الصناعات البلاستيكية في كل ما يحيط من حولنا. دخلت حياتنا ومجتمعاتنا الى حد أصبحت في كل مكان، في البيت والسيارة والمكتب والمدارس والجامعات والطرقات...اليوم تخوض صناعة البلاستيك في لبنان تحدّيات جديدة تتمثّل في محاولة التكيف مع الوضع الاقتصادي الصعب في البلد، كما في المحيط.

فعلى رغم التداعيات السلبية للأزمة السورية على الاقتصاد الوطني، كان لافتاً التحسّن الذي حصده هذا القطاع في السنوات الأخيرة مقارنة بغيره، وذلك جراء التراجع في حدة المنافسة مع البضائع السورية، اضافة الى انتهاج أنماط جديدة تتوافق مع معايير وتقنيات تصنيعية عالمية، ما أهّلها لدخول الاسواق العالمية بقوة. ولكن تبقى المشكلات البنيوية التي تعاني منها هذه الصناعة من دون حل. فمن جهة هناك تعثر كبير في حركة النقل البري والشحن والتصدير، ومن جهة أخرى هناك تنافس غير متكافئ البتة مع دول الخليج، يضاف إليهما ارتفاع أكلاف الإنتاج.

على الصعيد المحلي

في لبنان 325 مصنع بلاستيك، أي نسبة استحواذ تقدّر بـ 9.72% من مجموع الصناعات الأخرى. وتحتل محافظة جبل لبنان النسبة الكبرى من عدد هذه المصانع بـ233 منشأة، تليها محافظة البقاع بـ26 منشأة. وتدل هذه الأرقام بشكل واضح على أهمية هذا القطاع وما يمثله من حجم الصناعة اللبنانية.
أما ما يجب الوقوف عنده فهو ما قدّمته المصانع اللبنانية بمجهودها الفردي. فعلى رغم قدراتها وإمكانياتها ومواردها المحدودة، حققت نتائج جيّدة لناحية التصدير والوصول الى العالمية.
غير أن الحكومات المتعاقبة لم تول أهمية كبيرة لتبني استراتيجية صناعية مدروسة لترقية الصادرات الوطنية، وذلك عن طريق تأهيل القدرات التنافسية وتحسين ظروف الإنتاج، والتي تعتبر محركات أساسية لتضمين الأداء الوظيفي الصناعي. فبقاء المصانع مرهون بمدى تنفيذ السياسة التسويقية السليمة وإعادة ديناميكية النشاط الإنتاجي. وتتمثل أهم أوجه القصور في القطاع الصناعي اللبناني، في ضعف الدعم الإنتاجي والضريبي، الذي ينعكس سلباً على معدلات الصادرات ويسبب تشوهات في هيكلية القطاع وتأثيراته على القطاعات الأخرى.
الى جانب ذلك، تتمثّل قدرة جذب السوق الخارجية باختيار السعر المناسب للسوق الاستهلاكية المكوّنة من الأكلاف المنخفضة السعر، مع احترام مبدأ الجودة والنوعية في التصنيع والتسويق على حد سواء.

عبود

يشير الوزير السابق فادي عبود، بصفته رئيس مجلس إدارة «معمل جي بي آي للصناعات البلاستيكية»، الى أن هذا القطاع صمد خلال السنوات الأربع الأخيرة، نتيجة تعثر وضع الصناعة السورية، هذا ما سبب ارتفاعاً في الأكلاف الإنتاجية للسلع والبضائع السورية، وبالتالي استفاد قطاع البلاستيك اللبناني من تصدير بضائعه وإعادة عجلة إنتاجه.
في لبنان 325 مصنع بلاستيك،
بنسبة استحواذ تقدّر بـ 9.72% من الصناعات الأخرى

ويلفت عبود إلى «أن ما يشهده التصدير من تباطؤ في حجم الأرباح، يعود بدايةً الى التقنين المزمن والقاسي في الطاقة الكهربائية، وهو المعضلة التي فشلت كل الحكومات المتعاقبة في حلّها، إذ تشكّل الطاقة 30% من حجم الأكلاف الإنتاجية. لذلك تعتبر من العناصر الأساسية التي تندرج في تكلفة وحدة الإنتاج، اللازمة في الاستخدامات الصناعية؛ كالعمليات الحرارية والتبريد وإدارة المعدات. إضافة الى مشكلة اخرى، تتمثّل بالرسوم الجمركية المفروضة على البضائع الوطنية والتي ينبغي هيكلتها أو تخفيضها، وذلك لسبب واضح هو التأثيرات السلبية للمنافسة العربية على أسواق التصدير الوطني. إضافة الى الارتفاع في أسعار التخليص الجمركي لإدخال السلع الوطنية عبر مرفأ بيروت».
ويتابع أن «صناعة البلاستيك اللبنانية تعاني أصلاً من ارتفاع أكلاف الإنتاج، خصوصاً في ظل التقنين الكهربائي وارتفاع أسعار التوليد من الوقود والكهرباء. علماً أن الفارق بالطاقة بلغ 7 أضعاف مقارنةً مع دول الخليج». ويطالب عبود «بضرورة تطبيق مبدأ الرسوم التكافؤية، أو الرسم النوعي من أجل حماية الإنتاج الوطني».
وتقتصر موارد لبنان المستثمرة والطبيعية على المياه والمساحة النباتية والأرض. وبالتالي فإن كل المواد الأولية الضرورية لصناعة البلاستيك تستورد من دول الخليج. لذلك، فإن إمكانية المنافسة بالشكل المطلوب تبقى صعبة على المدى المنظور.
ويشير عبود إلى «أن دول الخليج تخالف مبدأ الاتفاقيات المعقودة حول الصناعات القطاعية، كون الاتفاق ينص على عدم الدعم، غير أن الواقع مختلف وقد خرقت هذه الدول مضامين هذه الاتفاقيات عبر الدعمين، الأول في دعم المحروقات والتي تساهم في خفض كلفة الإنتاج وبالتالي انتهاج سياسة انتقائية في أسعار السوق، والقادرة على المنافسة. أما الدعم الثاني فتجلى بعملية الـ volume rebate أي باستيراد 100 طن من البضائع مقابل 1% بضاعة إضافية».
ويوضح الصناعي المخضرم أن ما يقال لناحية الشحن البحري كونه إجراء بديلاً من الشحن البري غير صحيح وغير مفيد. إذ إن أسعار السلع البلاستيكية تواجه ضغطاً قوياً ما جعلها ترتفع، ذلك بسبب ارتفاع أسعار النقل والخدمات في الموانئ وأجرة الشحن التي تضاعفت أكثر من مرتين على إثر الخضّات الأمنية والسياسية التي تعيشها البلاد. إضافة الى الشلل الذي لحق حركة الشاحنات المحمّلة بالبضائع، نتيجة ما خلّفته الأزمة السورية من أضرار وإغلاق شبه تام للمنافذ. وتجدر الإشارة إلى أنّ حركة المعابر البحرية انخفضت بنسبة 20% عام 2013، وارتفعت نسبة الصادرات بحراً من 30 الى 42%، وارتفعت نسبة انسياب الصادرات جواً من 10 الى 11%».

نقيب الصناعات البلاستيكية

من جهة أخرى، أوضح نقيب الصناعات البلاستيكية جان أبو نعوم أن 95% من مصانع البلاستيك اللبنانية ترتكز أساساً على النفط كمادة أوّلية في تصنيع اللدائن، والمنتجة بواسطة الفحم والغاز الطبيعي، ونظراً الى شح إنتاج هذه المواد في لبنان، يعمد الى استيرادها من دولٍ عربية وبخاصةً من السعودية التي تبلغ استثماراتها في هذا القطاع نحو 50 مليار دولار أميركي.
ويؤكد أبو نعوم «أن نقابة الصناعات البلاستيكية قدّمت في وقتٍ سابق طلباً الى وزارة الصّناعة بضرورة إنشاء شركات غير ربحية تهتمّ باستثمار عمليات النّقل والشّحن من أجل رفع الثقل عن كاهل التجّار والصناعيين، غير أن الجواب لم يُسمع حتى هذه اللحظة».
ويستغرب تصرف بعض المصارف لجهة عدم التعاون ومن دون أي مبرر، على الرغم من التعليمات الصادرة عن حاكم مصرف لبنان في هذا الخصوص. وإذا تراوحت الأمور على هذا الشكل، فالواقع ينذر بخسارة سوق البلاستيك التي تعدّ من أهم أسواق التصريف الصناعي اللبناني، كما أن هناك العديد من المصانع التي باتت على شفير الإقفال أو التصريف على اساس الكلفة.
وأضاف أبو نعوم «أن المشاريع الصناعية تعاني على العموم من قلة في السيولة وشح في الرساميل، وإنْ توافرت هذه الرساميل فيمكن اعتبارها تجريبية أي أنها تنطوي على درجة عالية من المخاطر، وعلى رساميل ضئيلة الحجم. وقد تسبّب خسارة عند أي مفترق اقتصادي»، مشيراً الى أن المعامل اللبنانية غير قادرة على تلبية احتياجات السوق المحلية بشكل مريح.