القاهرة | عملياً، لا يختلف "المشروع القومي للأسرة المصرية" في تفاصيله عن مشروع "حياة كريمة"، الذي تُكرَّس له جميع موارد الدولة من الناحية المالية والاقتصادية. كما لا يختلف، في التفاصيل الشكلية، عن "المشروع القومي لتبطين الترع"، الذي أُطلق قبل أكثر من عام، وغيرهما من المشاريع التي تحمل وعوداً كبيرة وأفعالاً قليلة.في جلسة إطلاق المشروع، التي أقيمت في العاصمة الإدارية الخالية من السكان، تحدّث الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، عن النمو السكّاني باعتباره من عوائق التنمية، على رغم أنّ الزيادة بلغت 2.5% فقط، الأمر الذي اعتبره السيسي غير منطقيّ، بالرغم من معدّلات النمو التي تزيد على 4% منذ سنوات. وجاء ذلك نتيجةً لإجراءات رفع الدعم المستمرّة من جانب الحكومة، إلى درجة أنّ المواطن أصبح يدفع ضرائب للدولة على كلّ شيء تقريباً، ويُعامل بالأسعار العالمية في المحروقات، بينما يتقاضى رواتب قليلة.
السيسي اعترف، في حديثه، عرَضاً بالفشل الذي حقّقته بعض مبادراته، وفي مقدّمها القضاء على قوائم الانتظار في المستشفيات الحكومية، التي تشمل الأشخاص الذين هم بحاجة إلى تدخّل جراحي عاجل، بعدما أعلن عن وجود نحو مليون مواطن لا يزالون في الانتظار. ويناقض ذلك البيانات الرسمية التي تؤكّد انتهاء ظاهرة الانتظار، منذ فترة طويلة.
إلّا أنّ الملاحَظ في خطاب السيسي، خلال إطلاق المشروع، هو العجز الواضح عن التعامل مع الخلل الموجود في الدولة، رغم مرور ثماني سنوات على وصوله إلى السلطة. عجزٌ عبّر عنه لدى حديثه عن أكثر من ملف، من النمو السكّاني، الذي لم تنجح الدولة في السيطرة عليه، إلى الإخفاقات المتتالية في ملفّات الزراعة والصناعة، وحتى في جذب فرص الاستثمار. وحمّل السيسي الإخفاق في قطاع التعليم قبل الجامعي والجامعي وتخريج آلاف الطلاب سنوياً من كليات، ليس لها مجالات في سوق العمل، إلى المشكلات المتراكمة من الأنظمة السابقة. إلّا أنّه لم يشِر، في الوقت ذاته، إلى أنّ البرامج التي قدمها نظامه، في السنوات الماضية، لم تكن متاحة ضمن برامج التعليم المجاني في الجامعات، ولم يتم التوسّع فيها إلّا بمقابل مادي، لا يناسب غالبية شرائح المجتمع المصري.
بغضّ النظر عن مفهوم الأسرة المصرية الذي أطلقه السيسي كمشروع قومي، كان لافتاً تقديمه "نصائح" بعدم الإنجاب، في العام الأول للزواج، في وقت تسجّل فيه معدّلات الطلاق 65%، خلال السنة الأولى من الزواج، بحسب الأرقام الرسمية.
ومن هنا، يبدو من الواضح توجُّه الدولة نحو وضع مزيد من القيود على إجراءات الزواج. فبخلاف الأسعار المرتفعة للمنازل والأجهزة الكهربائية، في ضوء تمسُّك العديد من العائلات بالتقاليد المتعارَف عليها في التجهيز، وما تحمله من مبالغات، يسعى البرلمان إلى وضع إجراءات من أجل السماح بالزواج، ما بين فحوصات طبيّة ودورات تدريبية.
يسعى السيسي إلى تطبيق سياسة صارمة تتعلّق بمعدّلات الإنجاب


كذلك، يسعى السيسي إلى تطبيق سياسة صارمة تتعلّق بمعدّلات الإنجاب، سواء بوضع إجراءات تطيل الفترة التي تسبق الزواج، أو حتى بالقيود على المواليد، مع منع إضافة الأطفال الجدد إلى بطاقات التموين وزيادة أسعار التعليم، حتى في المدارس الحكومية، فضلاً عن الرسوم التي يجري سدادها وزيادتها في أيّ خدمات تقدَّم للأفراد.
وتقوم رؤية السيسي على أن يتحمّل كلّ ربّ أسرة الكلفة الحقيقية لمعيشتها وتربية أبنائه بالأسعار العالمية، حتى لو كان هذا الشخص يعيش في بلد مثل مصر، حيث سيصبح الحدّ الأدنى للأجور أقل من 170 دولاراً، بحلول بداية تموز المقبل. يأتي ذلك فيما تُواصل الدولة التخلّي عن القيام بدورها في توفير الخدمات للمواطنين، في مقابل تحصيل مزيد من الأموال لسدّ عجز الموازنة والقروض التي تتزايد يوماً بعد آخر.
وفي السياق، يوضح رئيس الحكومة، مصطفى مدبولي، أنّ الفرق بين المواليد والوفيات في مصر يبلغ سنوياً، 1.5 مليون نسمة. ويشير إلى أنّ المواليد الجدد يحتاجون سنوياً، إلى نحو 20 مليار جنيه كلفة تعليم، إضافة إلى كلفة الطبابة، وغيرها من الخدمات. كما يلفت إلى أنّ ميزانية الصحة كانت تبلغ نحو 32 مليارا جنيه، قبل سبع سنوات، والآن أصبحت نحو 108مليارات، وعلى الرغم من ذلك، فإنّ "المصريين لا يشعرون بأثر هذه الزيادة، مثلما لا يشعر الناس بأيّ إنفاق إضافي على التعليم". أمّا السبب وراء ذلك، بحسب مدبولي، فهو أنّ "القدرة لا تتماشى مع الموارد المتاحة، والمثال ذاته يمكن تطبيقه على كل القطاعات". ومن هنا، يتساءل مدبولي عن شكل الوضع مستقبلاً، "حينما يصل عدد سكّان مصر إلى 150 مليون نسمة، بعد عشرين عاماً مثلاً، فيما تبقى الموارد كما هي؟".
إضافة إلى ما تقدّم، برزت توجيهات رجال السيسي للإعلام، التي طلبوا من خلالها التركيز على النمو السكّاني باعتباره يقضي على كلّ ما يجري تحقيقه من إنجازات، وأنّ الدولة التي أنفقت حكومتها نحو 6.2 تريليونات جنيه، في السنوات السبع الماضية، لا يمكنها أن تفعل أكثر من ذلك في الوقت الحالي.
في هذا الإطار، اكتفت الحكومة بالحديث عمّا أنفقته على المشاريع الخاصّة بالبنية التحتية، بشكل واضح خلال الفترة الماضية. إلّا أنّها، في المقابل، لم تتحدّث عن أيّ عوائد حقّقتها من هذه الإنفاقات، فالطرق التي أنشأتها جنت منها رسوماً، والمدارس التي أنشأتها زادت من مصاريفها، وحتى الجسور الكبرى التي أقامتها وضعت على غالبيتها رسوم مرور مقابل استخدامها خارج المناطق السكنية المزدحمة.