سموتيرتش وإيتمار بن غفير، لمشاريع الاستيطان في النقب، علماً أنهما اشترطا على نتنياهو تولّي مسؤولية ذلك الملف. ويسود إسرائيلَ قلق من تداعيات ما يجري في النقب على الوضع الأمني، إذ بثّت وسائل الإعلام العبرية، أخيراً، مقاطع مصوَّرة لفلسطينيين من سكّان النقب وهم يتدرّبون على إطلاق النار في الصحراء ويقودون مركبات رباعية الدفع، معتبرةً ما تَقدّم «مؤشراً خطيراً».
ستعمل الحكومة اليمينية الجديدة على تغيير طبيعة المعادلة في الداخل المحتلّ، بخاصة وأن بن غفير الذي سيكون أحد أركانها نجح في تشكيل ميليشيات مدنية مسلّحة - وتحديداً في النقب -، على قاعدة: «إذا شعرْت بالخطر، اقتل... الأمر بسيط»، وهي الخطوة التي بادر إليها منسّق حزب «عوتسما يهوديت» في النقب، ألموغ كوهين، في تشرين الأول 2021، حين شكّل ميليشيات مسلّحة بهدف «حماية سكان الجنوب من الجريمة المستفحلة». وتَنظر المؤسّسة الأمنية بتوجّس كبير إلى احتمال انفجار الأوضاع الأمنية في المدن والبلدات الفلسطينية في الداخل المحتلّ في أيّ مواجهة قريبة، وهي تدرك، بحسب محلّلين، أن ذلك الانفجار واقع من دون شكّ، وأنه سيكون أقوى وأعنف من «هبّة القدس» عام 2021.
ولعلّ أكثر ما تخشاه إسرائيل هو أن يتمّ توجيه مئات آلاف قطع السلاح المنتشرة في أوساط الفلسطينيين في الداخل إلى عناصر الشرطة والجيش في أيّ مواجهة، لأن ذلك يعني وجود جيش صغير، سيُلحق خسائر فادحة بقوات العدو، بخاصة وأن محاولات الاحتلال إغراق البلدات الفلسطينية بالمخدرات والسلاح والجريمة، لم تنجح في تحييدها عن قضيّتها، وما أحداث اللد، عام 2021، إلّا مثال على ذلك. وقد عبّر ضابط الشرطة الاحتياط، مسؤول لواء الجنوب السابق، أوري بار ليف، في 7 كانون الأول الماضي، عن تلك الخشية، قائلاً إن «أحداث أيار 2021 تُعتبر تجربة مصغرّة فقط عن المتوقّع حدوثه خلال الفترة المقبلة من تفجُّر للأوضاع في المدن المختلَطة ومن دون سابق إنذار». وحذّر بار ليف من أن «المواجهات التي شهدتها المدن المختلَطة كانت عبارة عن مقدّمة للسيناريو الأسود الذي تتوقّعه الشرطة حال اشتعال الأمور من جديد، حيث يُتوقّع تنفيذ فلسطينيّي الداخل عمليات دامية خلال مواجهات مستقبلية».